“طوفان الأقصى”.. المعركة الأقسى والأثقل على العدو الصهيوني مقارنة بسابقاتها
السياسية – تقرير :
مرزاح العسل
مثلت معركة “طوفان الأقصى” المباركة المستمرة على كيان العدو الصهيوني منذ السابع من أكتوبر الماضي، منعطفاً تاريخياً كبيراً في مسار القضية الفلسطينية، لعدة أسباب أبرزها الصدمة التي تلقاها العدو والعالم بهشاشته العسكرية وضعفه الأمني، مقابل إمكانيات فصائل المقاومة في قطاع غزة المُحاصر.
ففي صباح السابع من أكتوبر الماضي تعرض كيان العدو الصهيوني لـ”نكبة تاريخية” بعد عملية برية وبحرية وجوية واسعة نفذتها كتائب القسام في غلاف غزة، أسفرت عن مصرع العشرات من ضباطه وجنوده وتدمير فرقة غزة وعدة مواقع عسكرية صهيوني، ما جعل الأوساط الصهيونية تصف هذه المعركة بأنه “الأقسى والأثقل” على الكيان الغاصب مقارنة بما سبقها من معارك.
ولعل من أهم ما ميز معركة “طوفان الأقصى” المباركة، أنها فاقت مثيلاتها خلال السنين الماضية من عدة جوانب، أبرزها فاتورة الخسائر الثقيلة للعدو الصهيوني سواء في الأرواح أو المعدات.
ويؤكد ما يسمى بنائب ورئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الصهيوني تسفي هاوزر، في مقال له بصحيفة “يديعوت أحرنوت” الصهيونية، أن الكيان المُحتل فقد استراتيجية الردع في السابع من أكتوبر، حيث أن المزيد من الناس في المنطقة يعتقدون أن الوقت قد حان للتوقف عن الخوف من “إسرائيل” وهذا تطور مثير للقلق سببه هجوم السابع من أكتوبر.
ومع بدء المعارك البرية شمال غزة في الـ27 من أكتوبر الماضي، تحول ما كان يتوقعه العدو الصهيوني “معركة خاطفة بعد أيام من القصف الجنوني”، إلى معركة استنزاف طويلة وقاسية بدأت من بيت حانون وبيت لاهيا شمالا، ثم الشجاعية وجباليا وصولا إلى خانيونس في الجنوب.
وبحسب إحصائيات جيش العدو الصهيوني المُعلنة فقد وصل عدد قتلاه إلى أكثر من 570 ضابطاً وجندياً منذ بدء العدوان على قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي، بينهم أكثر من 226 قتيلا منذ بدء التوغل البري في الـ27 من الشهر ذاته.. ولكن ما خفي من الخسائر فهو أعظم.
أما وفقا لإحصائيات كتائب القسام فقط، فقد خسر جيش العدو الصهيوني أضعاف أرقامه المعلنة، وهو المعروف بتكتمه الشديد على خسائره، وقاربت عدد الآليات التي دمرتها المقاومة بين دبابة ومدرعة وجرافة وجيب عسكري، نحو 1060 آلية منذ بداية العدوان.
ومقارنة بالماضي، فقد شن جيش العدو الصهيوني أول هجوم واسع على القطاع، في 27 ديسمبر 2008م بعملية أسماها (الرصاص المصبوب)، فيما أطلقت المقاومة الفلسطينية عليها اسم (معركة الفرقان)، واستمرت نحو 23 يوما.. وأنهت هذه الحربَ تهدئة دامت ستة أشهر تم التوصل إليها بين حركة المقاومة الإسلامية حماس وبين كيان العدو، برعاية مصرية في يونيو 2008.
وأعلن العدو الصهيوني أنه خسر خلال هذه المعركة 14 شخصا بينهم 12 جنديا واثنان من المستوطنين، فيما تجاوز عدد الجرحى 300 نصفهم من الجنود.
وفي العام 2014م، بدأ العدو الصهيوني عملية عسكرية فجر الثامن من يوليو في قطاع غزة، أطلق عليها اسم (الجرف الصامد)، استهلها بقصف عنيف على مختلف مناطق القطاع.. في المقابل أطلقت كتائب القسام معركة “العصف المأكول” ردا على العدوان الصهيوني، فيما سمت سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي المعركة، باسم (البنيان المرصوص).
وأعلنت كتائب القسام حينها، عن أسر جندي صهيوني يدعى “آرون شاؤول”، خلال تصدي مقاتليها لتوغل بري للجيش، في حي التفاح، شرق مدينة غزة.. كما أعلنت حكومة العدو الصهيوني، عن فقدان جندي آخر في مدينة رفح، قالت حماس في وقت آخر إنه في قبضتها.
وقُتل 64 جنديا وضابطا في جيش العدو الصهيوني بالإضافة لستة مستوطنين وكان من بين الجنود القتلى من يحملون أيضا جنسيات أخرى كالأمريكية والبلجيكية والفرنسية، وبلغ عدد الجرحى 720 جريحا، فضلاً عن الخسائر الاقتصادية الفادحة التي وصلت إلى 560 مليون دولار في قطاع السياحة، و370 مليون دولار وغيرها.
أما في العام 2021م، فقد اندلعت معركة (سيف القدس) التي أسماها العدو الصهيوني (حارس الأسوار)، في مايو من العام ذاته، بعد استيلاء مستوطنين على بيوت مقدسيين في حي الشيخ جراح، والاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى.
وأطلقت المقاومة الفلسطينية خلال المعركة أكثر من أربعة آلاف صاروخ تجاه الأراضي المحتلة، بعضها تجاوز مداه 250 كيلومترا، وسقط بعضها على مطار رامون، وأسفرت عن مصرع 12 جندياً ومستوطناً صهيونياً وإصابة نحو 330 آخرين.
أما في المعركة الحالية “طوفان الأقصى”، فقد أثار ارتفاع عدد القتلى الصهاينة التي بدأتها حركة “حماس” وشاركت فيها فصائل عدة من المقاومة الفلسطينية، تساؤلات الخبراء بشأن أسباب زيادة الأعداد بالمقارنة مع المدى الزمني القصير للجانب الأكبر من العملية، ودلالاته العسكرية والسياسية، خصوصاً إذا ما قُورن بعدد القتلى الصهاينة في حروب عربية نظامية.
وأرجع أستاذ الدراسات الصهيونية بجامعة عين شمس المصرية الدكتور محمد عبود، في تصريحات نقلتها صحيفة “الشرق الأوسط”، ارتفاع عدد القتلى الصهاينة خلال “طوفان الأقصى” إلى عدة أسباب، منها “عنصر المفاجأة”.
وقال عبود: إن “الفصائل الفلسطينية تمكنت من اختيار ساعة صفر مباغتة لإسرائيل، في يوم عطلة دينية وأسبوعية تسوده عادة حالة من الاسترخاء في مختلف المواقع الصهيونية، كما أن “تكتيك حرب العصابات الذي اتبعته فصائل المقاومة الفلسطينية هذه المرة أتاح عمليات كر وفر، وضربات مباغتة، ونقل المعركة إلى العمق الصهيوني وداخل المستوطنات، مما ساهم في زيادة عدد القتلى من الجانب الصهيوني”.
وبحسب عبود، فقد نال ارتفاع عدد القتلى من “حالة الغرور والغطرسة التي سيطرت على أجهزة الاستخبارات وأجهزة المعلومات في الجيش الصهيوني، وعكس (الارتفاع) فشلاً استخباراتياً صهيونياً، كما شكلت عملية (طوفان الأقصى) ضربة قاصمة لنظرية الأمن الصهيونية”.. حسب وصفه.
فيما يرى الخبير العسكري المصري اللواء محمد علي بلال في تصريحات لـ”الشرق الأوسط”، أن أهم دلالة لزيادة عدد قتلى العدو الصهيوني خلال معركة “طوفان الأقصى” أنها تبرز أن “المقاومة الفلسطينية طورت قدراتها كثيراً”.
ويقول بلال: إن “العملية أثبتت أن المقاومة لديها إمكانيات كبيرة، سواء بشرية، أو عسكرية، وقدرة على التخطيط الاستراتيجي، وإدارة حرب شوارع بمهارة فائقة”.
ويؤكد الخبير المصري أن “زيادة عدد القتلى الصهاينة ستعزز ثقة المقاومة الفلسطينية في نفسها وقدراتها العسكرية، كما ستزيد فرص توحد الفصائل الفلسطينية المختلفة سواء عبر العمل معاً في عمليات مستقبلية، أو التنسيق خلال المواجهات مع العدو الصهيوني”.
وبحسب إحصائية صدرت عما يسمى بـ”مكتب الأمن القومي الصهيوني” عام 2014، ونشرتها صحف صهيونية، فقد بلغ عدد قتلى الكيان الصهيوني خلال الصراع العربي الصهيوني 23 ألفاً و169 شخصاً.
وأفادت الإحصائية بأن عدد قتلى الكيان الصهيوني خلال حروبه مع الدول العربية كان الأكبر بين عامي 1947 و1948، حيث بلغ عدد القتلى نحو 6500 شخص، كما قتل خلال حرب الاستنزاف في سيناء بين عامي 1967 و1973، نحو 1000 جندي صهيوني، وفي حرب عام 1967 بلغ عدد قتلى جيش العدو الصهيوني 750 جندياً، ووفقاً للإحصائية نفسها، فيما بلغ عدد قتلى العدو الصهيوني خلال حرب لبنان الأولى عام 1982 نحو 650 جندياً.
هذا وقد وصفت وسائل إعلام العدو الصهيوني معركة “طوفان الأقصى” المباغتة بـ”الكارثية”، وأن يوم السبت السابع من أكتوبر “الأسوأ في تاريخ إسرائيل”، بسبب عدد القتلى الكبير، وانهيار الوحدات العسكرية الصهيونية في محيط غزة.
ونشرت صحيفة «هآرتس» الصهيونية مقالاً كتبه الدبلوماسي والكاتب الصهيوني ألون بينكاس، بعنوان (7 أكتوبر 2023: تاريخ سيبقى عاراً على إسرائيل).
واعتبر الكاتب الصهيوني هجوم “حماس” بمثابة “كارثة إسرائيلية مروعة، إذ فشلت الدولة بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وجيشه بشكل مذهل في حماية مواطنيها”.. على حد تعبيره.
وقد لا تكشف التصريحات الصهيونية الرسمية عن خسائر العدو في غزة، لكن تقارير طبية من داخل “تل أبيب” تشير إلى أنّ جيش العدو الصهيوني لقي في غزة ما لم يلقاه في أيّ حرب من قبل.
وبحسب ما أوردته صحيفة “تيليغراف” البريطانية، فقد كشف مسؤول طبي بارز في صفوف جيش العدو الصهيوني يدعى آفي يانوف، أن عدد القوات الصهيونية التي تعاني من إصابات شديدة خلال الحرب وصل إلى ضعف عدد الإصابات المشهودة في آخر صراع كبير خاضه الكيان الغاصب في حرب أكتوبر 1973، وأنه الأسوأ منذ وقتها.