بعد فشل جيشه في تحقيق أهدافه.. العدو يستخدم التجويع سلاحاً في عدوانه على غزة
السياسية – تقرير :
مرزاح العسل
بعد فشل جيش العدو الصهيوني في حسم المعركة وتحقيق ولو جزء بسيط من أهداف العدوان على غزة، وفي ظل تضاعُف خسائره البشرية والمادية.. باتت حكومة العدو تستخدم تجويع المدنيين أسلوباً وسلاحاً للحرب على قطاع غزة، ما يُشكل جريمة حرب.
ووفقاً لتصريحات القادة الصهاينة العلنية والتي أبدوا فيها نيّتهم حرمان المدنيين في غزة من الغذاء، والماء، والوقود، فقد انعكست هذه التصريحات في العمليات العسكرية لقوات العدو، والتي طالما أن الدعم الأمريكي والغربي مستمر لهذا الكيان اللقيط فيمكنه الاستمرار في حربه على غزة لسنوات.
وتؤكد منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن حكومة العدو الصهيوني تستخدم تجويع المدنيين أسلوبا للحرب في قطاع غزة المحتل، ما يشكل جريمة حرب.. مشيرة إلى أن جيش الإحتلال يتعمد منع إيصال المياه، والغذاء، والوقود، بينما يعرقل عمدا المساعدات الإنسانية، ويبدو أنه يجرّف المناطق الزراعية، ويحرم السكان المدنيين من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم.
ومنذ بدء معركة “طوفان الأقصى” على كيان العدو في السابع من أكتوبر الماضي، أدلى مسؤولون صهاينة كبار، منهم وزير الحرب يوآف غالانت، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير الطاقة يسرائيل كاتس.. وغيرهم بتصريحات علنيّة أعربوا فيها عن نيّتهم حرمان المدنيين في غزة من الغذاء، والمياه، والوقود، وهذه التصريحات تعكسها العمليات البرية لجيش العدو.
كما صرّح مسؤولون صهاينة آخرون علناً بأن المساعدات الإنسانية لغزة ستكون مشروطة إما بالإفراج عن الرهائن الذين تحتجزهم حماس بشكل غير قانوني أو بتدمير الحركة كلياً وهذا ما لم ولن يحصل أبداً.
ويحظر القانون الإنساني الدولي، أو قوانين الحرب، تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، حيث ينص “نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية” على أن تجويع المدنيين عمدا “بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك تعمد عرقلة الإمدادات الغوثية” هو جريمة حرب.
ويرقى الحصار الصهيوني المستمر على قطاع غزة، فضلا عن إغلاقه المستمر منذ 16 عاماً، إلى مصاف العقاب الجماعي للسكان المدنيين، وهو جريمة حرب.. وباعتبار العدو الصهيوني القوة المحتلة في غزة بموجب “اتفاقية جنيف الرابعة”، فمن واجبه ضمان حصول السكان المدنيين على الغذاء والإمدادات الطبية.
والتجويع هو استراتيجية قديمة تم استخدامها عبر التاريخ بواسطة العديد من القوى الاستعمارية، وتعتمد هذه الاستراتيجية الاستعمارية على استخدام الغذاء كسلاح من خلال حرمان السكان في بلد ما من الموارد الغذائية كوسيلة للضغط أو كعقاب.
وفي العصر الحديث، تم استخدامها في أوقات الحرب العالمية وفي سياقات استعمارية مختلفة.. وأحد الأمثلة التاريخية البارزة لاستخدام سلاح التجويع من قبل القوى الاستعمارية كان في الإمبراطورية البريطانية خلال المجاعة الكبرى في أيرلندا (1845-1852)، وفي القرن الـ20، استخدمت القوى الاستعمارية والقوى الإمبريالية سلاح التجويع في سيناريوهات مختلفة.
ويواصل العدو الصهيوني اليوم، حرب الإبادة الجماعية التي يشنها على قطاع غزة، ويُمعن في استخدام سياساته العدوانية النازية تجاه الفلسطينيين، من خلال عمليات قصف البنية التحتية المدنية والقتل والتهجير واستخدام سياسة التجويع والتعطيش والعقاب الجماعي سلاحاً للإيذاء بهدف جعل غزة مكاناً غير صالح للحياة.
وأظهرت مقاطع فيديو نُشرت مؤخراً، تعرض نازحين فلسطينيين لإطلاق نار من جيش العدو، خلال احتشاد الآلاف منهم في الغرب والشمال من مدينة غزة، للحصول على بعض الطحين الذي تحمله شاحنات مساعدات محدودة، ووثقت المشاهد إطلاق النار على الوافدين بشكل مكثف من قبل طائرات العدو.
وعلى الرغم من أن تجويع المدنيين كأسلوب حرب محظور بموجب المادة 54 من “البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف” والمادة 14 من “البروتوكول الإضافي الثاني”، إلا أن العدو الصهيوني يواصل منع وحرمان الفلسطينيين في قطاع غزة من مصادر الغذاء والإمدادات، بينما يقف المجتمع الدولي دون فعل حقيقي يرغم العدو على وقف العدوان الهمجي، أو حتى تسهيل إدخال وتقديم المساعدة الإنسانية السريعة ودون عوائق إلى قطاع غزة.
ويعكس العدو بشكل صارخ التجاهل المطلق للمبادئ والقوانين الدولية، حيث لا ينظر إلى الفلسطينيين كبشر، بل كعقبات تحول دون تحقيق أهدافه الاستعمارية والهمجية، إذ تتجلى العنصرية والوحشية في أبشع صورها، مع إعلان واضح ووقح من قبل مسؤولي العدو عن استخدام التجويع كأداة متعمدة للإبادة والقمع.
ويتذكر الجميع تاريخ التاسع من أكتوبر الماضي، حين صرح وزير الحرب الصهيوني غالانت بكل همجية، بأن كيانه الغاصب سيفرض حصاراً كاملاً على غزة، فلا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا غاز، وكل شي مغلق، واستفاض نصاً بقوله: “نحن نقاتل حيوانات بشرية ونتصرف وفقاً لذلك”.
ومما لا شك فيه أن التصاريح والردود الصهيونية ترتقي إلى مصاف العقاب الجماعي للسكان المدنيين، وهو جريمة حرب واضحة وصريحة، حيث يرتكب العدو الصهيوني إبادة الجماعية، ويتغاضى عن أي قوانين، والعالم لا يُذكره حتى بأنه باعتباره القوة المحتلة لغزة بموجب “اتفاقية جنيف الرابعة يجب عليها ضمان حصول السكان المدنيين على الغذاء والإمدادات الطبية.
وتجسد سياسة الحرمان من الغذاء والماء تجلياً صارخاً لوحشية العدو الصهيوني وهيمنته الفاشية، سواء على الصعيد العسكري أو السياسي، وتعد بمثابة إحدى أدوات الإبادة الجماعية التي يتبناها بكل وقاحة.
ويؤكد مدير الإعلام الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، في تصريح له الأربعاء، أن سكان القطاع دخلوا مرحلة المجاعة، حيث إنه منذ عشرة أيام وحتى الآن لم تدخل إلى كل القطاع سوى تسع شاحنات مساعدات، بينما تحذر منظمات من أن تتسبب المجاعة في قطاع غزة بوفيات.
كما أشار المسؤول الحكومي في تصريحات نقلتها وسائل إعلام فلسطينية، إلى أن 700 ألف شخص على الأقل يعانون مجاعةً قد تؤدي إلى وفاتهم، بينما يواصل العدو الصهيوني منع إيصال المساعدات إلى كل مناطق القطاع، خاصةً في الشمال، الذي يعيش وضعاً مأساوياً.
وفي تصريحات سابقة، قال الثوابتة، لموقع “عربي بوست”: إن المجاعة في قطاع غزة تفتك بالمواطنين، بسبب سياسة التجويع التي ينتهجها العدو الصهيوني ضد أكثر من 400 ألف فلسطيني هناك.. مؤكداً أن المجاعة في الشمال تصاعدت، خاصةً بعد نفاد كميات الأرز والطحين منذ أكثر من شهر ونصف الشهر.
وأشار إلى أن حبوب وأعلاف الحيوانات التي كان يطحنها ويأكلها المواطنون في شمال غزة نفدت منذ أكثر من أسبوعين.. لافتاً إلى أن بعض العائلات تلجأ الآن إلى أكل نصف وجبة كل يومين، بسبب انعدام الطعام.
وأعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، في منشور عبر حسابها على منصة “إكس” الثلاثاء، أن العدو الصهيوني لم يسمح بأكثر من نصف المساعدات المقررة هذا العام إلى شمالي قطاع غزة.
كما أعلنت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، أن جميع سكان القطاع يعانون من “انعدام الأمن الغذائي”، بسبب الحصار الصهيوني المفروض عليهم، منذ السابع من أكتوبر الماضي.. حيث تشير النتائج الأخيرة لفحوص سوء التغذية التي أجرتها المنظمات الشريكة في مجموعة التغذية، إلى زيادة كبيرة في معدل سوء التغذية الحاد العام بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ستة أشهر و59 شهراً في قطاع غزة.
الجدير ذكره أن نداءات الفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة تتوالى لإنقاذهم من الموت جوعا، في حين علق برنامج الغذاء العالمي مساعداته الإنسانية مؤقتا إلى شمال قطاع غزة، وذلك إلى أن تتوفر شروط السلامة الملائمة لعمل طواقم المنظمة والفلسطينيين المراد الوصول إليهم.
ومام مرأى العالم وتصوير الكاميرات، يراقب الجميع كيف يرتكب العدو الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني من خلال سياسة التجويع، ولا أحد حتى اللحظة استطاع فعل شيءٍ لتجنب مأساة المجاعة في غزة وهو ما يخالف نصوص القانون الدولي.