السياسية:




عاد اقتراح الدولتين ليجد طريقه إلى السطح في الأيام الأخيرة، بالطبع الطرح ليس جديداً وهو ابتدأ مع ما طرحته سلسلة الكتب البيض منذ العام 1930 حتى العام 1939، والتي اقترحت أشكال عديدة ومختلفة لدولة صهيونية وفلسطينية على أرض فلسطين. استطاعت القوى الوطنية على الأرض ومنهم الحاج أمين الحسيني، مفتى القدس أنذاك، تقويض المشروع، الذي لم يوافق عليه لا الصهاينة ولا الفلسطينيون بأكملهم. واليوم يعود الأمر مقلوباً، الإعتراف بالدولة الفلسطينية، بعد أن كان استخدام فلسطين ممنوعاً في دوائر القرار الغربية. دولة على كامل حدود العام 1967 وعاصمتها القدس، ولكن كما قال رئيس وزراء إيرلندا لذي تحدث خلال المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه أن إعتراف الدول الثلاث بدولة فسطين، وإلى جانبه اعتراف كل من رئيس وزراء إسبانيا ورئيس وزراء النروج سيتم في الدول الثلاث في 28 من هذا الشهر، وسيكون: "مع الحق الصهيوني بالوجود والأمن".


وفعلياً فقد تم يوم 28 فعلياً الاعتراف بشكل كامل بدولة فلسطين وعن تكريس ذلك بتبادل السفارات ما بين دبلن ورام الله. وكان قد سبق ذلك تحذير من رئيس وزراء الخارجية الدانماركي من تداعيات الهجوم على رفح، مما يدل على قرب اعتراف الدانمارك بالدولة الفلسطينيين وإرسا ل ممثلي للبعثات الدبلوماسية، ونحن بانتظار دول أوروبية اخرى اعلنت أنها ستعترف بالدولة الفلسطينية.
هذا التدافع للاعتراف بالدولة الفلسطينية أسبابه معروفة ومفهومة، وهي ليست بمعضلة، السبب الأول، ارتفاع عدد الشهداء أو "الضحايا" الذين سقطوا جراء وحشية المعركة التي يخوضها العدو الصهيوني بالنار والبارود ضد مدنيين عزل وضد المستشفيات والمدارس والبيوت والحقول، مما غير وجه "اسرائيل" النقي ويداها عفرت بالدماء الفلسطينية. والسبب الثاني، لا يمكن إنكاره، وهو بسالة المقاومين ونظافة كفهم، فهم حتى اليوم لم يقصفوا مؤسسات "مدنية" صهيونية، ولن ينسى العالم مشهد الأسرى الصهاينة وهم وهن يودعون محتجزيهم ويشعرون بالأمان، ومنظر الأسرى الفلسطينيون وكيف خرجوا منهكين ومرضى ومكبلين. والسبب الثالث، وهو الأهم، الشارع الأوروبي الذي سار في مسيرات تعدادها عشرات الالآف في شوارع المدن الكبرى تنديداً بجرائم الإحتلال وبدء المظاهرات والإعتصامات في داخل الجامعات الأوروبية والتي تبشر بسلسلة من حلات "جامعة كولومبيا في نيويورك"، وهي نقطة تحول لا يريد أن يصل إليها الأوروبيون.

ولكن الدول الأوروبية تتحدث عن دولة فلسطينية على أراضٍ احتلت في العام 1967 وعاصمتها القدس، وفي الوقت نفسه، طرحت فكرة أنه من الممكن أن تمتد الدولة الفلسطينية بموجب اتفاق ما بين الصهاينة والفلسطينيين، ولكن أي فلسطينيين؟ لقد ثبت أن اتفاقيات السلام هي اتفاقيات خاسرة بالنسبة للدولة الفلسطينية، لقد حولت أوسلو 1993 مناطق السلطة الفلسطينية إلى كانتونات تحيط بها المستوطنات، في الضفة الغربية وقطاع غزة على حد سواء، ولننتبه هنا لدينا قطاع غزة، وحزام غزة، أي أن غزة مقسمة.

وسيحدد مفهوم الدولة، التي ستقام، الفرق في شكل ونوعية هذه الدولة، هل هي دولة مستقلة؟ لديها مطار ومنطقة تجارة حرية وجيش قوي يدافع عنها، أم هي دولة استخباراتية وعبارة عن فرع أمن للصهاينة كما هي الحال في رام الله اليوم؟ وهل قدم الفلسطينيون جميع هذه التضحيات من أجل نِتَف دولةٍ، فالكيان لن يتخلى عن شبر من المستوطنات ليس دون قتال شرس، والتاريخ اليوم ليس تسعينات القرن الماضي، وحكام الكيان هم بكل معنى الكلمة "كلاب مسعور" تجهر بالذهاب إلى قتل الفلسطينيين وتقول صراحة بأن الفلسطينيين هم حيوانات، أو يمكن أقل، وعلينا أن نسمع هذا في وقت قد يأخذ بهذا الكلام في المحاكم الدولية، ولكن لا آليات حتى اليوم من اجل تنفيذ أي من المقررات. وأساساً هناك من يشكك بمصداقية الإعترافات ويقول أنها مبنية على ضغوط سعودية: الإعتراف بدولة فلسطينية كاملة الصلاحية، مقابل التطبيع السعودي مع الصهاينة، ولكن بعد معركة رفح هناك من يشكك بإمكانية ذلك.

الأمر الملفت أيضاً ضمن نقاط الاعتراف بدولة فلسطين أن الدول الثلاث ستفتح سفارات لها في رام الله، وليس في القدس، هل ستمثل رام الله ما مثلته تل أبيب عند بداية نشوء الكيان؟ هل علينا أن نشكك بالنوايا؟ في الحقيقة نعم. ولكن في الوقت نفسه هل علينا السير بالمقرارات حتى خواتيمها إلى أن نشهد اعترافاً دوليا بفلسطين وخاصة في مجلس الأمن؟ بالتأكيد نعم، ومن الحكمة أن تسير المسرحية حتى آخر فصولها، فلربما عاد غودو وجاء معه التغيير، ولكن إلى أن نشهد عودة الغائب، فمن الممنوع أن يسقط السلاح من أيادي المقاومين اليوم، كما سقط الحجر من أيادي المنتفضين في زمن الانتفاضة الأولى التي بدأت في العام 1987، والتي دفعت نحو اتفاق أوسلو، بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان في العام 1982.

عرض في العام 2021 فيلم بعنوان أوسلو، ربما على الجميع مشاهدته، وفي الحقيقة إذا كان أي اتفاق يريده الأوروبيون يساوي ما الضحية والجلاد وما بين أصحاب الأرض وطارؤون عليها على طريقة أوسلو، وبنفس الشخصيات التي دخلت أوسلو فعلى فلسطين السلام. فرضت منسقة التفاوض في أوسلو على الطرفين وخلال الاستراحات أي حديث في السياسة، بل يمكنهم التحدث عن عائلاتهن أولادهم، زوجاتهم، أعمارهم، ماذا يفعلون؟ عملت المنسقة على أنسنه العلاقة بين الأشخاص المتحاورين، تاركين خلفهم الملايين من الفلسطينيين الذي يطردون من بيوتهم ويجرون جراً للاعتقال والأسر ويقتلون بدم بارد، هذا من الطرف الفلسطيني. وأما الصهيوني فقد صدق أنه إنسان يمكنه ان يتحاور كصديق وهو في الوقت نفسه يعطي الأوامر بالتنكيل بعدوه الفلسطيني وانتهاك حياته ومقدراته. روى الفيلم الحوادث كما حدثت، منتج الفيلم وأصحابه كشفوا الحقائق، وبينما كان المحاور الفلسطيني منسجم بالتمثيلية المؤداة من قبل الصهيوني، كان الصهيوني فعلياً يتلاعب به. لربما كان الرئيس ياسر عرفات يومها على حق حين قال أن المهم أن يدخلوا إلى فلسطين، ولكن يد الخيانة والتعامل كانت طويلة جداً، أطول من يد الحرية في رام الله.

ودون استعراض للقرارات الدولية والأميركية وقرارات الاتحاد الأوروبي منذ العام 2021 بضرورة إقامة الدولة الفلسطينية، وكذلك التحذيرات التي أطلقها المبعوث الأممي لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ميلادينوف في العام والتي تحذر من عملية قضم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، لم يكن هناك خارطة طريق تعمل بموجبها القوى الأممية. واليوم مع اطلاق الإعتراف بالدولة الفلسطينية ورغم استدعاء سفراء اسبانيا وايرلندا والنرويج، من قبل الكيان منذ يومين وتوبيخهم، أو تهديدهم، والذي رد عليه رئيس الوزراء الإسباني، بأن اسبانيا ستعرف كيف تدافع عن نفسها، يدل على عمق الخلاف، أو مسرحية الخلاف. سنبقي كما يقول الإخوان الأميركيون "أصابعنا متقاطعة خلف ظهورنا" بقصد التفائل، ولكن أي تفائل مع انطلاق مجازر رفح، وهذه المجازر هي رد على القرار الأوروبي ورد على الدعوات بالتهدئة، ولكن لننتبه جيداً هي قرارات منسجمة مع الكونغرس الأميركي ومجلس الشيوخ الأميركية وإدارة الرئيس الأميركي، على الرغم من الكذبات التي يطلقها جو بايدن ورئيس مجلس الشيوخ الديمقراطي، تشاك شومر، من أجل دعوة "إسرائيل" لضبط النفس وتجنيب المدنيين.

* المصدر: موقع الخنادق
* المادة نقلت حرفيا من المصدر