السياسية || متابعات ||

العمليات الهجومية اليمنية في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي غيرت مستقبل الحروب البحرية ومفاهيمها، فها هي الولايات المتحدة الأميركية تتجه إلى إعادة النظر في قدراتها البحرية وضرورة تحديثها بحسب تصريحات قادة وجنرالات في البحرية الأميركية.

ما الاستراتيجية الهجومية التي اتبعها الجيش اليمني في تنفيذ عملياته البحرية؟
لم تكن العمليات الهجومية التي نفذتها صنعاء في مسرح العمليات البحرية ذات هدف واحد يتمثل في استهداف السفن التجارية التابعة لـ"إسرائيل"، وكذلك سفن العدوان الأميركي والبريطاني، فحسب، بل كانت إلى جانب تحقيق هذه المعادلة تحمل أهدافاً ذات بعد استخباراتي بحت لمعرفة نقاط ضعف العدو في البحر.


استراتيجيات العمليات الهجومية
العمليات الهجومية الأولى كانت تتمثل في الهجوم الفردي بإطلاق مسيّرة واحدة باتجاه هدف واحد أو صاروخ بالستي أو مجنح أو زورق مفخخ. وفي الوقت نفسه، تحوم طائرات الاستطلاع لجمع المعلومات. وفي هذه المرحلة، تمكنت قوات الجيش اليمني من معرفة بعض نقاط الضعف.


استراتيجية الهجوم المعقد
بعد ذلك، اتجهت صنعاء إلى تنفيذ استراتيجية العمليات المعقدة بسلاح واحد بأجيال مختلفة، أي استخدام طائرات مسيّرة متعددة المهام، وبأجيال مختلفة، مع إخفاء نيات الهدف المقصود. وكانت هذه أول عملية اشتباك مع الأسطول البحري الأميركي والسفن البريطانية. وقد استمرت عمليات الاشتباك ساعات.

تبعت ذلك عمليات هجومية معقدة بأسلحة مختلفة شملت الطيران المسير والصواريخ البالستية والمجنحة، ونجحت في تنفيذ الهجوم في خليج عدن، حيث توجد الفرقاطات والمدمرات والسفن الحربية، وكانت هذه المرحلة الثانية من الهجوم المعقد، لتضطر الولايات المتحدة بعدها إلى توسيع التحالف ودخول المجموعة الأوروبية تحت مسمى "أسبيدس".

وصلت الفرقاطات الأوروبية واحدة تلو الأخرى إلى مسرح العمليات البحرية، منها الفرنسية والألمانية والهولندية والدنماركية والإيطالية وغيرها، وكان الهدف من ذلك تنسيق الجهود وتوسيع دائرة جمع المعلومات بهدف التصدي لأي هجوم مكثف بطائرة أو صواريخ، فالمناورات التي أقامتها الولايات المتحدة الأميركية مع حلفائها الأوروبيين ربما حاكت هجوماً من هذا النوع.


تغير التكتيك الهجومي
القوات المسلحة اليمنية قامت بتغيير استراتيجية جديدة لعملياتها البحرية، وذلك باستخدام أسلحة أكثر فعالية وسرعة في الوصول إلى الهدف، وتم تنفيذ تكتيك العمليات هجومية المعقدة متعددة المحاور بصواريخ وطائرات مسيّرة متطورة، وبشكل متزامن ومتتالٍ. هذا النوع من الهجمات يتميز بالتخطيط الدقيق والتنفيذ المنسق الذي يهدف إلى زيادة الفعالية القتالية وتقليل القدرة على الرد من جانب العدو، ومثل هذه الاستراتيجية يفرض تحديات في التنسيق والاستجابة السريعة ضمن التحالفات الدولية يمكن أن تؤدي إلى فجوات في الدفاع، فالحاجة إلى التنسيق بين السفن المختلفة وأنظمة الأسلحة يمكن أن تعرقل القدرة على الرد الفوري على الهجمات.

ولكون الأسلحة التي استخدمتها القوات اليمنية ذات فعالية، فهي تؤدي دوراً في عامل الوقت بالنسبة إلى التحالف بين الكشف عن الهجوم والاستجابة له، وهذا يؤدي دوراً حاسماً في فعالية الأنظمة الدفاعية البحرية، إذ تواجه القوات البحرية تحديات عدة تتعلق بسرعة الاستجابة، مثل:

الكشف المتأخر: الهجمات التي تستخدم تكنولوجيا متقدمة، مثل الطائرات من دون طيار المنخفضة الارتفاع أو الصواريخ فائقة السرعة، قد تكتشف في وقت متأخر بسبب قدراتها على تجنب الرادارات، ما يقلل الوقت المتاح للرد.

زمن الاعتراض: حتى بعد اكتشاف التهديد، قد يكون الوقت اللازم لاعتراض الهدف قصيراً جداً، وخصوصاً إذا كانت السفينة المستهدفة قريبة من مصدر الهجوم، وكان اعتراض الأهداف السريعة يتطلب تنفيذاً سريعاً ودقيقاً للأنظمة الدفاعية.

قيود النظام: بعض الأنظمة الدفاعية قد تحتاج إلى وقت للتفعيل أو قد تكون لديها دورات إعادة تحميل تقيد قدرتها على الرد الفوري. على سبيل المثال، نظام CIWS يمكن أن يتعامل بفعالية مع هدف واحد في وقت واحد، ما يجعله أقل فعالية ضد سرب من الطائرات من دون طيار.

تحديات التمركز: في العمليات التي تشمل تحالفات دولية، قد يؤدي التنسيق بين القوات المختلفة إلى تأخير في الاستجابة، وتأخير في تبادل المعلومات الاستخبارية واتخاذ القرارات، ما يمكن أن يطيل الوقت اللازم لتنفيذ استجابة فعالة.

التدريب والجاهزية: الكفاءة والجاهزية العامة للطاقم يمكن أن تؤثر أيضاً في سرعة الاستجابة، فالطواقم التي تمر بتدريبات منتظمة ومحاكاة للهجمات قادرة على الاستجابة بشكل أسرع وأكثر فعالية.


استراتيجية الهجوم المركز
بعدما استخدم الجيش اليمني استراتيجية هجومية أفقدت الفرقاطات الأميركية والأوروبية القدرة على التنسيق في ما بينها، انتقلت القوات المسلحة اليمنية إلى تكيتك هجومي آخر وجديد زاد من تعقيدات المعركة بالنسبة إلى الأعداء. هذه الاستراتيجية تمثلت في الهجوم المركز.

الهجوم المركز في العلوم العسكرية يُشير إلى توجيه وتركيز الضربات نحو هدف واحد أو منطقة محددة بشكل مكثف، بهدف تحقيق نتيجة حاسمة بأسرع وقت ممكن. إضافة إلى ذلك، يعتمد على التركيز العالي للقوة في نقطة معينة أو حيث يمكن أن يُحدث تأثيراً استراتيجياً كبيراً، بحيث يكون الهدف من هذا الهجوم هو استنزاف قدرات العدو أو شل قدرته.

تم تنفيذ هذا التكتيك العسكري الهجومي المركز باتجاه الفرقاطات الأوروبية كل على حدة. في البداية، تم تركيز الهجوم على الفرقاطة الفرنسية، ثم بعد ذلك الألمانية، ثم الهولندية، لتضطر هذه الفرقاطات إلى مغادرة البحر الأحمر، بعدما نفدت صواريخها التي استخدمت في الاعتراض، الأمر الذي يعكس مستوى عالياً من الكفاءة والفعالية في العمليات العسكرية البحرية التي ينفذها الجيش اليمني، فاستنزاف الفرقاطات لصواريخها الدفاعية وإجبارها على مغادرة المنطقة يشير إلى قدرة اليمن على تنفيذ هجمات موجهة أو مركزة ومستمرة بما يكفي لتحقيق تأثير استراتيجي ملحوظ.

في الوقت نفسه، تبرز التحديات التي تواجه القوات البحرية الدولية في التعامل مع التهديدات غير التقليدية، مثل الصواريخ والطائرات المسيّرة التي يمكن أن تُطلق من منصات متحركة أو مناطق ساحلية معقدة التضاريس، كما تعكس قدرة اليمن على التأثير في حرية الملاحة والأمن البحري في إحدى المناطق الحيوية للتجارة العالمية.

وهنا، لا بد من معرفة تداعيات ما حدث في هذه الاستراتيجية التي تركزت باتجاه الفرقاطات الأوروبية، وسنأخذ الفرقاطة الفرنسية فريم باعتبارها جوهرة الهندسة البحرية وأول سفينة حربية أوروبية تحمل صواريخ كروز.

فرنسا تتباهى بصناعتها للفرقاطات من طراز فريم (FREMM)، وهي من أحدث الفرقاطات متعددة المهام في العالم، بفضل مجموعة من الخصائص التكنولوجية المتقدمة، وبفعل قدراتها القتالية الفائقة.

هذه الفرقاطات تجسد الابتكار الفرنسي في التصميم البحري والهندسة الدفاعية، وتم تصميمها لتلبية متطلبات البحرية الفرنسية، وكذلك للتصدير إلى الدول الأخرى.

الفرقاطات فريم مجهزة بأنظمة سلاح متطورة، بما في ذلك الصواريخ المضادة للسفن والصواريخ الجوية ونظام الدفاع القريب، إضافة إلى قدرات متقدمة للحرب الإلكترونية ومكافحة الغواصات.

هذه الفرقاطات تستطيع أداء مهام متعددة من الدفاع الجوي والسيطرة البحرية إلى الحرب ضد الغواصات والدعم اللوجستي.

فرنسا تروّج لهذه الفرقاطات كرمز لقدرتها على الابتكار في مجال الصناعات الدفاعية وتأكيد دورها كلاعب رئيسي في سوق الأسلحة العالمي، وهذا يشمل عقود التصدير مع دول مثل مصر والمغرب اختارت الفرقاطات فريم لتعزيز قدراتها البحرية.

في 12 أبريل من العام الحالي، أعلنت الفرقاطة الفرنسية "فريم" من طراز آكيتاين الألزاس لأسباب تتعلق بنفاد الصواريخ والذخائر المستخدمة في صد الهجمات اليمنية، وفقاً لقائدها جيروم هنري الذي قال في تصريح لصحيفة "لوفيغارو" الباريسية: "لم تتعامل البحرية الفرنسية مع هذا المستوى من التسلح منذ فترة طويلة، ولم نتوقع بالضرورة هذا المستوى من التهديد. كان هناك عنف غير مقيد. كان مفاجئاً للغاية وهاماً للغاية".

وأكد أن البحرية الفرنسية لم تواجه مثل هذه المعركة الصعبة منذ أن أطلق الناتو بشكل جماعي حملته العسكرية والحرب على ليبيا عام 2011 لإطاحة الحاكم الراحل معمر القذافي، مضيفاً: "لقد مر وقت طويل منذ أن تعاملنا مع هذا المستوى من الأسلحة والعنف"، مؤكداً أن التهديد الذي واجهوه في البحر الأحمر كبير جداً.


ما لم يكشفه هنري
ما لم يكشفه هنري، وكذلك قادة الفرقاطات الأوروبية الأخرى التي غادرت مسرح العمليات القتالية بعد نفاد مخزونها الدفاعي، هو القدرات الاستخباراتية والتقنية للجيش اليمني، فمثل هذا النوع من الهجوم المركز باتجاه الفرقاطات ليس بالأمر السهل، ويتطلب الاعتماد على دقة المعلومات الاستخباراتية أو على امتلاك صنعاء تقنيات تمكنها من تحديد الأهداف الاستراتيجية.

لكن السؤال المهم الذي يضع نفسه هنا: كيف تمكنت القوات المسلحة اليمنية من معرفة مكان الفرقاطة الفرنسية وغيرها عندما شنت عمليات هجومية مركزة في أيام مختلفة، فالفرقاطة لن تظل في المكان نفسه. وبالتأكيد، ستغير مكانها! هل يعقل أن القوات المسلحة اليمنية اعتمدت على معلومات استخباراتية من جهة ما أم أن لديها تقنيات تكشف التوقيع المغناطيسي لكل فرقاطة؟

في السياق العسكري والبحري، يشير إلى النمط المميز للمجال المغناطيسي الذي تولده السفينة أو الغواصة، والذي يمكن أن يُستخدم لكشفها وتتبعها، فكل سفينة لها توقيع مغناطيسي فريد بناءً على عدة عوامل، مثل حجمها وبنيتها والمواد المستخدمة في تصنيعها. هذا التوقيع يمكن أن يؤثر في أجهزة الكشف المغناطيسية، مثل أجهزة الكشف عن الألغام وأنظمة التوجيه للطوربيدات.

إذاً، أنظمة الكشف المغناطيسية تستخدم هذه المعلومات لتحديد موقع السفن عن طريق رصد التغيرات في المجال المغناطيسي للأرض التي قد تسببها هذه السفن.

الجيوش والأساطيل البحرية تعمل باستمرار على تطوير تقنيات لتقليل التوقيعات المغناطيسية لسفنها لجعلها أقل قابلية للكشف، وخصوصاً في سيناريوهات الحروب التي يكون فيها الخفاء والتخفي عاملاً مهماً للبقاء.


تفوق نوعي غير مسبوق
وفقاً لما سبق، يمكن القول إننا أمام تفوق نوعي وغير مسبوق لقدرات اليمن العسكرية والتقنية. ولعل تصريحات قادة البحرية الأميركية المتكررة حول تطوير تقنيات وبرامج الدفاع تؤكد أن الولايات المتحدة الأميركية لم تخض معركة معقدة للغاية أو معركة تقنية ومستفزة في الوقت نفسه، كما هي المعركة التي تخوضها مع صنعاء: معقدة من حيث عدم قدرتها على التعامل مع العمليات الهجومية، ومستفزة في أنها جعلتها تشعر بأن كل المناورات البحرية التي أجرتها كانت بلا فائدة.

في شهر مارس/ أذار الفائت، نقلت مجلة "ديفنس نيوز"، وهي مجلة تعني بالشؤون العسكرية، عن الأدميرال مارس ويلسون قائد مركز تطوير الحرب البحرية السطحية، وهو أحد كبار ضباط الاستخبارات في هيئة الأركان الأميركية المشتركة، قوله إن السفن والطائرات توفر "قصة مصورة" لما حدث في كل اشتباك من وجهة نظرها، إضافة إلى البيانات التي تم جمعها بواسطة الرادارات وأجهزة الاستشعار والأنظمة القتالية.

وأضاف قائلاً: "نحن نحاول في الأساس إزالة ضباب الحرب الدائر هناك".

وكشف تقرير المجلة: "بالتوازي مع ذلك، تبحث شركة بي إي أو للأنظمة العسكرية وشركة لوكهيد مارتن عن إصلاحات فنية محتملة يمكن إدخالها في تحديثات نظام أيجيس" (وهو النظام الدفاعي للمدمرات والسفن الحربية الأميركية).

وأوضح التقرير أن "مجموعة أبراهام لنكولن للهجوم التكتيكي المتقدم خضعت لتدريب تكتيكي متقدم على الحرب السطحية، والذي تأثر بشدة بأنواع الاشتباكات التي شهدتها المدمرات في البحر الأحمر على مدى الأشهر الستة الماضية".

ونقل التقرير عن ويلسون قوله إن "المجموعة الهجومية اختبرت أيضاً تعديلات على برنامج أيجيس قبل أن يتم دفع تلك التعديلات إلى السفن العاملة حالياً في الشرق الأوسط"، مضيفاً أن "البحرية الأميركية وشركة لوكهيد مارتن طورتا ما يسمى بعملية (تسريع قدرة آيجيس) التي تسمح بإجراء تغييرات صغيرة بسرعة، بدلاً من انتظار دمجها في الترقية الأساسية الرئيسية التالية لبرنامج النظام القتالي".


البحرية الأميركية أمام تحدٍ حقيقي
هذه التصريحات الصادرة عن الأدميرال تكشف أن القوات البحرية الأميركية أمام تحدٍ حقيقي وكبير، وعليها ألا تفقد هيبتها وهيمنتها البحرية. لذلك، وبحسب التصريحات المتوالية تباعاً، فإنها تسخر كل إمكانياتها بهدف إيجاد حلول تقنية تمكنها من التصدي للتهديدات اليمنية

لذلك، تعكف القوات البحرية الأميركية على دراسة تقنيات جديدة بمساعدة شركات أسلحة وخبراء وفنيين بهدف عمل تحديثات في قدراتها الدفاعية، على سبيل المثال:

قامت البحرية الأميركية بتحسينات كبيرة على نظام القتال "إيجيس" على متن المدمرات. يشمل ذلك تحديثات البرمجيات وتعزيزات التدريب التكتيكي لتحسين القدرة على اكتشاف التهديدات واعتراضها، مثل الصواريخ المضادة للسفن والطائرات من دون طيار التي تستخدمها القوات المسلحة اليمنية.

كذلك، تقوم شركة "لوكهيد مارتن" بتطوير وإرسال تحديثات برمجية للمدمرات بواسطة فريق من الخبراء الفنيين الذين استخرجوا البيانات من جميع أحداث الإسقاط، ويدرس الفريق الاشتباكات بين السفن والطائرات الأميركية في الشرق الأوسط، إضافة إلى التهديدات التي تشكلها القوات المسلحة اليمنية لفهم كيف يمكن للأسطول تعديل العمليات لرؤية الطائرات من دون طيار والصواريخ وهزيمتها بشكل أفضل.

أيضاً، يقوم مركز التطوير الحربي البحري السطحي والألغام بدمج الدروس المستفادة من مواجهات مع القوات المسلحة اليمنية في تدريبات التكتيكات القتالية المتقدمة السطحي.


معركة تقنية بامتياز
إذاً، نحن أمام حرب تقنية غير مسبوقة يتقدم فيها اليمن خطوات، فيما يبذل الجانب الاستخباراتي الأميركي، بالتعاون مع الخبراء التقنيين والمطورين لبرامج الدفاع، جهوداً كبيرة في سبيل حل المعضلة الأمنية المستعصية التي تواجهها البحرية الأميركية من جراء تطور الهجمات اليمنية. وعلى الرغم من إدخال تحديثات متعددة إلى برامج الدفاع، لا تزال هذه التحديات تفرض ضغوطاً كبيرة على القدرات الأميركية.

لقد أظهر الجيش اليمني براعة منقطعة النظير في استخدام الأسلحة البسيطة قليلة التكلفة، والتي نجحت في تجاوز كل منظومات الاعتراض الموجودة على السفن، وزادت من خسائر الولايات المتحدة التي أجبرت على استخدام الصواريخ الاعتراضية المكلفة، وهذا بدوره فرض تحديات كبيرة على البحرية الأميركية، ما دفعها إلى السعي وراء حلول جديدة للتكيف مع هذه التهديدات وتطوير أساليب وتكنولوجيات جديدة للدفاع والاعتراض.

البحرية الأميركية وجدت نفسها بكل تقنياتها المتقدمة ومواردها الضخمة في موقف يتطلب إعادة تقييم وتحديث استراتيجياتها لمواكبة التهديدات غير التقليدية والمتغيرة بسرعة. مثل هذا الوضع يعكس تحدياً تقنياً، وأيضاً استراتيجياً، إذ تحتاج الولايات المتحدة إلى تطوير حلول تكتيكية وتقنية قادرة على مواجهة تكتيكات اليمن غير التقليدية بشكل فعال.

إذاً، هذه الديناميكية تبرز فجوة في الاستجابة الأميركية للتكتيكات المتغيرة والتطور المستمر لأساليب القوات المسلحة اليمنية الهجومية، ما يؤكد نجاح صنعاء في استغلال هذه الفجوة بكفاءة.

وهنا، يبرز تساؤل مهم للغاية حول المناورات البحرية التي تقوم بها الولايات المتحدة في أكثر من منطقة بحرية في العالم، وتنفق عليها الكثير من الأموال، وبشكل سنوي، ولا سيما خلال الأعوام السابقة، إذ نفذت مناورات كبرى وصفت بالمعقدة، فهل كانت تلك المناورات رسائل استعراض جوفاء أمام الخصوم أم أنها لم تحاكِ صراعاً من هذا النوع القائم مع الجيش اليمني؟

في تحليل الفجوة بين القدرات التي تظهرها البحرية الأميركية في مناوراتها السنوية والتحديات التي واجهتها أمام قدرات صنعاء، يمكن النظر إلى عدة عوامل:

طبيعة التهديد: يستخدم اليمن تكتيكات غير تقليدية وأسلحة بسيطة ومنخفضة التكلفة بطرق مبتكرة لتحقيق أقصى تأثير ضد منظومات متقدمة ومكلفة.

هذه التكتيكات قد تشمل استخدام الزوارق السريعة المحملة بالمتفجرات والطائرات من دون طيار وصواريخ أرض-بحر، ما يشكل تحدياً خاصاً للتقنيات الدفاعية التقليدية.

المرونة والابتكار: على الرغم من التقدم التكنولوجي الأميركي، فإن اليمنيين أظهروا قدرة على التكيف والابتكار بسرعة لمواجهة التكتيكات الأميركية، ما يدفع البحرية الأميركية إلى إعادة تقييم استراتيجياتها وتطوير تكتيكات جديدة.

الإدراك والاستخبارات: القدرة على جمع المعلومات الاستخباراتية وتحليلها قد تكون محدودة في بيئة مثل اليمن، وهذا يؤدي إلى تحديات في التنبؤ والاستجابة للعمليات اليمنية.

التقييم الذاتي والتكتيكي: الفشل في المواجهات مع اليمن قد يعكس حاجة للبحرية الأميركية لإجراء تقييم ذاتي نقدي للتكتيكات والاستراتيجيات المستخدمة، وربما يكشف الحاجة لتحسين التدريب والتأهيل لمواجهة تهديدات غير تقليدية في بيئات معقدة.

فجوة بين التدريب والواقع: البحرية الأميركية تجري مناوراتها غالباً في سيناريوهات محكمة ومحددة مسبقاً تستهدف تطوير قدرات معينة وتنفيذ استراتيجيات محددة. ومع ذلك، قد لا تعكس هذه السيناريوهات التحديات الحقيقية والمتغيرة التي تواجهها في مواقف قتالية غير تقليدية مثل تلك التي تنفذها القوات المسلحة اليمنية. هذه الفجوة بين السيناريو التدريبي والتطبيق العملي قد تؤدي إلى نقص في الاستعداد الفعلي.

المرونة التكتيكية: الجيش اليمني يستخدم تكتيكات مرنة وغير متوقعة تتضمن استخدام أسلحة غير مكلفة وفعالة بشكل يصعب على الأسطول الأميركي اعتراضها بسهولة. هذا يشير إلى أن التدريبات الأميركية قد تفتقر إلى النطاق اللازم لتغطية أساليب القوات المسلحة اليمنية المتنوعة والمبتكرة.

إذاً، يمكن القول إن القدرات القتالية للجيش اليمني في البحر الأحمر ومسرح العمليات في البحر العربي والمحيط الهندي شكلت تحدٍ كبير للقوات البحرية الدولية، بما في ذلك القوات الأميركية وحلفاؤها، كما أن استراتيجيات صنعاء في استهداف السفن التجارية والعسكرية التابعة للعدوان تُظهر كيف يمكن أن تؤثر وتفرض تكاليف إضافية على الأساطيل الكبرى.


تحليل استراتيجية الجيش اليمني
من خلال التكتيك الهجومي، يظهر الجيش اليمني استخداماً متعدد الأبعاد ومتقدماً للعمليات البحرية، يعتمد بشكل كبير على الردع والتكلفة والاستفزاز للقوى العالمية. هذه الاستراتيجية تشمل عدة عناصر أساسية:

المرونة والتكيف: يظهر الجيش اليمني قدرة عالية على التكيف مع التحديات الجديدة وتطوير تكتيكات بما يتناسب مع الظروف الميدانية، كما أنه يستخدم مجموعة واسعة من الأسلحة مثل الصواريخ والطائرات المسيرة والزوارق السريعة بطرق إبداعية لزيادة الفعالية الهجومية.

تعظيم الضغط الاقتصادي والسياسي: من خلال استهداف السفن التجارية والحربية التابعة لـ"إسرائيل" وبريطانيا والولايات المتحدة في البحر الأحمر وخليج عدن، تتمكن القوات المسلحة اليمنية من خلق تحديات لوجستية واقتصادية تؤثر في التجارة العالمية، وهذا يضع ضغوطاً على الدول الكبرى للتفاوض أو إعادة النظر في سياساتها تجاه اليمن والشرق الأوسط بشكل عام.

الردع من خلال التكلفة: التكتيك العسكري اليمني يزيد تكاليف التشغيل للقوات المعادية من خلال إجبارهم على استخدام منظومات دفاعية متطورة ومكلفة لإسقاط الصواريخ والطائرات المسيرة. هذا يعني أن اليمنيين قادرون على استنزاف موارد الخصم بتكلفة نسبياً منخفضة لهم.

التأثير النفسي والاستفزاز: استراتيجية الجيش اليمني تتضمن أيضاً عنصر الصدمة والاستفزاز، إذ يهدف إلى توجيه ضربات مؤلمة ومفاجئة تؤثر في معنويات الخصم. إن تركيزه على هذا العنصر يظهر بوضوح في الهجمات المفاجئة والمتزامنة على أهداف متعددة، ما يجبر الخصم على الاستجابة لعدة تهديدات في وقت واحد.

في الختام، استراتيجية اليمنيين في الهجمات البحرية تعكس فهماً عميقاً للديناميكيات الإقليمية والدولية، وتوظف تكتيكات مرنة ومتطورة لتحقيق أهدافهم الاستراتيجية والسياسية وفرض معادلاتهم البحرية في مواجهة تحالفات من كبرى الدول العظمى.


استنتاج
نستنتج مما سبق أن التحديات التي تواجه الولايات المتحدة في البحر الأحمر وصعوباتها في مواجهة هجمات صنعاء قد تُسهم في تآكل بعض الجوانب من سمعتها العسكرية وهيبتها، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بقدرتها على حماية مصالحها ومصالح الكيان الإسرائيلي في المناطق الاستراتيجية، فالفشل في الدفاع بفعالية عن السفن في مناطق كالبحر الأحمر قد يُنظر إليه من قِبل بعض الدول والجماعات كدليل على انخفاض القدرة الأميركية على التحكم والتأثير في الصراعات الإقليمية.

مثل هذه التطورات يمكن أن يقدم فرصة للمنافسين مثل الصين وروسيا لتعزيز تأثيرهم في المنطقة، وربما يستخدمون هذه الفرص لتقديم بدائل للحلفاء التقليديين للولايات المتحدة. إضافة إلى ذلك، يمكن للدول الأصغر والجماعات غير الحكومية رؤية هذه التطورات كفرصة لتحدي الهيمنة الأميركية في مناطق أخرى من العالم.

وفي هذا السياق، الولايات المتحدة، وإن بررت بأنها تحتاج إلى إعادة تقييم استراتيجياتها وتعزيز قدراتها الدفاعية، فمن الصعب جداً مواجهة خصم مثل الجيش اليمني الذي أظهر براعة في هزيمة التقنية الأميركية.


هل غيَّر الجيش اليمني مفهوم الحرب البحرية؟
وفقاً لإستراتيجية الجيش اليمني وعملياته المعقدة والمتنوعة في معركة البحر، وكذلك التصريحات الصادرة عن الجنرالات الأميركيين والأوروبيين، يمكن القول إن الجيش اليمني غيّر من مفهوم المعركة البحرية ومستقبلها.

والدليل أن استراتيجية قوات الجيش اليمني أبرزت عدة نقاط مهمة تتعلق بمستقبل الحرب البحرية منها:

التحديات للأساطيل التقليدية: أظهر اليمن أنه يشكل تحديات جدية للبحريات الحديثة بأسلحة غير مكلفة نسبياً، مثل الطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة، وهذا يدفع القوى البحرية الكبرى إلى إعادة النظر في تكتيكاتها وتحصيناتها ضد هذا النوع من التهديدات.

الأثر في الأمن العالمي والتجارة: الهجمات على السفن التجارية التابعة للعدوان أظهرت كيف يمكن للصراعات الإقليمية أن تؤثر في الأمن البحري العالمي والتجارة الدولية، والتكلفة الاقتصادية لهذه الهجمات، بما في ذلك التأمين وإعادة توجيه السفن، أصبحت عاملاً مهماً يجب مراعاته في الاستراتيجيات العالمية.

الابتكار في الدفاع البحري: تمكين الدول والقوات البحرية من التعامل مع تهديدات جديدة ومتطورة مثل الطائرات المسيرة والصواريخ التي يطلقها اليمن يتطلب تطوير أنظمة دفاعية متقدمة ومرنة. هذا قد يشمل تحسين قدرات الرصد والاستجابة السريعة للهجمات.


حاملات الطائرات عبء ثقيل
لا تزال حاملات الطائرات تُعتبر أدوات رئيسية في استراتيجية القوة العسكرية الأميركية على الصعيد العالمي، ولكن هناك نقاشات حول فعاليتها في بعض السيناريوهات المحددة، مثل الاشتباكات مع القوات المسلحة اليمنية. يُمكن النظر إلى هذه النقاشات من خلال عدة جوانب:

التكلفة والصيانة: حاملات الطائرات من أكثر الوحدات تكلفة في الجيش الأميركي، سواء في بنائها أو صيانتها، ما يجعلها استثماراً كبيراً يتطلب تبرير استمراريتها من الناحية الاستراتيجية.

الفعالية في بيئات القتال الحديثة: اليمنيون استخدموا أسلحة مثل الصواريخ والطائرات المسيرة التي يمكن أن تهدد السفن الكبرى مثل حاملات الطائرات، وخصوصاً في المياه الضيقة أو القريبة من الشواطئ. هذا يطرح تساؤلات حول مدى قدرة حاملات الطائرات على العمل بفعالية في ظل تهديدات غير تقليدية.

بهذه الطريقة، يمكن القول إن اليمنيين ساهموا في تغيير بعض جوانب الحرب البحرية، وخصوصاً من حيث كيفية استعداد القوات البحرية للتعامل مع التهديدات اللامتمركزة التي تواجهها في البيئات البحرية المعاصرة.

- المصدر: الميادين نت
- المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع