محكمة العدل الدولية تعُمق عُزلة الكيان الصهيوني الدولية المتصاعدة
السياسية: مرزاح العسل
يعيش كيان العدو الصهيوني الغاصب في عزلة دولية متصاعدة منذ عدوانه على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة في السابع من أكتوبر الماضي.
وفي هذا السياق اعتبرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن قرار محكمة العدل الدولية يعُمق من العزلة التي يعاني منها كيان العدو الصهيوني على الساحة الدولية.
وأفادت الصحيفة بأن رئيس وزراء الكيان الصهيوني السابق إيهود باراك حذر عام 2011، من "تسونامي دبلوماسي سياسي" من الانتقادات قد يواجه للكيان الغاصب إذا لم يتم حل صراعه مع الفلسطينيين، واليوم يرى محللو السياسة الخارجية الصهيونية، أن هذا التسونامي يبدو أقرب من أي وقت مضى".
وقالت الصحيفة الأمريكية في تقرير كتبه مراسلها باتريك كينغسلي من القدس المحتلة: "إن أمر محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة "إسرائيل" بتعليق حملتها العسكرية في رفح، يضُاف إلى قائمة متزايدة من التحركات الدبلوماسية والقانونية التي تقوض مكانة "إسرائيل" الدولية."
وتطرق باتريك كينغسلي قبل ختام تقريره إلى عُزلة الكيان الصهيوني المتزايدة في العالمين الثقافي والأكاديمي، ففي الأشهر الأخيرة أعلنت جامعات في دول من بينها أيرلندا وهولندا والنرويج وسلوفينيا وإسبانيا أنها قطعت علاقاتها مع نظيراتها الصهيونية أو تفكر في القيام بذلك.
وجاء حكم المحكمة الدولية بعد أيام قليلة من دعوة المدعين العامين في المحكمة الجنائية الدولية، وهي محكمة دولية أخرى، إلى اعتقال رئيس وزراء الكياني الصهيوني بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت، في خطوة حظيت بدعم بعض شركاء الكيان الصهيوني القدماء مثل فرنسا.
كما جاء هذا الأمر في نفس الأسبوع الذي اتخذت فيه ثلاث دول أوروبية خطوة منسقة للاعتراف بفلسطين كدولة كاملة العضوية، وعقب احتجاجات واسعة النطاق في الحرم الجامعي في أمريكا ضد الحملة الصهيونية في غزة، وبعد القرارات التي اتخذتها تركيا بتعليق التجارة مع الكيان المُحتل، وقرارات بيليز وبوليفيا وكولومبيا بقطع العلاقات الدبلوماسية مع هذا الكيان الغاصب.
صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية هي الأخرى أكدت أن رئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو يجد نفسه شيئاً فشيئاً معزولاً عن الساحة العالمية بعد أن وضعه غضب الرأي العام العالمي من حربه المدمرة في قطاع غزة، أمام اثنتين من أهم المحاكم في العالم.
ورأت الصحيفة أنّ نتنياهو يجد نفسه، شيئاً فشيئاً، معزولاً عن الساحة العالمية، وحكومته محاصرة في الزاوية، وسط تحديات قانونية مختلفة وتحوّل في الرأي العام العالمي.
وأشارت الصحيفة إلى غضب الرأي العام العالمي الذي أثارته حرب نتنياهو المدمرة في قطاع غزة، والذي وضعه وحكومته أمام اثنتين من أهم المحاكم في العالم.
وأكدت الصحيفة أنّ الضغط القانوني يتصاعد، رغم تلويح المسؤولين الصهاينة بالتحدي قبل صدور الحكم، وتعهدهم بمواصلة الحرب، بالتزامن مع نظر محكمة العدل الدولية في قضية رفعتها جنوب أفريقيا تتهم الكيان الصهيوني بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية.
وكان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، قد تقدّم بطلب إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت، في وقتٍ سابق من هذا الأسبوع.
وأعلنت دول عديدة دعمها دعوى الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا بحق الكيان الصهيوني، ومنها مصر وليبيا وتركيا، كما تعهدت أكثر من دولة أوروبية، على لسان مسؤولين كبار فيها، عزمها تنفيذ أي قرار يصدر عن المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو وغالانت، بحال وصولهما إلى أراضيها، وفي طليعة هؤلاء المستشار الألماني أولاف شولتس ووزير خارجية النرويج إسبن بارث إيدي.
وقال القنصل العام الصهيوني السابق في نيويورك ألون بينكاس، في تصريحات صحفية الليلة الماضية: إن "هذه ليست مستويات العزلة في كوريا الشمالية ولا بيلاروسيا وميانمار ولكنها عزلة.. إنها تخلق شعورا هائلا بالضغط".
ومع أن الخطوة الأخيرة التي اتخذتها محكمة العدل الدولية قد لا تكون لها آثار عملية فورية، فإن هذه التحركات ضد الكيان الصهيوني الغاصب مجتمعة، لا تظهر فقط-انحسار سمعته الدولية، بل أيضا تضاؤل النفوذ الأمريكي -كما يقول سفير الكيان الصهيوني السابق في واشنطن إيتامار رابينوفيتش.
وأكد رابينوفيتش أن "هناك تغييرا في قواعد السياسة الدولية.. وأن بقية دول العالم في طريقها نحو تجاوز الولايات المتحدة.. وكأنها تقول لواشنطن لا يمكننا أن نهزمكم في الأمم المتحدة ولكن لدينا الآن محكمتان دوليتان وسنتحول إلى هذين المكانين اللذين لا سيطرة لكم عليهما".
ووقع آلاف الفنانين رسالة مفتوحة في شهر فبراير الماضي يطالبون فيها منظمي بينالي البندقية، أحد أهم المهرجانات الفنية في العالم، بمنع الكيان الصهيوني من المشاركة في تجمع هذا العام.
على صعيد آخر، تبنت أمريكا وحلفاؤها لهجة أكثر انتقادًا للحكومة الصهيونية، حتى وهم يحاولون الدفاع عنها ضد الانتقادات الدولية المتزايدة.. وأعرب الرئيس الأمريكي جو بايدن عن قلقه بشأن الهجوم الصهيوني على غزة، وأوقف شحنة من القنابل كانت موجهة للكيان.. وعلى الرغم من بعض التغييرات الطفيفة في المواقف، إلا أن الكيان الصهيوني مستمر في التحلي بالقدرة على مواصلة الحرب بفضل الدعم الأمريكي الكبير.
ويرى مراقبون أن الكيان الصهيوني الغاصب فشل في الدفاع عن روايته المزعومة بشأن هذا العدوان، رواية الدفاع عن النفس المتهالكة، وظهر للعالم بشكل واضح أن هذه الكيان المُحتل استغل ما حدث في السابع من أكتوبر من أجل الإمعان في سياسة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضد الفلسطينيين.
ويؤكد المراقبون أنه نتيجةً لاستمرار هذه السياسة حوصر هذا الكيان الغاصب دولياً، حيث اندلعت مظاهرات أسبوعية مناصرة لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره في مختلف أنحاء العالم، واعتصم الطلبة في غالبية الجامعات الأمريكية والأوروبية، مطالبين بوقف العدوان الصهيوني، ومتهمين هذا الكيان بأنه (دولة إحتلال وأبرتهايد) ومطالبين جامعاتهم بمقاطعة الجامعات الصهيونية.
أما في جانب المناصرة القانونية والدبلوماسية، فقد انحسرت شرعية الكيان الصهيوني دولياً نتيجةً لقضية الإبادة الجماعية ضد هذا الكيان، والتي رفعتها دولة جنوب أفريقيا وساندتها عشرات الدول الأخرى، وكذلك الأمر بالنسبة لإعلان مدعي عام الجنايات الدولية كريم خان سعيه لاستصدار مذكرة جلب لنتنياهو ووزير حربه.
وما زاد الطين بِلة بالنسبة للكيان المُحتل فهو قيام دول مهمة في الإتحاد الأوروبي بالاعتراف بدولة فلسطين وهي إسبانيا والنرويج وإيرلندا، بحيث أصبح ثلث الدول الأوروبية تقريباً تعترف بالدولة الفلسطينية.
وكشف المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان في تقريره الدوري الصادر اليوم السبت، أن توسيع الاستيطان الصهيوني جاء كرد فعل على الاعتراف بدولة فلسطين ما يعكس مأزق سياسة كيان الاحتلال.
وقال المكتب في تقريره: "إن ثلاث دول أوروبية، هي إسبانيا والنرويج وأيرلندا، أعلنت قرارها الأسبوع الماضي الاعتراف بدولة فلسطين، وهذا الاعتراف يدخل حيز التنفيذ في الـ28 من مايو الجاري، وبذلك يصبح عدد الدول التي تعترف بدولة فلسطين 142 دولة من أصل 193 دولة عضو في منظمة الأمم المتحدة."
الجدير ذكره إن كل هذه التطورات الدولية تدفعنا للخروج بنتيجة واحدة واضحة جداً، وهي أن الكيان الصهيوني الغاصب يعيش الآن في أسوء مراحله منذ إنشائه عام 1948، بحيث اتسعت عزلته الدولية وتتسع أكثر فأكثر، وعلى عكس صورته الديمقراطية والمتُحضرة التي يحاول دائماً أن يظهر بها، فقد غدا أمام العالم كيان مُحتل مارق لا يحترم القانون الدولي ولا يمتثل لأحكامه.