شرحبيل الغريب*


فتحت التغريدة الشهيرة لبنيامين نتنياهو، والتي اتهم فيها المؤسسات الأمنية الصهيونية وجهاز الاستخبارات بالفشل فيما جرى في السابع من أكتوبر، النار عليه من دون النظر إلى تداعياتها قبل حذفها، في ظل التهرب المستمر وإصراره المتكرر على رفض تحمل أي مسؤولية عن عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة حماس يوم السابع من أكتوبر، وتعمّده إطالة أمد الحرب، تحقيقاً لأهداف شخصية في الدرجة الأولى.

إعلان قائد القيادة المركزية في "جيش" الاحتلال الصهيوني، يهودا فوكس، نيته الاستقالة، بعد تقديم رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في "جيش" الاحتلال الصهيوني استقالته فعلياً، على خلفية الفشل في الـ7 من أكتوبر والهجوم الصهيوني على القنصلية الإيرانية في دمشق، لم يكن صدفة محضة، بل يُعَدّ مؤشراً على بدء استقالات قادمة في مؤسسة "الجيش" بالتدريج، فالأمر وصل إلى أبعد من ذلك، عبر مطالبة شخصيات سياسية في حكومة نتنياهو، بل مطالبة نتنياهو شخصياً بتكرار نموذج الاستقالة، وتحمل نتيجة الفشل الكبير الذي حدث.

طبيعة الاستقالات، التي بدأت في مؤسسة "جيش" الاحتلال الصهيوني، لها دلالات من حيث التوقيت، إذ إن استقالة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الصهيونية تُقرأ في سياقها رسائل مهمة يجب الوقوف عندها، وتعكس طبيعة العلاقة المضطربة بين المستويين العسكري والسياسي في "إسرائيل"، ويمكن تفسير هذه الدلالات بالتالي:

- تحميل بنيامين نتنياهو شخصياً مؤسسةَ "الجيش"، وخصوصاً شعبة الاستخبارات العسكرية، كونها أعلى هيئة، المسؤوليةَ الكاملة عن الفشل عما جرى في السابع من أكتوبر، والاتهام المباشر لها بالتقصير في دورها، وعدم إنجاز مهماتها طوال الحرب المتواصلة على مدار ستة أشهر بالصورة المطلوبة.

- اتهام نتنياهو شعبةَ الاستخبارات العسكرية في "إسرائيل" بسوء التقدير الذي تقدّمت به مؤخراً إلى المستوى السياسي بشأن استهداف سفارة إيران في دمشق، والتي أدت إلى قيام إيران برد عسكري مركّب ومركّز، استهدف قواعد عسكرية في "إسرائيل" أدى إلى تسارع كبير في تأكّل الردع الصهيوني وفرض معادلات اشتباك جديدة، في ظل خوض حرب في الجبهتين الجنوبية مع حماس، والشمالية مع حزب الله.

- استمرار إطلاق تصريحات الإدانة والاتهام المتكررة، والتي يطلقها شركاء نتنياهو في الحكومة، وتحديداً إيتمار بن غفير وسموتريتش، ضد مؤسسة "الجيش"، واللذين يحمّلان مسؤولية الفشل والإخفاق لشعبة الاستخبارات في "جيش" الاحتلال. وهذا يندرج في سياق الصراع المتفاقم بين التيار اليميني في الحكومة ومؤسسات "جيش" الاحتلال الصهيوني.

- مماطلة نتنياهو واستمرار التلويح بتنفيذ عملية عسكرية في رفح، وادعاؤه امتلاك خطط واضحة، وإدراك مؤسسة "جيش" الاحتلال، في المقابل، أن هناك كثيراً من التباينات ما زالت في هذه القضية بين المؤسسة العسكرية والمستوى السياسي في "إسرائيل"، وأنها لن تتحمل مسؤولية أي فشل محتمل. وهذا بدا واضحاً في تصريحات رئيس أركان "جيش" الاحتلال، هرتسي هاليفي، بشأن العملية البرية في رفح، الأمر الذي عكس خلافاً عميقاً داخل مؤسسات "الجيش" الصهيوني نتيجة سوء التقدير في المعلومات التي يتم الحديث عنها.

- ثمة رسالة توجّهها مؤسسة "جيش" الاحتلال، من وراء الاستقالة ، إلى المجتمع في "إسرائيل"، في ظل تصاعد الحراك الشعبي المطالب بإبرام صفقة تبادل للأسرى مع حركة حماس، مفادها أن لا توافق بين "الجيش" والمستوى السياسي بشأن هذه القضية.

- رفض نتنياهو وضع استراتيجية حرب واضحة الأولويات أمام شركائه في مجلس الحرب والمؤسسة العسكرية، في ظل اكتشاف أهدافه بشأن إطالة أمد الحرب ورفضه إقرار الأولويات التي يجب أن تكون، أمام إصرار غانتس وآيزنكوت على إعطاء ملف تبادل الأسرى أولوية وأهمية كبيرتين، في مقابل رفض نتنياهو هذه الفكرة، وعدّها قضية ثانوية.

- تشكُّل حال من انعدام الثقة بين نتنياهو وكل شركائه المحيطين به في مجلس الحرب، ترك تساؤلات داخل مؤسسة "جيش" الاحتلال في ظل حديث أميركا عن نيتها فرض عقوبات على كتيبة "نيتساح يهودا"، إذ إن هذه القضية تركت نتيجة واضحة أمام مؤسسة "جيش" الاحتلال، مفادها أن "الجيش" سيصبح متروكاً للعقوبات الدولية، وهي مسألة أثارت غضباً كبيراً لدى قيادات قوات الاحتلال.

ما كشفته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الصهيونية عن مقرّبين إلى قائد القيادة المركزية في "جيش" الاحتلال أنه يَعُدّ نفسه جزءاً من الأركان، التي فشلت في السابع من أكتوبر، وعليه أن ينهي مهمته، مثل كثيرين آخرين، يعطي مؤشراً كبيراً على أن هذه الاستقالات ستكون لها تداعيات على صعيد الشارع الإسرائيلي في وقت بدأت مطالبات واسعة باستقالة شخصيات أعلى من رئيس شعبة الاستخبارات، بالإشارة إلى نتنياهو. وهذا، في حد ذاته، مؤشر على فقدان الثقة بين المجتمع في "إسرائيل" وقياداته السياسية والعسكرية، في وقت باتت الحرب بعد ستة أشهر غير واضحة الأولويات، ومتعثرة في تحقيق الأهداف.

موجة الاستقالات بدأت مؤخراً باستقالة الوزير في حكومة نتنياهو، جدعون ساعر. ومع بدء استقالات قادة في مؤسسة "جيش" الاحتلال، تطفو على السطح تباينات وخلافات أكثر حدة، مع انعدام الثقة بين الأطراف كافة في "إسرائيل"، وهو ما يعزز نتيجة، مفادها وجود طبقة قيادية عسكرية كاملة ستستقيل بسبب عملية طوفان الأقصى، وهو أمر سيترك فراغاً كبيراً في هذه المؤسسة، تهدف من ورائه الصهيونية الدينية اليمينية إلى إحكام سيطرتها على مؤسسة "جيش" الاحتلال.

ما يجري، بعد قرار الإدارة الأميركية إنزال عقوبات على كتيبة في "جيش" الاحتلال، يندرج في سياق تصاعد وتيرة الصراع على شكل مؤسسة الجيش في "الدولة العميقة" داخل "إسرائيل"، كما أن قضية الاستقالات ستُلقي ظلالها على اتجاهات الحرب في قطاع غزة، في وقت يريد "جيش" الاحتلال الصهيوني إنجاز عملية برية في رفح في وقت زمني سريع، عبر الرهان على تحقيق إنجاز، بعيداً عن سياسة المماطلة المكشوفة التي ينتهجها نتنياهو، والتي باتت واضحة ومكشوفة أمام شركائه. وبالتالي، فإن المشهد في "إسرائيل" في انتظار إعلان موجة من الاستقالات المحورية التي ستخلق واقعاً جديداً، عنوانه أن الجميع مسؤول عن فشل السابع من أكتوبر، والجميع يجب أن يخضع للمساءلة، ولا أحد مستثنى من ذلك.
* المصدر: موقع الميادين نت
* المقالة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب