اغتيال الخصوم وإضعافهم وانتهاك سيادة الدول سياسة صهيونية أمريكية بامتياز
السياسية: مرزاح العسل
تاريخ أمريكا وكيان العدو الصهيوني مليء بالاغتيالات والأعمال الإرهابية، لكل من يخالفهما أو يقف ضد مصالحهما، حيث ارتفعت خلال السنوات الأخيرة وتيرة الاغتيالات السياسية الدولية، خصوصاً عبر الطائرات بدون طيار، في انتهاك فاضح لسيادة الدول المستقلة وإضعاف لخصومهم.
ولعل من أبرز أسباب هذه الظاهرة أنه لم تتم محاسبتهما أو حتى الحكم عليهما بتعويض الضحايا في أي عملية من عمليات الاغتيال أو الانتهاكات، بعكس ما يحدث عند تورط أي دولة أخرى غير حليفة لهما في مثل هذه العمليات.
وفي ظل غياب العدالة وتراجُع سلطة القانون على جميع المستويات، في عالمنا اليوم، يأتي العدو الصهيوني ومن خلفه أمريكا ودول الاستكبار العالمي بإطلاق الرصاص على هذه المنظومة الدولية بعلاقاتها وقوانينها، إذ لا يُعطي العدو أيَّ اعتبار لأي قانون أو لمبدأ منذ نشأته.
ولعل ما يجري من حرب وحشية ظالمة على غزة يلقي بظلاله على كل المنطقة، فهناك من يسعى لتوسيع رقعة الحرب، في حين تزعم أمريكا وكيان العدو الصهيوني حصر المعركة في غزة وعدم عبورها الى دول أخرى.
وأيضاً يُعد العدوان الأمريكي البريطاني على الشعب اليمني، عدواناً وانتهاكاً مباشراً على سيادة اليمن واعتداء مباشر على الشعب اليمني وهذا ما أكده قائد الثورة السيد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي في خطابه الأخير.. مشيراً إلى أن هذا العدوان لن يغير من موقف اليمن الداعم لغزة.
وقال السيد عبدالملك: “إن العدوان لن يغير من موقف شعبنا والتزامه الإيماني والاستهداف المستمر للسفن المرتبطة بـ”إسرائيل” مستمر”.. مشدداً على أن العمليات اليمنية ستشمل السفن الأمريكية والبريطانية.
ولفت السيد الحوثي إلى أن المواجهة المباشرة مع الأعداء نعمة كبيرة، وشرف عظيم أن نكون في مواجهة مباشرة مع الصهيوني والأمريكي والبريطاني الذين هم أم الإرهاب وجذور الإرهاب ومنابع الإرهاب.
وفي أحدث انتهاك لسيادة الدول قام العدو الصهيوني المجرم صباح اليوم السبت، بشن عدوان جوي على العاصمة السورية دمشق، وأسفر عن استشهاد عدد من القوات السورية وأربعة مستشارين عسكريين من الجمهورية الإسلامية الإيرانية.. مع العلم أن العدوان الصهيوني على سيادة سوريا يتم بشكل متواصل.
وأيضا ما أعلن عنه الدفاع المدني في جنوب لبنان من ارتقاء شهيدين في استهداف صهيوني لسيارة في بلدة البازورية جنوب لبنان.
وأفادت قناة الميادين، اليوم السبت، بأن غارة من طائرة مسيّرة صهيونية استهدفت سيارة على طريق البازورية_ برج الشمالي قضاء صور جنوب لبنان.. مؤكدة أن هذه الغارة أسفرت عن ارتقاء شهيدين من المقاومة الفلسطينية.
ويمكننا القول إن مبدأ انتهاك سيادة الدول على أراضيها، والذي يُعد من أقدم مبادئ القانون الدولي، هو أحد المبادئ الأساسية الذي قام عليه كيان العدو الصهيوني ويرتبط بصلح “وستفاليا”، الموقَّع سنة 1648، والذي انتهت به حرب الـ30 عاماً في أوروبا.
وما يزيد المشهد وقاحةً وفجاجةً، ويُعتبر استهزاءً بالقوانين الدولية وممثليها، هو تبنِّي العدو الصهيوني والأمريكي لعمليات الاغتيال، دون أي خجل أو خوف من أي محاسبة، فلهما تاريخ حافل بالاغتيالات، حيث انتهكوا فيها سيادةَ أكثر من دولة أخرى، هذا بخلاف التهديد بالاغتيالات دائماً لكل أعدائهم.
وعلى سبيل المثال، منذ بدء عملية “طوفان الأقصى” توعَّد مسؤولون صهاينة باغتيال قادة “حماس”، في دول بينها لبنان وقطر وتركيا، وكل هذه البلطجة إذا كانت ستؤكد على شيء فإنها تؤكد أن القانون الدولي لا يطبق على الدول الكبرى وحلفائها.
ولعل ما يحكم العلاقات بين الدول اليوم ليس ما جاء في ميثاق الأمم المتحدة، بل هو قانون آخر أشبه بقانون ساكسونيا، حيث ينُفذ العقاب على الطرف الأضعف دون الطرف الأقوى الذي يكتفي بمحاسبة ظله، وهو ما يتمثل في زمننا هذا بعملية الشجب والتنديد التي تقوم بها المنظمات الدولية، كلما قامت إحدى الدول العظمى بانتهاك مبادئ القانون الدولي، بينما تفرض العقوبات المؤثرة، الاقتصادية منها والسياسية، على الدول الضعيفة.
وأخفق مجلس الأمن الدولي طيلة ثمانية عقود في اتخاذ أي قرار ملزِم يضع حداً لتجاوزات كيان العدو الصهيوني، أو إرغامه على إنجاز السلام المزعوم مع الفلسطينيين، لأنّ أمريكا جعلت “الفيتو” أهمَّ آليات تطويع قرارات الأمم المتحدة في إدارة الصراع، بل إنها الدولة الأكثر استخداما لهذا “الحق” بـ45 مرة في الفترة بين 1970 و1989، على سبيل المثال، لأجل مواجهة قرارات تصادم حمايتها لهذا الكيان المارق.
كما عكست الأمم المتحدة منذ نشأتها شكل النظام الدولي المنبثق عن نتائج الحرب العالمية الثانية، ليظلَّ العالمُ محكومًا من قبل الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن، أو مشلولا في حالة التناقض، والتي تشكّلت أساسًا وفق الرؤية الأمريكية، إذ كان إقرارُ الفيتو مطلبًا أمريكيًّا.
ولم تكتف أمريكا بشلّ دور المنظمة عندما تتعارض مع مصالحها الحيوية في أي مكان، بل جعلتها في حالة تناقض بين ما تتبناه من أهداف ومبادئ أخلاقية وإنسانية وبين واقع الممارسة المكرِّس لهيمنة القوى الكبرى.
وفي وقت تعرقل الإدارات الأمريكية المتعاقبة أي محاولات إصلاحية، للإبقاء على الأمم المتحدة في خدمة مصالح الرأسمالية العالمية بزعامتها، فإنّ الجزائر من الدول الرائدة في الدفاع عن إصلاح مجلس الأمن، باعتباره “ضرورة حتمية لتحقيق نظام دولي أكثر تمثيلا وعدلا وتوازنا”.
وخلال سنوات طوال ساقت الإدارة الأمريكية عدّة مبررات واهية لبقاء قواتها في العراق، ومع تطور ملحمة “طوفان الأقصى” سُلط الضوء مجدداً على المهمة الأمريكية في العراق، وبدأت تطفو إشكالية جديدة على سطح النقاشات العراقية الداخلية، مفادها جدوى الوجود الأمريكي في العراق، خاصةً بعدما اتضح أكثر فأكثر تهديده لأمن وسيادة البلاد والمنطقة.
وفي العراق يُعد اغتيال القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس وشخصيات أخرى، أبرز ما قامت به أمريكا من انتهاك للسيادة العراقية.
وقبل أيام قلائل قال الناطق العسكري باسم كتائب حزب الله العراق، السيّد جعفر الحسيني في مقابلة مع الميادين: إنّ “المعركة مفتوحة، وفيها احتمالات كبيرة، وكل الأهداف الأمريكية والصهيونية وحتى الموجودة في غرب آسيا والخليج، هدف للمقاومة الإسلامية في العراق”.
وعن اليمن، أكّد الحسيني أنّ “أيّ اعتداء عليه سيضع كل الحسابات والاعتبارات جانباً، وستكون جميع الخيارات مفتوحة أمامهم، وستكون هناك ردود من المقاومة الإسلامية في العراق”.
وأمام هذا الضغط الذي تواجهه أمريكا من محور المقاومة على الجبهات كافة، وخاصة الجبهة اليمنية في البحر الأحمر، واستهداف السفن الصهيونية وتلك المتجهة إلى موانئ العدو الصهيوني دعماً لغزة، وصولاً إلى استهداف سفنها رداً على العدوان الأمريكي البريطاني على اليمن، بات الأمريكي يعيش وضعاً حرجاً جداً في ظل فشله في مواجهة روسيا في الميدان الأوكراني، وعجز الهجوم الأوكراني المضاد عن تحقيق أي نتائج.
ويشار إلى أنه منذ الحرب العالمية الثانية، اغتال العدو الصهيوني أناسا أكثر من أي دولة أخرى في العالم الغربي”.. وهذا ما ذكره المحلل الاستخباري الصهيوني رونين بيرغمان في كتابه “قم واقتل أولا”.
حيث يسلط الكتاب، الصادر في عام 2018، الضوء على تفاصيل أبرز العمليات التي نفذها جهاز الاستخبارات الصهيوني “الموساد” في العديد من الدول حول العالم ومنها إيران وألمانيا وتونس وسوريا ولبنان وإيطاليا وفرنسا واليونان، وعنوان الكتاب مستوحى من عبارة في التلمود هي: “إذا جاء أحد ليقتلك، قم واقتله أولاً”.
ويكشف الكتاب النقاب عن أن أجهزة المخابرات الصهيونية نفذت ما لا يقل عن 2700 عملية اغتيال منذ الإعلان عن قيام كيان الاحتلال الصهيوني عام 1948 وحتى إصدار الكتاب.. ويملك الموساد تاريخا حافلا في تصفية من يعدهم “خصوم الدولة”، وبخاصة قادة المقاومة الفلسطينية.
وتمثل ممارسات واغتيالات الموساد انتهاكا صارخا لسيادة الدول، فضلا عن أنها تضرب بعرض الحائط القانون الإنساني الدولي، ناهيك عن أنها في كثير من الأحيان تؤدي إلى مقتل مدنيين أبرياء.
ووقعت آخر عمليات الموساد مساء الثاني من يناير الجاري، حينما قصف العدو الصهيوني بطائرة مسيرة مكتبا لحركة “حماس” في العاصمة اللبنانية بيروت ما أدى إلى اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي للحركة صالح العاروري وستة آخرين بينهم اثنين من قادة كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس.
الجدير ذكره أن ظاهرة الاغتيالات السياسية اكتسبت المزيد من الزخم في الفترة الأخيرة؛ ففي خضم الأزمات المحتدمة التي تواجهها العديد من الدول وحالة الصراع الدولي الراهنة والمتصلة بصورة رئيسية بالحرب في أوكرانيا، باتت الاغتيالات وانتهاك سيادة الدول أداة للتخلص من الخصوم وإضعافهم.