السياسية:
إيهاب شوقي*

 

شكّل اليمن مفاجأة استراتيجية كبرى بدخوله المنتمي لمحور المقاومة على خط الصراعين الإقليمي والدولي، بحكم تموضعه الجغرافي في المنطقة وتموضعه الجيوسياسي في العالم، على خط من أهم خطوط النقل الملاحي في العالم.

هذه المفاجأة أربكت استراتيجية الولايات المتحدة، والتي تتمحور خططها في عدم توسيع رقعة الصراع وإبقاء المجال مفتوحًا للعدو الإسرائيلي لتصفية غزة ومقاومتها بيد طليقة من دون فتح جبهات أخرى ومن دون تورط أمريكي مباشر، حيث تسعى أمريكا للترويج لنفسها بأنها وسيط في الصراع وليست طرفًا مباشرًا يقود العدوان.

ولم تفتر جهود الولايات المتحدة ولا فرنسا في لبنان لمحاولة إبعاد حزب الله عن الصراع وتحييده بكل وسائل التهديد الممكنة للحزب خاصة وللدولة اللبنانية عامة، إلا أن هذه الجهود المضنية والتهديدات قوبلت برد عملي من المقاومة بتصعيد عمليات حزب الله في الميدان، نوعيًا بتطوير وتنويع الاستهدافات للعدو بشكل مدروس ومتصاعد، وكميًا بزيادة قوة النيران وربط مستوى تدخل المقاومة بما يحدث في غزة وبمستوى العدوان الصهيوني على لبنان.

هذا التعاطي من جانب حزب الله أوصل رسالة حاسمة لأمريكا والعدو الصهيوني بأن الحزب لن يتوانى عن التدخل، ولن يستطيع أحد تهديده، وأن قرار التدخل ومستوى المشاركة بيد الحزب حصرًا وفقًا لتقديراته، ولا يخضع مطلقًا للتهديدات التي لا تتوقف، سواء من الرسل التي ترسلها أمريكا إلى لبنان أم من الأبواق الصهيونية التي تهدد وعلى رأسها نتنياهو وغالانت.

على الجانب اليمني، ذهبت أنصار الله بالمعادلة بعيدًا عن النطاق الذي حددته أمريكا والعدو الصهيوني، حيث انتقل مستوى الصراع من كونه محدودًا جغرافيًا بفلسطين المحتلة والطوق العربي حولها في لبنان وسوريا، ومحدودًا نوعيًا على مستوى الصراع البري والصاروخي، إلى صراع متسع من حيث الجغرافيا بتوسيع جبهة الصراع لتصل إلى البحر الأحمر والخليج، ومن حيث النوع، حيث أُدخل سلاح البحرية في الصراع لينضم إلى سلاح الجو والدفاعات الصاروخية.

هذه المعادلة هي تطور نوعي في الصراع، لأن البحرية الأمريكية جاءت بغرض الردع وتموضعت هجوميًا، فوجدت نفسها في موقف دفاعي، كما أن هناك أطرافًا حاولت النأي بالنفس عن التورط مثل دول خليجية حاولت مساعدة أمريكا، بشكل مستتر، عبر المناورات السياسية بتصريحات عقيمة خالية من الفعل تدّعي التعاطف مع غزة، وعبر صد لصواريخ ومسيرات أنصار الله سرًا من دون إعلان، إلا أنها وجدت نفسها طرفًا مباشرًا ولا تملك إلا اعلان الاصطفاف، إما مع امريكا والصهاينة رسميًا وإما مع المقاومة، لأن اندلاع أي صراع بحري لن يسمح لأحد بالحياد؛ حيث يتطلب دعمًا لوجستيًا وعسكريًا واستخباراتيًا لا يسمح لطرف بالتخفي والعمل من وراء الكواليس.

اذًا؛ هذه المعادلة اليمنية أسهمت بمزيد من الكشف والفضح لمواقف الأطراف من جهة، فهي نقلت الصراع إلى مستوى دولي؛ لأن سلاسل التوريد ونقل الطاقة ستشكل تأثيرًا على مصالح العالم كله، ولن تكون دول المنطقة هي المتضرر الوحيد من الجرائم الصهيونية.

لقد أعلن السيد عبد الملك الحوثي أن المستهدف هو المصالح الصهيونية حصرًا، وأثبت مصداقية ذلك بمرور مئات السفن التي لا تتعامل مع الصهاينة، وبالتالي فإن التحالف الرافع للافتة “الازدهار” هو تحالف صهيوني يعمل لصالح العدو بشكل مباشر.

كما أعلن السيد عبد الملك أن الأطراف المشاركة تغامر بمصالحها، وهو ما يعني اتساعًا عمليًا لرقعة الصراع واكتسابه بعدًا دوليًا. كما أعلن السيد عبد الملك أن أنصار الله لا تخشى التهديدات، وهي تفضل المواجهة المباشرة مع أمريكا بدلًا من عملائها، وهو خيار مطابق لخيار حزب الله الذي أعلن عدم خشيته من التهديدات وأنه أعد العدّة اللازمة لحاملات الطائرات الأمريكية التي جاءت لتخويف المقاومة وإثنائها عن التدخل.

في المخطط الأمريكي، رغبت أمريكا في حصار المقاومة وتضييق رقعة الصراع وعدم التورط المباشر، بينما في تعاطي محور المقاومة، فإن أمريكا هي المحاصرة والصراع يدخل حثيثًا للتوسع وتورط أمريكا المباشر يدخل إلى نطاق الأمر الواقع ولن تفلت من المحاسبة.

والكرة الآن في الملعب الأمريكي؛ فإما التراجع عن مخططها ودعمها للجرائم الصهيونية واعترافها بأن المقاومة باقية ورقم وازن، وإما المضي في الشوط لآخره لتندلع المعارك التي لن تتقيد بالجغرافيا ولا بنوعية حروب محصورة في نطاق التفوق الجوي الصهيو- أمريكي، بل ستدخل في نطاق تفوق محور المقاومة التي أثبتت تفوقها بريًا، كما تمتلك باعًا كبيرًا في الحروب البحرية.

* المصدر: موقع العهد الاخباري

* المادة الصحفية نقلت حرفيا من المصدر