ضحايا اليمن المنسيون.. الاتجار بالأطفال كسلعة حرب
بقلم: كاثرين شاكدام
(صحيفة “در فرايتاج” الألمانية نقلاً عن مؤسسة “سيتيزن تروث Citizen Truth” الأميركية الإعلامية المستقلة، ترجمة: نشوى الرازحي-سبأ)-
“إذا كنت تعتقد أن سوق العبيد في ليبيا كان سيئاً، فاسمح لي أن أخبرك، بأنني قد رأيت ما هو أسوأ. يتم شحن الأطفال قبالة سواحل اليمن تحت حراسة عسكرية إلى دول الخليج دون أن ينبس أحد ببنت شفه.”
“يتم تهريب أطفال اليمن إلى العبودية والدعارة كجزء من تكتيك حرب المملكة العربية السعودية على اليمن!”. تكررت النداءات المنددة بذلك مرات عدة من قبل منظمات المجتمع المدني في اليمن باعتبارها أمور قضائية وتحذير للمجتمع الدولي غير المبالي بأمر كهذا.
“يتم بيع أطفال اليمن مباشرة رغم أنفنا ولا يبدو أن هناك من يهتم بذلك … أنماط الإجرام الوحشي الذي شهدناه في ليبيا وسورية والعراق وأفغانستان ذاتها باتت تسيطر على المشهد الآن في اليمن. هذه الجرائم تُرتكب في وضح النهار، ومقترفوها يفلتون من العقاب، لأن التحدث ضدهم يعني تسليط الضوء على تكتيكات حرب المملكة العربية السعودية على اليمن”.
هذا ما أخبرت به أحلام محمد العنسي، أخصائية سابقة في وزارة الشؤون الاجتماعية مؤسسة سيتزن تروث Citizen Truth في تعليقات حصرية.
حرب اليمن: لا مبالاة وانتهاكات كثيرة:
وبينما يمضي اليمنيون في صمودهم وتحديهم ضد تحالف حرب المملكة العربية السعودية في سبيل استعادة السيادة على أرضهم وتقرير مصيرهم، خرج ناشطوا حقوق الإنسان باكتشاف ما يبدو أنه رغبة منهجية ومنسقة تنسيقًا جيداً لإلحاق أشد الأذى بأولئك الذين جُعلوا أكثر عرضة لعواقب الحرب.
قال ويليام ويلبرفورس ذات مرة: ” يمكنك أن تختار التجاهل والنظر في الاتجاه الآخر ولكن لا يمكنك أن تقول أنك لم تكن تعلم بما حدث”. كلمات قليلة تعبر على أفضل وجه عن الأوضاع التي يعاني منها اليمن منذ أواخر مارس 2015، الوضع الذي هندست أركانه اللامبالاة وعدم الالتفات لمعاناة الناس باسم سياسات الهوية الذي صممه اللامبالاة. وعدم الاهتمام تجاه معاناة الناس باسم سياسات الهوية ومطالب مُلحة تفرضها ضروب من السخرية.
وبعد إحصاءات الحرب والتسويغ الجيوسياسي للتدخل العسكري الذي قيل لنا إنه تم ضمن الحدود القانونية لقرار الأمم المتحدة 2216، لم يعد بمقدورنا لعب دور المتكتم عن العديد من الانتهاكات الجسيمة ضد اتفاقيات حقوق الإنسان والقانون الدولي.
سيكون التساهل مع المجرم الكبير حتى تتحقق الإرادة السياسية للبلدان التي لا يمكنها أن تبرر غايتها خيانة لكل من روح القانون الدولي والولاية التي حددتها الأمم المتحدة.
إذا لم يستطع المجتمع الدولي أن يرى الضرر البعيد المدى الذي يحدثه هذا التساهل في النهاية عندما يتم اللعب به في سياق الجغرافيا السياسية، فإن الخروج على القانون والتآكل المنهجي لقوانيننا وأنظمتنا سيصبحان القاعدة – مما يؤدي إلى تآكل نسيج تلك المبادئ الديمقراطية التي ندعي أننا نريد الالتزام بها وتعزيزها.
يجب إلقاء اللوم على تلك الأطراف التي يقع على عاتقها إعطاء السياسات والتكتيكات لأطراف أخرى كي تخدم مصالحهم الذاتية وتُمكنهم من أن يسودوا عسكرياً.
ولكن إذا كان يجب مراعاة جميع الأطراف، فإن الموضوعية تتطلب أن نأخذ في الاعتبار حق شعب ما في الدفاع عن نفسه عندما يواجه بوحشية، وفي كثير من الأحيان بشكل عشوائي بلا تمييز جماعي. فليست كل الجرائم متساوية عند النظر إليها والتأمل في سياقاتها..
فشل مستقبل اليمن:
كما هو الحال اليوم، فإن اليمن ليس مجرد دولة فاشلة تعاني من الفقر والفساد الوبائي والتهديد الدائم بانتشار التطرف الإسلامي. ففي خضم حرب تهدد بإغراق الهوية الوطنية لشعب وذلك عن طريق تأجيج الاضطرابات القديمة، سواء الطائفية أو القبلية تواجه الأمة تهديداً آخر لسيادتها – تهديد غادر وشرير إلى الحد الذي يمكن أن يكون ثمنه مستقبل جيل كامل في اليمن.
لقد نجح المُتَّجرين بالبشر في اليمن في العثور على ملاذ يمكنهم من عدم الكشف عن هويتهم وإفلاتهم من العقاب وذلك من خلال الفوضى التي أثاروها.
ملاذٌ أصبح فيه الاتجار بالأطفال صناعة حقيقة على غرار تلك الأنماط التي لاحظناها في كل من ليبيا وسورية والعراق عندما اجتاحت الفوضى تلك البلدان.
في أحدث تقرير لها حول الاتجار بالبشر في اليمن، اعترفت الأمم المتحدة إلى الارتفاع الأخير، مستشهدة بتصاعد العنف في ظل غياب الأمن وكذلك رغبة المتاجرين الجدد في تجنيد الأطفال بما يخدم طموحاتهم العسكرية.
ينص التقرير على ما يلي: “منذ تصاعد النزاع المسلح في مارس 2015، أبلغت منظمات حقوق الإنسان أن جميع أطراف النزاع واصلت تجنيدها واستخدامها غير القانوني للجنود الأطفال.
ونتيجة لقدرتها المحدودة واستمرار الصراع ، لم تنفذ الحكومة اليمنية خطة عمل الأمم المتحدة لعام 2014 لإنهاء تجنيد واستخدام الجنود الأطفال، على الرغم من أن الحكومة أبدت اهتماماً بإعادة تفعيل النقاش حول مسألة التنفيذ “.
الاتجار بالجنس:
على الرغم من أن إدراج الأطفال في القوات المسلحة أو الميليشيات المختلفة المتورطة الآن في نزاع اليمن أمر باعث على الأسى، إلا أنه لم يتم تناول حجم أزمة الاتجار بالأطفال في اليمن على النحو الأمثل، حيث يتم تجاهل حياة هؤلاء الأطفال الذين تعرضوا للاستغلال الجنسي والعبودية.
الأمم المتحدة أشارت إلى هذه القضية ولكن لم تذكر شيئاً عن حجم الأزمة.
“تم استهداف أطفال اليمن في الاتجار بالجنس داخل البلاد وفي المملكة العربية السعودية. أفادت الأنباء أن فتيات لا تتجاوز أعمارهن 15 عاماً قد تعرضن للاستغلال الجنسي في الفنادق والنوادي في محافظات صنعاء وعدن وتعز.قبل النزاع ، كان معظم السياح الذين يمارسون الجنس مع الأطفال في اليمن من المملكة العربية السعودية، وكانت نسبة أقل من دول الخليج الأخرى ، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة.
استخدم بعض الرجال السعوديين “الزيجات المؤقتة” التي تم التعاقد عليها قانوناً – والتي تأذن بها بعض السلطات الإسلامية كزواج المسيار – لغرض استغلال الفتيات اليمنيات جنسياً، ويقال إن بعضهن لا يتجاوز عمرهن 10 سنوات ، وتم التخلي عنهن فيما بعد في شوارع المملكة العربية السعودية “.
قدرت عدة مصادر بالفعل عدد الأطفال الذين تم الاتجار بهم بأكثر من 25 ألفاً في العامين الماضيين فقط، وهي زيادة هائلة في عدد الأطفال الذين يقدر عددهم بـ 10 آلاف طفل سنوياً.
هذه الأرقام بالطبع لا تمثل الآلاف من الأطفال الذين أجبروا على حمل السلاح لصالح أو ضد التدخل العسكري السعودي.
يقول عُمال الإغاثة الإنسانية بأنهم شهدوا “جملة من الصبية والفتيات الصغار” للميليشيات المتحالفة مع تحالف الحرب السعودي في جنوب اليمن و لديهم عدة معاقل – وعلى رأس تلك المعاقل محافظة عدن الرئيسي ومحافظة حضرموت جنوب شرق اليمن.
قال مسؤول سابق في مكتب محافظ عدن فضل عدم ذكر اسمه أنه “يتم اقتياد الأولاد والبنات – أحياناً بالقوة، وأحياناً مقابل بضع مئات من الدولارات من قبل رجال سعوديين … يحدث هذا في مخيمات اللاجئين، والقرى … وفي كل مكان ، ولا يوجد شيء يمكننا فعله لمنعهم لأنهم يسيطرون على كل شيء في الجنوب.
وأضاف: “إذا كنت تعتقد أن سوق العبيد في ليبيا كان سيئاً ، فاسمح لي أن أخبرك ، بأنني قد رأيت ماهو أسوأ منه. يتم شحن الأطفال قبالة سواحل اليمن تحت حراسة عسكرية إلى دول الخليج ، ولا أحد ينبس ببنت شفه. اليمن تحت وطأة حصار صارم ، لكن لسبب ما لا أدري لماذا عندما يتعلق الأمر بالاتجار بالبشر، ينظر الجميع بعيدا في الاتجاه الآخر. ”
بصرف النظر عن احتياجات المملكة العربية السعودية، البلد الذي نعرفه أنه وحشي ولا يرحم من يراهم كأعداء له – وقتل جمال خاشقجي مثال مؤلم على ذلك – اليمن يقاتل ضد أكثر من مجرد هجوم عسكري؛ إنه يحارب ضد تفكك مجتمعه.
إذا كان الاتجار بالبشر قد أصبح حقيقة مزعجة تعصف بمنطقة الشرق الأوسط الكبير، فإن “الإتجار” المنهجي بأطفال اليمن من خلال العصابات الإجرامية والجيش السعودية أمر يدور حول حملة لإلغاء النسيج الاجتماعي في اليمن القضاء عليه وذلك لإلحاق الألم الشديد باليمن.