السياسية: مرزاح العسل

فقدت إيران اليوم، ثائراً من ثوارها وقائداً مقداماً طالما حمل هموم شعبه وسعى إلى تقدم بلاده ورفعتها وتطورها وحفظ شعبها، كما أنه حمل هم قضايا الأمة والمنطقة وسعى جاهداً لترسيخ دعائم الثورة وتحصين إيران من مخططات الأعداء.

ففي صباح اليوم الاثنين، أعلن التلفزيون الرسمي الإيراني وفاة السيد رئيسي وعبداللهيان والوفد المرافق لهما في تحطم طائرة مروحية، بُعيد إعلان السلطات العثور على المروحيّة التي كانت تُقلّهم غداة تعرّضها لـ"حادث" مأساوي في منطقة جبليّة شمال غرب البلاد وعدم رصد "أيّ علامة" حياة في الحطام.

وقضى السيد رئيسي بحادث مُفجع ومعه وزير خارجيته الدكتور حسين أمير عبد اللهيان الذي وُصُف يوماً بالوجه الناعم لقوة إيران الصلبة، والذي قاد جولة صراع دبلوماسية صعبة مع التطورات التي شهدتها إيران والمنطقة خلال الفترة الأخيرة، بالإضافة إلى إمام جمعة تبريز السيد محمد علي الهاشم، ومحافظ تبريز الدكتور مالك رحمتي، والسيد مهدي الموسوي.

وجاء الإعلان عن وفاة الرئيس الإيراني (63 عاما) ومرافقيه بعد عملية بحث صعبة شاركت فيها العشرات من فرق الإنقاذ وسط ضباب كثيف ورياح شديدة، حيث كانت الظروف الجوية القاسية جعلت من الصعب تحديد المكان الذي وقع فيه الحادث، وهذا ما صعب عمل فرق الإنقاذ للوصول إلى المنطقة.

وتحطمت المروحية في منطقة جلفا الجبلية الوعرة وسط ظروف جوية صعبة، خلال عودة الرئيس من حفل حضره صباح الأحد مع نظيره الأذربيجاني إلهام علييف لتدشين سد مشترك على نهر آراس الحدودي بين البلدين.

وستبدأ، يوم غدٍ الثلاثاء، في مدينة تبريز شمال غرب إيران مراسم تشييع الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، والوفد المرافق له الذين اُستشهدوا في حادث تحطم مروحية، بعد ظهر الأحد، في منطقة جبلية غرب البلاد.

وأفادت وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء الرسمية (إرنا) بأن "مراسم جنازة الرئيس ورفاقه ستقام يوم الثلاثاء الساعة 9:30 صباحاً بالتوقيت المحلي في تبريز".. مشيرة إلى أن جثمان رئيسي سيُنقل لاحقاً إلى العاصمة طهران.

وبهذا الحادث الأليم قدم مسؤولون من مختلف دول العالم والمنطقة تعازيهم باستشهاد الرئيس الإيراني ووزير خارجيته ومرافقيهما في حادث تحطم المروحية التي كانت تُقلهم.. مُعبرين عن حزنهم العميق لوفاة الرئيس الإيراني ووزير خارجيته ومسؤولين آخرين.. كما شاركت عدة دول بوسائل مختلفة في جهود البحث والإنقاذ الخاصة بحادث تحطم مروحية الرئيس الإيراني ومرافقيه.

وعقب الحادث، قدّم قائد الثورة والجمهورية الإسلامية في إيران السيد على خامنئي، تعازيه باستشهاد السيد رئيسي وعبداللهيان والوفد المرافق لهما، مُعلناً الحداد العام لمدة خمسة أيام في البلاد.

وقال السيد خامنئي: إنّ نائب الرئيس محمد مخبر سيتولى مهام الرئيس وفقاً للمادة (131) من القانون، حيث يتعين عليه وعلى رئيسي السلطة القضائية والتشريعية التحضير لإقامة انتخابات خلال 50 يوماً.

وينص الدستور الإيراني على أنه إذا توفي الرئيس وهو في منصبه، يتولى نائبه الأول المنصب، بتأكيد من الزعيم الأعلى، الذي له القول الفصل في جميع شؤون الدولة، ويتولى مجلس يتألف من النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ورئيس السلطة القضائية ترتيب انتخاب رئيس جديد خلال مدة أقصاها 50 يوما.

فيما أعلن المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي بهادري جهرمي، أنّه تمّ تعيين مساعد وزير الخارجية علي باقري كني قائماً بأعمال وزارة الخارجية الإيرانية.

وكلف رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الايرانية، اللواء باقري وفداً رفيع المستوى لفتح التحقيق في أبعاد وأسباب حادثة تحطم مروحية رئيس الجمهورية، والذي وصل إلى مكان الحادث في أذربيجان الشرقية وباشر التحقيق في الحاد، وسيتم الإعلان عن نتائج التحقيقات الميدانية لاحقاً.

من جهته أكد القائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي، أن الأدوار الملهمة والبطولية والبنّاءة التي لعبها الشهيد السيد رئيسي في أداء المسؤوليات الجادة والحساسة في نظام الجمهورية الإسلامية خاصة خلال فترة الرئاسة، ينبغي أن تستمر وتُخلد كمدرسة ومثال جيد عن الخدمة.

بدوره اعتبر وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف، أن أمريكا هي سبب استشهاد رئيس الجمهورية ورفاقه بسبب حظر بيع الطائرات لبلاده.

ويُشار إلى أن العديد من رؤساء وقادة الدول تعرضوا لحوادث جوية أدت في بعض الأحيان إلى مصرعهم، وآخرها كان حادثة "الهبوط الاضطراري" لمروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.. لعل من أبرزها: طائرة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات تعرضت لحادث "هبوط اضطراري" في الصحراء الليبية 1992، وهو حادث سقطت فيه الطائرة، التابعة لشركة طيران "أير بيساو"، التي كان يستقلها عرفات أثناء هبوطها اضطراريا في الصحراء الليبية في 7 أبريل 1992.. ونجا عرفات ولقي ثلاثة من مرافقيه حتفهم.

وقُتل الرئيس الباكستاني محمد ضياء الحق إثر انفجار طائرته في حادث قيل إنه مدبر في 17 أغسطس 1988 قرب بهاولبور في رحلة كان يصحبه فيها نخبة من كبار العسكريين الباكستانيين.. كما قُتل رئيس مجلس الوزراء اللبناني رشيد كرامي، في حادث تفجير طائرة عسكرية عمودية، وقد أدين سمير جعجع قائد القوات اللبنانية بتدبير الاغتيال وحكم عليه بالإعدام ثم بالسجن المؤبد قبل أن يُطلق سراحه في 2005.

ولقي الرئيس الإكوادوري مصرعه في حادث تحطم طائرة في 24 مايو 1981 في ظروف لم يتم توضيحها بالكامل.. كما تحطمت الطائرة الرئاسية البولندية بالقرب من مقاطعة سمولينسك الروسية في العاشر من أبريل 2010، وكان على متن الطائرة المحطمة الرئيس البولندي ليخ كاتشينسكي، وزوجته ماريا كاتشينسكا، بالإضافة إلى سياسيين بولنديين آخرين رفيعي المستوى.

كما قُتل الرئيس المقدوني بوريس ترايكوفسكي، في حادث تحطم طائرة في 26 فبراير 2004، حيث تحطمت الطائرة الرئاسية على بعد عشرة كيلومترات من مدينة موستار البوسنية، ومع ترايكوفسكي لقي ستة أشخاص من الوفد المرافق له واثنين من أفراد الطاقم مصرعهم.

وتحطمت أيضاً طائرة من طراز"تو-134" كانت تقل الرئيس الموزمبيقي سامورا ماشيل عائدا إلى مابوتو من مؤتمر دولي في 19 أكتوبر 1986، في سماء حدود جنوب إفريقيا وموزمبيق وزيمبابوي، وتوفي العديد من وزراء الحكومة الموزمبيقية مع الرئيس.

أما الرئيس العراقي عبد السلام عارف، فقد قُتل وكان يبلغ من العمر 45 عاما إثر سقوط مروحيته في ظروف غامضة حيث كان يستقلها هو وبعض وزرائه ومرافقيه بين القرنة والبصرة مساء يوم 13 أبريل 1966.

نبذة عن السيد إبراهيم رئيسي:

السيد إبراهيم رئيسي هو ثامن رئيس للجمهورية الاسلامية في إيران منذ انتصار الثورة عام 1979م، ولد عام 1960 وينحدر من مدينة مشهد المقدسة وهو ربيب أسرة متدينة، ومن خلالها سلك مسار العلوم الحوزوية حيث أنهى مرحلة الدكتوراه في الفقه والقانون الخاص من جامعة الشهيد مطهري.

قضى الرئيس الشهيد 35 عاماً متنقلاً بين المراكز الحساسة ومسؤوليات كبيرة في الجمهورية الإسلامية، حتى فاز في انتخابات الرئاسة الإيرانية عام 2021م خلفا للرئيس حسن روحاني، ولم يكن يحبذ الأضواء والضجيج الإعلامي لكنه فرض نفسه على الإعلام والشاشات منذ شبابه حيث نجح بملء مكانه في كل المسؤوليات التي تصدى لها، فكان واحدا من السادة الذين شكلوا العصب الأساس للسلطة القضائية في إيران.

شغل السيد رئيسي أول منصب له عام 1982 كمدعي عام لمدينة كرج، ثم ترأس المحكمة الخاصة برجال الدين، شغفه للعمل وحبه لخدمة الناس جعله يتقدم في فترات قصيرة، وفي عام 1986م عُيّن مُدعياً عاماً للعاصمة طهران، وكان يبلغ من العمر وقتها 29 عاما، ليضاف إلى عمله كمنصب رئاسة منظمة التفتيش في الجمهورية الإسلامية.

واصل تقلده المناصب القضائية، حتى العام 2016 حيث اكتسب جماهيرية كبيرة بعد تعيينه من قبل السيد علي الخامنئي لإدارة شؤون العتبة الرضوية المسؤولة عن إدارة الضريح المقدس للإمام الثامن علي بن موسى الرضا عليه السلام.

وفي عام 2019 وفوق مهامه كأمين عام للحرم الرضوي، عيّنه السيد الخامنئي، على رأس السلطة القضائية، وفوق كل ما تقدم كان النائب الأول لرئيس مجلس خبراء القيادة، الذي يسمّي قائد الثورة الإسلامية.

سبأ