التحالُفُ الأمريكي في البحر الأحمر.. المأزِقُ الكبيرُ لواشنطن
اللواء الجفري: أمريكا تسعى لتشكيلِ تحالفات دولية؛ لأَنَّها تدرك أنها ستُهزم أمام أية دولة إذَا أرادت المواجهة معها . سلام: الشعبُ اليمني لا يخشى التحالف الدولي وأمريكا ستكون أضحوكةً في البحر الأحمر
السياسية :
يعيشُ الأمريكيون في مأزِقٍ واضحٍ؛ جراءَ التحَرّك الفاعل والمؤثر للقوات المسلحة اليمنية في البحر الأحمر وفرض حصار خانق على “إسرائيل” عن طريق منع مرور السفن من طريق البحر الأحمر إذَا كانت متجهة إلى الموانئ الصهيونية.
وتواجه واشنطن صعوبة كبيرة في تشكيل تحالف دولي لحماية السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، وعلى الرغم من إعلانها قبل أَيَّـام عن تشكيل تحالف مكون من 10 دول إلا أن عدداً من هذه الدول المشمولة في هذا التحالف أعلنت عدم رغبتها في المشاركة وبعض الدول قالت إنه تم الزج باسمها دون علمها، في حين أن دولاً عربية ذات علاقة وثيقة مع واشنطن كالإمارات والسعوديّة كانت خارج هذا التحالف.
ويبقى السؤال المطروح هنا: ما السيناريوهاتُ المتوقعة بعد الإعلان عن تشكيل هذا التحالف؟ وهل سيتحوّل البحر الأحمر ساحة حرب جديدة أم أن واشنطنَ ستبلعُ خيبتَها وتفضِّلُ الانسحابَ وعدمَ المواجهة ضد اليمن؟
يرى الخبير والمحلل العسكري اللواء عبدالله الجفري، أن “الولايات المتحدة الأمريكية عندما تريد القيام بأي عمل عسكري عدواني لاحتلال أية منطقة، أَو دولة في العالم، فَــإنَّها لا تستطيع المواجهة بنفسها، بل تبحث عن العملاء والخونة والمرتزِقة أولاً من داخل البلد نفسه، والذين يعملون في صياغه الخطوط الاستخباراتية الدولية وعبر السفارات”.
ويقول اللواء الجفري في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة”: إن “الولايات المتحدة الأمريكية تسعى دائماً لتشكيل تحالفات دولية؛ لأَنَّها تدرك أنها ستهزم أمام أية دولة إذَا أرادت المواجهة، وهذا ما حصل لها في أفغانستان والعراق والصومال، حَيثُ فشلت هناك فشلاً ذريعاً”.
ويشير إلى أن “انضمام بعض الدول الغربية إلى التحالف الأمريكي لحماية السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر ومنها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وغيرها يؤكّـد أن أمريكا تسعى إلى فك الحصار عن “إسرائيل”، حَيثُ فرضت اليمن معادلة جديدة وهي الحصار مقابل الحصار”، لافتاً إلى أنه “لا يمكن السماح لعبور السفن في البحر الأحمر والتوجّـه إلى الموانئ الصهيونية إلا إذَا توقف العدوان الصهيوني على قطاع غزة”، منوِّهًا إلى أن “واشنطن لا تحبذ حَـاليًّا إيقاف العدوان على غزة؛ ولهذا لجأت إلى تشكيل هذا التحالف لمحاولة ثني اليمن عن مساندته لإخوانه في غزة”.
معركةٌ منتظرة:
تؤكّـد كُـلّ المؤشرات أن السلوك الأمريكي في البحر الأحمر هي المهدّد الرئيس للملاحة الدولية وليس العمليات العسكرية النوعية للقوات المسلحة اليمنية، ويبدو أن واشنطن تريد حشد دول العالم وتسويق مبرّرات واهية لتوجيه ضربة جديدة على اليمن لكنها تواجه مصاعبَ جَمَّةً في إقناع دول العالم بذلك.
ويؤكّـد محافظ محافظة عدن، طارق مصطفى سلام، أن “التحالف الأمريكي في البحر الأحمر يعزز من قوة الموقف العسكري اليمني وسيضاعف من عملياتها؛ فأمريكا قد كشفت عن وجهها القبيح إثر تصاعد العمليات اليمنية الموجعة ضد الكيان الصهيوني”.
ويرى سلام في حديثه لصحيفة “المسيرة” أن “التحشيد الأمريكي في البحر الأحمر قد يؤدي إلى خروج مظاهرات عارمة في الدول الغربية ضده؛ لأَنَّ شعوب تلك الدول تخشى من توقف حركات نقل الوقود والغذاء في البحر الأحمر إذَا ما اشتعلت المواجهة بين أمريكا واليمن”.
ويؤكّـد أن “الشعب اليمني لم يتأثر أَو يخَفْ من هذا التحالف، وهو يقف خلف السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- الذي قال في خطابه الأخير: إن اليمنيين يتمنون المواجهة المباشرة مع أمريكا؛ لأَنَّه ميدان الحق الذي سيميز الحق والباطل، وسيجعل من أمريكا أضحوكة أمام العالم لعجزها عن حماية نفسها والدفاع عن عملائها في المنطقة وهو ما ينتظرهم بلا شك” كما يقول المحافظ سلام.
ويضيف سلام: “اليمنيون بمختلف توجّـهاتهم وانتماءاتهم يقفون اليوم صفاً واحداً خلف قيادتهم الثورية والسياسية المباركة وينتظرون توجيهات السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي بكل صبر وعزيمة، وبفضل الله سوف يجد العدوّ الأمريكي الصهيوني ما يستحقه تجاه ما يرتكبه من جرائم وحشية وبشعة بحق أبنائنا وإخواننا في غزة”، مؤكّـداً أن التحشيد الأمريكي للتحالف الدولي أثبت أن العدوّ الإسرائيلي يعيش في وضع مأزوم، وقد لحقت به حالة بؤس نتيجة الضربات الكبيرة التي يتلقاها إثر معركة “طُـوفان الأقصى” وعمليات البحر الأحمر التي تنفذها قواتنا المسلحة اليمنية البطلة.
ويلفت إلى أن “العجز والضعف الأمريكي ظهر من خلال هذا الإعلان الهزيل والذي أظهر حالة الضعف الكبير الذي لحق بالعدوّ الأمريكي ورفضت أغلب الدول العربية المشاركة فيه لعدم وثوقها بهذا التحالف الأمريكي وتوجّـهاته، فهي تعلم أنها إذَا تورطت مع الأمريكي فَــإنَّ كُـلّ مرافقها الاقتصادية والاستراتيجية ستصبح هدفاً مشروعاً لقواتنا المسلحة، وسوف تتحول الحرب إلى حرب إقليمية كبيرة جِـدًّا”.
ويؤكّـد أن “معركة “طُـوفان الأقصى” أحدثت فجوة كبيرة في حالة التحالفات والعلاقات بين دول العالم وأمريكا؛ نظراً للموقف الإجرامي والعدواني الذي ينتهجه هذا النظام الوحشي وسياسته الدموية، وبالتالي نحن نمتلك كُـلّ الأوراق التي تمكّنا من إسقاط أي من تلك التحَرّكات الأمريكية والإسرائيلية والمتحالفين معهم؛ لأَنَّ باب المندب هو ممر استراتيجي عالمي يتحكم فيه اليمن الذي يعتبر البوابة الرئيسية الثامنة على الأرض، أي بوابة طاقة ومدخل ومخرج العديد من دول العالم”.
تحالفٌ ميتٌ وفاشل:
وتكرّر واشنطن تحالفاتها الفاشلة دون أن تستفيد من تجاربها التاريخية المريرة مثل فشل تحالفها في العدوان على أفغانستان والعراق، ولأن الكثير من دول العالم تعي جيِّدًا الأهداف الحقيقية لأمريكا من عسكرة البحر الأحمر فَــإنَّ الاندفاع معها لم يكن مشجعاً لإدارة “بايدن” وهو ما يجعل الكثيرون يؤكّـدون أن هذا التحالف قد وُلد “ميتاً”.
وعلى الرغم من إعلان هذا التحالف إلا أن الضبابية لا تزال تكتنف الموقف الأمريكي وهدفه من وراء إعلان التحالف، وهل سيمضي قدماً نحو الحرب مع اليمن أم أنه مُجَـرّد مناورة ليس إلا؟
وتشير صحيفة “بوليتيكو” الأمريكية إلى أن هذا التحالف لن يتجاوز دوره في تسيير الدوريات في البحر الأحمر وخليج عدن، ومتابعة السفن أثناء عبورها، ولن تجرؤ أمريكا القيام بأعمال هجومية؛ لأَنَّها تعلم تكلفة ذلك، كما أن الإدارة الأمريكية تدرك أن القيام بحرب ضد اليمن سيشكل خطراً على العالم وسيضرب الاقتصاد العالمي.
وتؤكّـد تحقيقات دولية أن واشنطن تسعى دائماً للتغطية على أي فشل عسكري لها بالتحَرّك السياسي، لذا تعتقد واشنطن أنها كانت مضطرة لإعلان التحالف العسكري البحري؛ حفاظًا على هيبتها المهدورة على شواطئ البحر الأحمر، على أيدي القوات المسلحة اليمنية، كما تعتقد في الوقت نفسه أنها تحتاج إلى تحَرُّكٍ سياسي يجنِّبُها الفضيحةَ بعد إعلانها للتحالف البحري وتدرك بأنّ مطالبَ صنعاء واضحةٌ وفقًا لما أعلنته مرارًا وتكرارًا، وتتمثل بوقف العدوان وإدخَال المساعدات إلى غزة، لذلك فهي تطرح اليوم البحث في هدنة ممتدة كما وصفتها؛ بهَدفِ تجنب المواجهة مع قواتنا المسلحة، ثم لتقول لاحقًا إن تحالفها البحري هو من أعاد الأمور إلى مجراها الطبيعي في البحر الأحمر حفظًا لماء وجهها أمام حلفائها الإقليميين التي تدّعي حمايتهم مقابل أموال هائلة وتحالفات هشَّة.
وبالتوازي مع هذه السياسة الأمريكية تكثّـف كُـلّ من مصر وقطر تحَرّكاتها للبحث عن هدنة جديدة بين الكيان الصهيوني والمقاومة الإسلامية الفلسطينية، حَيثُ يوجد في القاهرة رئيس المكتب السياسي لحركة حماسة إسماعيل هنية، وكذلك الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة للبحث في موضوع هذه الهدنة.
أضف إلى ذلك فَــإنَّ عددًا من الدول تكثّـف اتصالاتها مع رئيس الوفد الوطني محمد عبد السلام، في مسقط كمحاولة لثني اليمنيين عن عملياتهم العسكرية في البحر الأحمر، غير أن هذه الجهود لم تكلل بالنجاح، فقد سمع العالم أجمع الموقف الثابت والواضح لليمن عبر خطاب السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي –يحفظه الله- والذي كان واضحًا وشفافاً وصادقاً وفي مضامينه أن العمليات العسكرية اليمنية لن تتوقف طالما العدوان والحصار الإسرائيلي متواصل على قطاع غزة.
ولعل أبرز ما ورد في خطاب السيد القائد أن أوصل رسالة واضحة للأمريكيين وحذرهم من أية مغامرة أَو عدوان على اليمن؛ لأَنَّ ذلك سيؤدي بلا شك إلى استهداف السفن الأمريكية والبوارج والمصالح الأمريكية في المنطقة، وفي الوقت ذاته، فَــإنَّ موقف صنعاء المتعلق بتحريم البحر الأحمر وباب المندب على السفن الإسرائيلية والسفن المتعاملة مع “إسرائيل” بقي ثابتًا ويتمثل بوقف العدوان ورفع الحصار عن غزة شرطًا لازمًا لا تراجع عنه.
لكن ما هو واضح حتى الآن أن الموقف الأمريكي لا يزال يدور في خانة المراوغة والخداع، ففي الوقت الذي تطرح فيه واشنطن الحديث عن وقف لإطلاق النار وتبادل الأسرى، سواء بشكل مباشر أم عبر الأنظمة الإقليمية المتحالفة معها، تسعى في الوقت ذاته لتحقيق أهدافها وأهداف الكيان الصهيوني التي عجزتا عن تحقيقهما في الميدان، وهذه السياسة عبّر عنها وزير الخارجية بلينكن بالقول بأنّ بلاده ما تزال تبحث عن حَـلّ لقضايا عالقة بما يخص قرار مجلس الأمن لوقف إطلاق النار في غزة، بينما قال بايدن بأنه لا يعتقد بأن تبادل الأسرى بات قريبًا.