قرار مجلس الأمن محاولة أمريكية مكشوفة لصرف الأنظار عن جرائم الصهاينة بغزة
السياسية – تقرير: يحيى جارالله
لم يكن مستغربا أن يتخذ ما يسمى مجلس الأمن الخاضع لقوى الشر والطغيان بزعامة أمريكا وبريطانيا وحلفائهما الغربيين قرارا مسيسا لمحاولة منع الشعب اليمني من القيام بواجبه ومسؤولياته الدينية والأخلاقية والإنسانية في نصرة الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لعدوان وحصار صهيوني أمريكي منذ أكثر من ثلاثة أشهر أمام مرأى المجتمع الدولي ومجلس أمنه المزعوم.
وفيما كانت شعوب العالم الحرة تنتظر من ذلك المجلس غير الأمين، القيام بمسؤولياته في تبني قرار صارم يلزم الكيان الصهيوني المجرم بإيقاف عدوانه الوحشي على قطاع غزة وإدانته بارتكاب جرائم الحرب والإبادة الجماعية بحق عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والمدنيين في فلسطين، جاء تحرك ذلك المجلس بشكل عكسي ووقف في صف الجلاد ليوفر الدعم للكيان الصهيوني لمحاولة توفير الحماية للسفن الإسرائيلية في البحر الأحمر وباب المندب ليتسنى له الاستمرار في قتل وإبادة الشعب الفلسطيني.
وكانت حكومة الكيان الصهيوني رفضت العمل بقرار مجلس الأمن الصادر في منتصف شهر نوفمبر الماضي والذي دعا إلى تطبيق هدن إنسانية عاجلة في قطاع غزة، إلا أن المجلس لم يحرك ساكنا إزاء رفض الكيان الصهيوني الامتثال لقراره، ما يجعل من كل قراراته مجرد حبر على ورق وغير قابلة للتطبيق خصوصا إن كانت مبنية على التضليل وتزييف الحقائق كما هو حال قراره الأخير.
أخفق ذلك المجلس مجددا في القيام بدوره والتزاماته التي أنشئ من أجلها بموجب ميثاق الأمم المتحدة لتحقيق الأمن والسلام لشعوب العالم، ليثبت مرة بعد أخرى أنه مجرد كيان تابع وخاضع أوجدته أمريكا وبريطانيا ومن على شاكلتهما من دول الغرب الخاضعة للصهيونية العالمية لتمرير أجنداتهم ومؤامراتهم في قهر وإخضاع وقتل الشعوب ونهب ثرواتها وخيراتها.
ألم يكن الأحرى بذلك المجلس أن يبحث عن أصل المشكلة والمسبب الرئيس لما يحدث في المنطقة من توتر والمتمثل في التصعيد الصهيوني الأمريكي في قطاع غزة قبل الحديث عن أي رد فعل أو موقف لأي دولة تحاول الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني المعتدى عليه كما هو حال الشعب اليمني الذي انطلق في موقفه العظيم والمشرف ذاك من منطلق المسؤولية الدينية والأخلاقية والإنسانية وهو الموقف الصحيح الذي يقتضيه المنطق وينسجم مع كل القيم والمبادئ الإنسانية.
علاوة على ذلك فإن صنعاء أعلنت منذ انطلاق أولى عملياتها العسكرية والبحرية أن كل ما ستقوم به من تحركات وعمليات إنما تأتي ردا على تصعيد الكيان الصهيوني لجرائمه وحصاره على غزة، وأن عملياتها ستتوقف في حال توقف العدوان ورفع الحصار عن قطاع غزة، ما يعني أن ما يقوم به الشعب اليمني هو رد على صلف وغطرسة الكيان الصهيوني وداعميه الغربيين وفي مقدمتهم الإدارة الأمريكية التي تساند الصهاينة وتمدهم بكل ما يحتاجون من أسلحة وذخائر ودعم لوجستي ومالي، إلى جانب ما تقدمه من دعم سياسي للكيان كما فعلت مؤخرا عبر مجلس الأمن.
لهذا اعتبر المندوب الروسي بمجلس الأمن “فاسيلي نيبينزيا” التصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة بدعم أمريكي هو السبب الرئيس للوضع الحالي في البحر الأحمر، مؤكدًا في تعقيبه على قرار مجلس الأمن بشأن الملاحة في البحر الأحمر أن الولايات المتحدة وحلفاءها يحاولون فرض حلول أحادية.
كما وصف المندوب الروسي ذلك القرار الذي صاغته الولايات المتّحدة الأمريكية ورفضت موسكو والصين والجزائر وموزمبيق التصويت عليه بأنه “مسيس” في إشارة إلى أنه يأتي نزولا عند رغبة واشنطن التي تشارك الكيان الصهيوني حربه العدوانية وجرائمه البشعة في قطاع غزة، وتسعى في الوقت نفسه لتوفير غطاء دولي لذلك العدوان بما يمكن الصهاينة من الاستمرار في إبادة الفلسطينيين، دون أن يعيقهم في ذلك أحد.
حاولت أمريكا وشركاؤها من خلال القرار 2722 صرف أنظار العالم عما يحدث في فلسطين من إبادة لشعب بأكمله، والدعوى الموجهة ضد الكيان الصهيوني أمام محكمة لاهاي بارتكاب جرائم إبادة، ومحاولة إلهاء الرأي العام الدولي بما تسميه زورا تهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر، خصوصا بعد أن منيت بفشل ذريع في تشكيل تحالف عسكري دولي لحماية السفن الإسرائيلية من تهديدات القوات المسلحة اليمنية.
وفي أول رد رسمي يمني، اعتبرت وزارة الخارجية في صنعاء اعتماد مجلس الأمن لقراره الأخير دليلا على فشله الذريع في الاضطلاع بمسؤولياته التي أقرها ميثاق الأمم المتحدة في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين وحماية أرواح البشر، مؤكدة أن واشنطن وحلفائها الداعمين للعدو الصهيوني استصدروا هذا القرار بحجج كاذبة من أجل تضليل الرأي العام العالمي ومحاولة التهيئة لتصعيد عسكري غير قانوني ضد الشعب اليمني بسبب موقفه الإنساني والأخلاقي المطالب بوقف العدوان الصهيوني الأمريكي الذي يرتكب جرائم حرب وإبادة جماعية بحق المدنيين في غزة، ويعيق وصول ما يحتاجه سكان القطاع من غذاء ودواء ووقود للشهر الثالث على التوالي.
خارجية صنعاء أكدت أيضا أن اليمن ليس معنيا بهذا القرار الذي جاء عقب فشل المجلس في رفع الظلم عن الشعب الفلسطيني، ويشكل مضمونه سابقة تؤسس لفوضى قانونية على الساحة الدولية وتمهد لصراعات في مختلف أنحاء العالم.
واعتبرت التهديدات الأمريكية البريطانية الألمانية التي نجم عنها قرار المجلس نموذجاً للبلطجة السياسية التي تمارسها تلك العواصم على الساحة الدولية، للتغطية على جرائم العدو الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني منذ السابع من أكتوبر الماضي، وتقديم الدعم اللامحدود سياسياً وعسكرياً ومادياً ولوجستياً للعدو الصهيوني مما شجعه على ارتكاب كافة أشكال الانتهاكات للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان.
وبحسب البيان فإن اليمن اتخذ قراره الإنساني بتقديم كافة أشكال الدعم لسكان قطاع غزة بدافع المسؤولية الأخلاقية والإنسانية واستجابة لمطالب الشعب اليمني وتوجيهات القيادة الثورية والمجلس السياسي الأعلى، وتم الإعلان لجميع شركات الشحن البحري الدولية والإقليمية بأن القوات اليمنية تفرض حصاراً بحرياً على كافة السفن المملوكة للعدو الإسرائيلي أو المتجهة إليه، في حين أن بقية السفن لها كامل حرية المرور عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
البيان شدد على أهمية تكثيف جهود مجلس الأمن نحو إنهاء العدوان على قطاع غزة ووقف جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي يمارسها العدو الإسرائيلي، بدلا من تضليل الرأي العام العالمي وإطلاق التهديد والوعيد باستهداف الجمهورية اليمنية، كون ذلك يمثل نموذجا لسياسة الكيل بمكيالين التي تمارسها واشنطن ولندن وباريس وبرلين للدفاع عن العدو الإسرائيلي الذي يشهد انهياراً داخلياً وتحاول تلك الدول تصدير مشاكله إلى اليمن والعراق وسوريا وغيرها من دول المنطقة.
وفيما حث البيان كافة الدول الأعضاء في مجلس الأمن على تحمل مسؤولياتها الإنسانية والأخلاقية والقانونية بعدم الاكتفاء بموقفها المتفرج أمام ما يحدث من جرائم حرب وإبادة في قطاع غزة، وعدم الاستسلام لرغبات أمريكا وبريطانيا والدول الداعمة للصهاينة، دعا في نفس الوقت الدول الداعمة للكيان الصهيوني إلى عدم تفسير القانون الدولي وفقاً لأهوائها ومصالحها، والاستماع لشعوبها المطالبة بوقف العدوان على غزة.
أما رئيس الوفد الوطني المفاوض محمد عبدالسلام فقد وصف قرار الأمم المتحدة بشأن الملاحة في البحر الأحمر بالمشجع للعدو الصهيوني على مواصلة جرائمه ضد الشعب الفلسطيني، وأن المجلس يدين نفسه بنفسه بهذا الانحياز الأعمى إلى جانب المحتل الصهيوني الذي يُلاحَق في محكمة العدل الدولية على جرائمه الوحشية.. معتبرا القرار 2722 وصمة عار تاريخية لمجلس دولي يفترض أن يُعنى بحماية الأمن والسلم الدوليين لكنه يظهر على النقيض من وظيفته.
ومما جاء في منشور عبدالسلام في حسابه على منصة “إكس” أن مجلس الأمن تحول إلى منصة لتمرير الدول النافذة مثل أمريكا مشاريعها الاستكبارية والاستعمارية على حساب أمن وسلامة الشعوب في المنطقة والعالم، مبينا أن تخلي العالم عن حماية الشعب الفلسطيني والانحياز الدولي إلى جانب الصهاينة دفع القوات المسلحة اليمنية للقيام بعمليات البحر الأحمر من أجل للفت أنظار العالم إلى وجوب اضطلاعه بمسؤوليته بالضغط على الكيان الصهيوني لوقف جرائم الإبادة ضد أهالي غزة.
رئيس الوفد الوطني أشار أيضا إلى أن مجلس الأمن الدولي يكرس من خلال هذا القرار شريعة الغاب ويسميها شرعية دولية ضاربا بالقوانين الإنسانية عرض الحائط، مشيراً إلى أن أمريكا لا تستطيع أن تختبئ خلف القرار الدولي وهي مدانة بحماية إسرائيل ودعمها سياسيا وعسكريا لمواصلة جرائمها بحق الفلسطينيين.
وجدد التأكيد على أن سفن العالم لا خطر عليها ولا يوجد أي تهديد للملاحة الدولية والقرار 2722 محشو بالتضليل الأمريكي والأكاذيب الغربية، وعلى مجلس الأمن الدولي أن يستعيد وظيفته الأساسية بحماية الشعوب المغلوبة على أمرها، لافتا إلى أن استمرار مجلس الأمن كمنصةً لأمريكا ومشاريعها الهدامة يفقد قراراته صفتها القانونية وقيمتها الإنسانية.
وبتبنيه لهذا القرار الظالم والمجحف يواصل مجلس الأمن خذلانه للشعب الفلسطيني، وتآمره على الشعب اليمني بعد أن أصدر في العام 2015م قرارا لشرعنة العدوان والحصار الأمريكي السعودي الإماراتي عليه متسببا في قتل عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والمدنيين وتدمير كافة المنشآت والمصالح الخدمية والبنية التحتية للبلد، ما أدى إلى انهيار الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والصحية لملايين اليمنيين والتسبب بأزمة إنسانية هي الأكبر على مستوى العالم.
- سبأ