السياسية || محمد محسن الجوهري*

"تنتهي المصالح وتبدأ بعدها الأحقاد"، ربما تلخص هذه العبارة واقع اليوم بين السعودية والإمارات، مع دخول النظامين مرحلةً جديدة تختلف جذرياً عما كانت عليه الأوضاع قبل سنوات قليلة.

ومع أن الإعلام الرسمي في الرياض وأبوظبي لا يزال يتحدث عن عمق العلاقات الأخوية بين البلدين، تحفل وسائل الإعلام الغربية بكمٍ هائلٍ من التسريبات التي تفند التصريحات الرسمية، وتؤكد أن العلاقات معتمة بين الطرفين، لكن في الاتجاه الآخر، حيث تتعدد الأسباب والخلافات وتهدد مستقبل العلاقات بين البلدين، بل وربما مستقبل البلدين نفسه.

شبكة بي بي سي BBC البريطانية نشرت قبل أشهر تقريراً بعنوان: " محمد بن سلمان ومحمد بن زايد: هل انتهى شهر العسل بينهما؟" أكدت فيه أن التسريبات الغربية عن الخلاف بين الرياض وأبوظبي هي حالة اعتادت عليها الأنظمة الخليجية فيما بينها، وتسعى من خلالها إلى تقديم الرسائل والتهديدات عبر وسائل أخرى بعيداً عن إعلامها الرسمي.

وأكد تقرير البي بي سي أن حالة الجفاء بين النظامين قائمة منذ سنوات، وأن بن سلمان قد توعد -خلال لقاء غير رسمي مع صحفيين سعوديين- بفرض حصار على الإمارات، شبيه بحصار قطر عام 2017، مشيرة إلى أن طموح الشخصيتين -بن زايد وبن سلمان- سببٌ جوهري في الصراع الحالي، وأن ذلك أدى إلى نبش ملفات الخلاف القديمة بينهما، كملف النزاع الحدودي.

وخلال السنوات القليلة الماضية، كان الحديث عن الصراع مجرد تكهنات تعززها بعض المواقف السياسية المتناقضة، كالمصالحة السعودية مع قطر بعيداً عن الإمارات، والضربات العسكرية المتبادلة بين مرتزقة الطرفين في اليمن، خاصة أحداث أغسطس 2019، وقصف الإمارات لحلفاء الرياض بالطائرات على أبواب عدن.

إلا أن الأخطر في أوراق الصراع هي "رؤية 2030" التي أعلن عنها بن سلمان في 2016، وبدأت نتائجها تظهر على الأرض، وتهدد مستقبل الإمارات التجاري، سيما وأن الرؤية تسعى إلى تحويل المملكة إلى قوة استثمارية واقتصادية، لتخفيف اعتماديتها الكبيرة على عائدات النفط.

ولا شكَّ أن نجاح خطة بن سلمان يحمل بشائر كارثية للاقتصاد الإماراتي خاصةً دبي التي برزت وجهةً عالميةً بمصادر متنوعة، كالتجارة والخدمات والساحة والتمويل، وبات ميناؤها هو الأهم في الشرق الأوسط، ولا يجرؤ على مضاهاته أي بلدٍ في المنطقة.

ولم يستقر الاقتصاد الإماراتي لكل هذه السنوات بالاعتماد على السلام في المنطقة، بل كان عدم الاستقرار هو العامل الرئيس الذي منع دولاً أخرى من استثمار موانئها وثرواتها، بعد أن أنفقت أبوظبي مبالغ طائلة للاستثمار في الفوضى السياسية والأمنية لعرقلت النشاطات المنافسة لها، وحتى تحظى دبي بأكبر حصة من حجم الاستثمارات العالمية في المنطقة، باعتبارها الوجهة الوحيدة والآمنة.

وكما دمرت الإمارات موانئ عدة دول كاليمن وجيبوتي وإريتريا ومصر وغيرها، فإن مثل ذلك التحرك وارد لعرقلة الطموحات السعودية، وإحباط تحويل المملكة إلى مركزٍ مالي واستثماري ضخم، حتى لا يطغى النمو السعودي على استدامة الاقتصاد الإماراتي.

ولا سبيل لنجاة الاقتصاد السعودي من المؤامرة الإماراتية إلا بمشروع مضاد، ينجح فيه بن سلمان بمحاصرة الإمارات، وضرب اقتصادها حتى لا تكون هي عقبة في طريق مشاريعه الطموحة، وفي الحالتين: لابد من خاسرٍ في ذلك الصراع، ولا مجال للتعايش بين المشروعين، فإما أن تنجح المملكة بموانئها الممتدة على الخليج والبحر الأحمر، وبالتالي يخفت اقتصاد الإمارات ويبدأ بالتلاشي، أو أن تنتفض الأخيرة على خطة المملكة، وتضربها في عقر دارها، كما فعلت من قبل مع غيرها من الدول.

تبدأ خيارات الإمارات بضرب الأمن والاستقرار الداخلي للمملكة وفي سبيل ذلك لابد من استثمار الفكر السلفي السعودي، كما فعلت ذلك مسبقاً في اليمن ومصر، وعندها سيتحرك شيوخ السلفية لتكفير خطط بن سلمان، ومن ثم ضربها عملياً على الأرض، وقد بدأت أبوظبي في ذلك المسار باستقبال وزير داخلية طالبان سراج الدين حقاني، في مؤشرٍ على بداية الاستقطاب العلني للسلفية الجهادية بعد سنوات من العزلة بين الطرفين.

كما ستتجه الإمارات إلى دعم تحركات أخرى في المجتمع السعودي، كالعلمانية والنسوية، وغيرها، وإثارة ملف القمع والاضطهاد للحريات في الداخل السعودي، وهو ملف فادحٌ بالكوارث التي تثقل كاهل الأسرة المالكة، وتنذر بزوال المُلك السعودي.

بالمقابل، فإن أوراق الرياض هي نفسها ضد أبوظبي، بالإضافة إلى أن الواقع الأمني في الإمارات هش، وسهل الكسر، وقد تعود دبي إلى حالتها الأولى من التصحر، في حال غادرتها الاستثمارات والشركات الأجنبية نتيجة بعض الاختلالات.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب