السياسية – مركز البحوث والمعلومات: زيد المحبشي*

 

 

 

منذ الوهلة الأولى لاستخلاف الله عز وجل الإنسان في الأرض، توضّحت الإرادة الإلهية من هذا الاستخلاف، وتحددت الأهداف المطلوبة من البشرية للقيام بهذا الإسناد الوظيفي المقدس، وهو إعمار الأرض بالخير والصلاح والعدل والفضيلة.

وفي الاتجاه الآخر كانت هناك مخلوقات رافضة للاستخلاف والتكريم الإلهي للإنسان بما يُمكن تسميته اليوم بالمعارضة، يقودها الشيطان الرجيم، المُعلن منذ الوهلة الأولى للاستخلاف البشري “تمرده”، رافضاً طلب العناية الإلهية السجود لأدم عليه السلام، وما كان السجود لذات المخلوق الآدمي، وإنما لمعرفة امتثال الطاعة لله، ومُعلناً سياسة التمرد على الأوامر الإلهية، ومُتعهداً بإغواء الإنسان وأحفاده، وحرفهم عن جادة الحق والصواب.

من هنا انقسمت البشرية إلى فريقين، الأولى استفاد من العقل المُفكر المستنير، فوظّف حياته للقيام بما أُنيط به من هدفية الإعمار وإشاعة الخير والفضيلة، والثاني انخدع بأحابيل الشيطان وأعوانه، وقرر السباحة في بركته الآسنة النتنة، والنتيجة الحتمية لهكذا انقسام، تولُّد الصراع بين الإنسان وذاته والإنسان وبني جلدته.

انبثق عن هذا الصراع الفساد في الأرض، وانتشار التظالم بين بني الإنسان، والغاية من وراء ذلك كله التكالب على طُعم “التسقيط الإبليسي” المُتمثل في بريق الدنيا الخادع وحُطامها الفاني، والإلتهاء عما أعده الله للصابرين والمصابرين في الآخرة.

إذن فالدنيا دار اختبار وبلاء والآخرة دار جزاء وسعادة، لذا أرسل الله الرسل والأنبياء لإصلاح أحوال البشرية وتقويم مسارها وتوجيهها نحو طريق الهدى والحق والعدل والحرية، والنأي بها عن مُنزلقات المهاوي المُضلة الهالكة، لا سيما وأن البشرية لم تعد محدودة العدد بل صارت من الكثرة ما يستوجب تنظيم علاقاتها البينية، وعلاقاتها مع الكون المحيط بها، والأهم من ذلك علاقتها مع خالقها، في حين تغاضى الله عما هو له، شريطة ألا يصل ذلك إلى نُكران الوجودية، ونُكران الوحدانية، لكنه لم يتساهل في حقوق البشر لبعضهم، وحقوق الإنسان مع ذاته.

لهذا أتت رسالة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم من أجل وضع الحق في نصابه، فكان انبلاج نورها المُضيء للكون بأسره في مرحلة وصل الظلم مداه، وكان هدفها الحرب على التنزيل، بينما أُنيطت بأحفاد النبوة مهمة الحرب على التأويل، من أجل إبلاغ الناس أن المسار واحد، والهدف واحد، وهو الخروج من عبودية الإنسان لأخيه الإنسان إلى تفريد العبودية لله وحده وبلا ندية.

ثورة الطف التي قادها السبط الثاني لرسول الله أبي عبدالله الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، تجلّت أهدافها منذ الوهلة الأولى، بعد أن رأى الإمام الحسين سلام الله عليه أن الوضع قد بدء بالانحدار إلى ما كانت عليه الجاهلية الأولى، إذ بدت معالم السياسة العامة لقادة الدولة الأموية بقيادة المؤسس الأول واضحة في مُضيّها المتعجرف والمتغطرس والمتعالي في معاكسة تعاليم الإسلام والنزوع نحو بهرجة المُلك العضوض بما في ذلك من ظلم وعربدة وتجبُّر ومجون وإسفاف وانسلاخ عن قيم وأخلاقيات ومبادى وتعاليم الإسلام.

لم يكن أمام الإمام الحسين عليه السلام والقلة المؤمنين من أهله وذويه وأنصاره، من خيار، سوى وجوب الخروج:

“أيها الناس إني سمعت جدي رسول الله يقول: من رأى منكُم سُلطاناً جائِراً مُستحلاً لحُرم الله، ناكثاً بعَهدِه، وفي رواية بيعته، مُخالِفاً لسنّةِ رسولِ الله، يَعملُ في عبادِه بالإثمِ والعدوانِ، فلم يُغِرْ، وفي رواية فلم يُغيّر ما عليهِ بقولٍ ولا بفعلٍ، كان حَقّاً على الله أن يُدخِله مَدخلَه.

وقد عَلمتُم أنَّ هؤلاء القومَ – مُشيراً إلى بني أميّة وأتباعِهم – قد لَزِموا طاعةَ الشيطانِ وتَولَوا عن طاعةِ الرحمنِ، وأظهرُوا الفسادَ وعطلّوا الحدودَ واستأثَروا بالفيء، وأحَلّوا حرامَ اللَّهِ وحَرَّموا حلالَهُ، واتخذوا مال الله دِولاً، وعباده خِولاً، وإنّي أحقُّ بهذا الأمر، وفي رواية وأنا أحق من غيّر”.

فكان خروجه سلام الله عليه طلباً للإصلاح في أمة جده، لا لهثاً وراء مناصب زائلة، وتقويم الاعوجاج الذي أحدثه ملوك الفئة الضالة المُضلة في حياة المسلمين وشريعتهم، وإسقاط إرهاب الدولة الفوقية المُتعالية والمُتسلطة.

ورغم التضييقات التي مارسها عبيد بني أمية على الإمام الحسين عليه السلام في المدينة ومكة وقتل رسوله إلى الكوفة، من أجل منعه من الخروج ضد ظلم وجبروت “يزيد”، لم يهتم لذلك بل واصل مسيره إلى العراق، رغم تحذيرات الأقارب والمُحبين من نكث المبايعين.

وكان ديوانه سلام الله عليه قد أحصى 12 ألف كتاب، وفي الروضة: عن أبي العباس الحسني، زُهاء 800 كتاب من أهل العراق، ببيعة 24 ألفاً، لكن لم يثبت ساعة المنازلة سوى “32 – 45″ فارساً و”40 – 100” راجل، بينهم “22 – 27” طالبياً، في مواجهة جيش جرار من أهل الباطل بلغ قوامه 30 ألفاً، وقيل 100 ألف.

وفي العاشر من محرم الحرام 61 هجري قمري كانت المنازلة الفاصلة بن الحق والباطل في أرض كربلاء القاحلة، انتهت باستشهاد أبي عبدالله الحسين عليه السلام ونحو “70 – 87” من أصحابه وأهل بيته، ووثق الرواة نحو 52 إسماً ممن استشهدوا معه، منهم 34 شهيداً من اليمن، بواقع 10 شهداء من همدان، و10 من مذحج، و5 من الأنصار، و3 من الأزد، واثنان من حِميَر، وواحد من قبائل كندة بجيلة وكلب وطيّء وخزاعة والحضرمي وخثعم، وهم يمثلون ما نسبته 47 %.

لم يكن استشهاده سلام الله عليه هزيمة كما يروج أعداء الحق بل نصراً وفتحاً مُبيناً، فقد أحدث خُروجه سلام الله عليه أزمة حادة لمشروعية حكم المُفسدين، حيث كان خروجه في العام 61هـ، وبعد استشهاده مباشرة عصفت بالحكم الأموي عدة ثورات، استمدت وهجها من كربلاء الطف كحركة التوابين وثورة حليف القرآن الإمام زيد بن علي عليه السلام والثورة الإعلامية الزينبية وغيرها، أفضت مُجتمعة إلى تقويض بنيان الحكم الأموي في العام 132هـ، أي بعد 61 عاماً، وفي هذا سرٌ عظيم، بينما كان مصير الطاغية “يزيد بن معاوية” شر قتلة، وكل من شارك في قتل الحسين وأهله وصحبه انتقم الله منهم شر انتقام، وشرب كل واحد منهم من نفس كأس عمله الشيطاني، وتلك عدالة الله في الكون.

ثورة الإمام الحسين عليه السلام أسست لحق المعذبين والمستضعفين في الأرض، في إسقاط شرعية الأنظمة المتسلطة، وهز كيانها، وكشف زيف أوراق المتآمرين على الحق والحرية والعدالة، من طابور خامس عريض، كان وما يزال أحد أهم العوامل الهدامة والمؤرقة للأمة الإسلامية منذ بزوغ شمس الرسالة المهداة، وحتى يوم الناس، فكانت بحق مصباح الهدى وسفينة النجاة ومعراج السعادة الإنسانية وفق مشروطة العدالة الدينية، وها هي بعد 15 قرناً من السنين لا تزال تتوهج، غامرة الكون بسناها، بينما إرهاب الدولة الأموية المُرِّسخ لسُلطة التمييز العنصري الفوقي، سرعان ما تلاشت وذابت في مزبلة التاريخ، واندرس أقطابها، ولحقت أعمالهم اللا إنسانية لعنة الله والتاريخ والإنسانية.

الحسين بطل توّسد في الطف ليروي شجرة الحرية المتنامية إلى نهاية الحياة الإنسانية، وفي المقابل لا تخلوا الحياة من يزيدية مُتجددة في كل زمانٍ ومكان، كما سيستمر الصراع بين الحق والباطل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، والأهم من كل هذا لمن ستميل الكفة، إنها لأصحاب الحق المشروع في ظل يزيدية متهافتة شرعيتها، مأزومة مواقفها، وما يشهده الكون اليوم من تململ حُسينيّ ضد يزيدية القرصنة الكونية الجديدة خير مثال.

الإمام الحسين ومخاضات السقيفة

من حقنا أن نسأل من الذي قتل الإمام الحسين عليه السلام، هل هو يزيد وجيشه، أم الأخطاء المتراكمة التي رافقت دولة الإسلام بعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبمعنى آخر والتساؤل هنا للشهيد القائد “حسين الحوثي” رحمة الله عليه:

“هل كانت فاجعة كربلاء، وليدة يومها، ومجرد صُدفة، أم أنها نتاج طبيعي لانحرافٍ حدث في مسيرة هذه الأمة، انحرافٍ في ثقافة هذه الأمة، انحرافٍ في تقديم الدين الإسلامي لهذه الأمة، من اليوم الأول الذي فارق فيه الرسول صلوات الله عليه وعلى آله وسلم هذه الأمة للقاء ربه؟؟”.

” إذا فهمنا أن حادثة كربلاء هي نَتاج لذلك الانحراف، حينئذٍ يمكننا أن نفهم أن تلك القضية هي محط دروس وعبر كثيرة لنا نحن، من نعيش في هذا العصر المليء بالعشرات من أمثال يزيد وأسوء من يزيد”.

تحديد ماهية القاتل، وبلغة أخرى المُتسبب في قتل الحسين، والأسباب التي أدت إلى قتل الحسين، في غاية الأهمية إذا ما أردنا بالفعل الاستفادة العملية من ثورة وتضحيات الإمام الحسين وقافلة طويلة من قرابين العشق الإلهي من أهل البيت عليهم السلام ممن نذروا أنفسهم وأرواحهم من أجل أن تظل منارة الإسلام عالية شامخة مُضيئة الكون بأنوار الرحمة المُهداة إلى يوم الدين، وعملوا بكل إخلاص وتفاني من أجل تطهير المجتمع من الفساد والظلم والعبث والإرهاب السلطوي، وكلهم استشعروا واجب النهوض والخروج بعد موت ووأد السنة المحمدية، وإطفاء الأنوار الربانية، وإحياء البدع الجبروتية والطاغوتية.

في دراسة الأسباب التي أدت إلى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام على يد من يدعون الإسلام، ويرفعون رايته، ويحكمون المسلمين باسمه، يؤكد الشهيد القائد أن منبعها الأساسي هو “الانحرافات الأولى” التي عصفت بالأمة الإسلامية بعد رحيل خاتم الأنبياء والمرسلين، بما في ذلك تمكُّن العديد من الطلقاء من الوصول إلى مراكز متقدمة في صنع القرار والتحكم في رقاب العباد في عهد الخلفاء الثلاثة الذين حكموا الأمة بعد رسول صلى الله عليه وآله وسلم، ما دفع الإمام علي عليه السلام بعد أن جرت له البيعة بالولاية في العام 35 هجري قمري إلى تصحيح الإعوجاجات التي لحقت بدولة الإسلام، فكان أول قرارٍ له عزل أول ملوك الملك العضوض “معاوية بن أبي سفيان”، رافضاً أن يحكم رجل كهذا “منطقة كالشام باسم علي، وباسم الإسلام، البعض نصح الإمام عليه السلام بأن الوقت ليس مُناسباً لاتخاذ مثل هذا القرار، فمعاوية قد تمكن في الشام”، وطلبوا منه الانتظار حتى يتمكن من الخلافة، ثم بعدها يُصدر قرار العزل.

ويرى الشهيد القائد أن تلك الفئة المطالبة بالتريّث في عزل “معاوية”، هي ممن “يفهمون سطحية السياسة، وعند من لا يصل فهمهم إلى الدرجة المطلوبة بالنسبة للآثار السيئة والعواقب الوخيمة لأن يتولى مثل ذلك الرجل على منطقة كَبُرَت أو صَغُرَت، على رقاب المسلمين، كمعاوية”.

لكن منطق عقيم كهذا لا مكان له عند خاتم الوصيين، فقد كان رده سلام الله عليه: “لا يمكن.. “، واستشهد بقول الله تعالى: “وما كنتُ مُتخذ المضلينَ عَضُداً”، أي عوناً ومُساعداً، “لأن من تُعيِّنه والياً على منطقة، أو تُقرُّه والياً على منطقة ما، يعني ذلك أنك اتخذته ساعداً وعضُداً، يقوم بتنفيذ المهام التي هي من مسئوليتك أمام تلك المنطقة”.

“عندما نعود إلى الحديث من هنا هو من أجل أن نعرف ما الذي جعل الأمور تصل إلى هذه الدرجة، فنرى الحسين صريعاً في كربلاء، إنها الانحرافات الأولى؟؟!!”.

فـ “الإمام علي لم يُقرّ أبداً معاوية والياً على الشام، وعندما استشهد بقول الله تعالى: {وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً}، الكهف: 51، لأن معاوية رجلٌ مُضِل، ..، وقد بقي فترة طويلة على بُعدٍ من عاصمة الدولة الإسلامية، أضل أمة بأسرها، أقام لنفسه دولة في ظل الخلافة الإسلامية، وعندما حصل الصراع بين الإمام علي عليه السلام وبينه، وجاءت معركة صفين، استطاع معاوية أن يحشد جيشاً كثير العدد والعُدّة، أكثر من جيش الخليفة نفسه، ..، من تلك الأمة التي أضلها، لمّا أضلها انطلقت تلك الأمة لتقف في صف الباطل، لتقف في وجه الحق، لتقف في وجه النور، لتقف في وجه العدالة، في وجه الخير، تقف مع ابن آكلة الأكباد، مع ابن أبي سفيان ضد وصي رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وسلم”.

وما أشبه تلك الأمة من الأنعام بأولئك الذين اصطفوا مع معاوية تحالف العاصفة وباطله المتوارث في مواجهة أحفاد أنصار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقيادة حفيده حسين العصر في اليمن، لم يتغير شيء في معادلة الصراع الأزليّ بين الحق والباطل، لكن أين صار رموز الباطل وأين أصبح رموز الحق؟.

لم يكن علياً عليه السلام من عُشاق السلطة والكراسي الزائلة وهو القائل: “إن خلافتكم هذه لا تساوي عندي شِراك نعلي هذا إلا أن أُقيم حقاً أو أُميت باطلاً”، لذا لم يهتم سلام الله عليه عندما قرر إزاحة معاوية من حكم الشام، إن كان الثمن حياته:

“علياً لم يكن من أولئك الذين يحرصون على مناصبهم، وليكن الثمن هو الدين، وليكن الثمن هو الأمة.. ، ومصالح الأمة، ومستقبل الأمة، وعزة الأمة وكرامتها، ..، الإمام علي يعرف أن من يعشق السلطة، أن من يعشق المنصب هو نفسه من يُمكن أن يُبقي مثل معاوية على الشام، هو نفسه من يمكن أن يبيع الدين الإسلامي، هو نفسه من يمكن أن يبيع الأمة بأكملها مقابل أن تسلم له ولايته، وأن يسلم له كُرسيه ومنصبه”.

ومن يومها والأمة الإسلامية تعاني من هذه النوعية من الحُكام “هذه النوعية التي نراها ماثلة أمامنا على طول وعرض البلاد الإسلامية، لما كانوا من هذا النوع الذي لم يَتَلَقَّ درساً من علي عليه السلام الذي كان قدوة، يُمكن أن يحتذي به من يصل إلى السلطة، قدوة للآباء في التربية، قدوة للسلاطين في الحكم، قدوة للدعاة في الدعوة، قدوة للمعلمين في التعليم، قدوة للمجاهدين في ميادين القتال، قدوة لكل ما يمكن أن يستلهمهُ الإنسان من خير ومجد وعز، أولئك الذين لم يعيشوا هذه الروحية التي عاشها الإمام علي عليه السلام في اليوم الأول من خلافته، فأرى الجميع أن خلافته عنده لا تُساوي شِرَاكَ نعله إذا لم يُقِم حقاً ويُمت باطلاً”.

ويعيد الشهيد القائد سلام الله عليه التساؤل: “ما قيمة دولة تُحكم باسم الإسلام، ويتربع زعيمها على رقاب المسلمين، ثم لا يكون همه أن يُحيي الحق ويُميت الباطل؟”.

الجواب: “لا قيمة لها، ليس فقط لا قيمة لها، بل ستتحول قيمتها إلى شيء آخر، ستتحول الأمور إلى أن يكون قيمتها هو الدين، إلى أن يكون قيمتها هو الأمة، عندما نسمع زُعماء العرب، زُعماء المسلمين كلهم يُسرعون إلى الموافقة على أن تكون أميركا حليفة، وأن تكون هي من يَتَزَعَّم الحلف لمحاربة ما يُسمى بالإرهاب، وعندما نراهم جميعاً يُعلنون وقوفهم مع أميركا في مكافحة ما يسمونه بالإرهاب؛ لأنهم جميعاً يعشقون السلطة، لأنهم جميعاً يحرصون على البقاء في مناصبهم مهما كان الثمن، لكنهم لا يمكن أن يُصرحوا بهذا، هم يقولون: من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار، من أجل الحفاظ على مصلحة الوطن!، أو يقولون: خوفاً من العصا الغليظة، العبارة الجديدة التي سمعناها من البعض: الخوف من العصا الغليظة!، وأي عصا أغلظ من عصا الله، من جهنم، ومن الخزي في الدنيا؟”.

لهذا أراد الإمام علي عليه السلام “أن يُعَلِّم كل من يُمكن أن يصل إلى موقع السلطة في هذه الأمة أنه لا يجوز بحالٍ أن تكون ممن يعشق المنصب؛ لأنك إذا عشقت المنصب ستُضحي بكل شيء في سبيله، وألا تخاف من شيء أبداً، فإذا ما خفت من غير الله، فسترى كل شيء مهما كان صغيراً أو كبيراً يبدو عصاً غليظة أمامك”.

إذن فمن قتل الحسين عليه السلام هو من سمح لمعاوية ويزيد وأمثالهم من عُشاق السلطة بالتحكم في رقاب المسلمين باسم الإسلام، إنها “الانحرافات الأولى”، بدءاً بـ “السقيفة” وما تلاها، والتي لازالت الأمة تُعاني من ويلاتها إلى اليوم، نقولها بصراحة رغم مرارتها.

ذلك هو واقع حال المسلمين، وما شهدته الأمة الإسلامية من مجازر وصراعات وضعف وتقزّم وشتات هو نتاج طبيعي لتلك “الانحرافات”، وما عداها فكلام مردود وممجوج وأحاجي واهية ومتهافتة، وأمة لا تستفيد من أخطاء ماضيها، وتعمل على تلافيها، وتُعيد الحق إلى نصابه، لن تُشفَ من عثرتها، ولن ترى نور الهداية والحق والعزة والكرامة.

السلام على الحسين وأولاد الحسين وأصحاب الحسين، السلام عليك يا أبا عبدالله يوم وُلدت فكان ميلادك بذرة لصدق العقيدة، ويوم استشهدت فكان استشهادك بعثاً لتلك النفوس الميتة، لتحلّق في سماء العزّ والفضيلة، ويوم تُبعثُ حياً ليجزيك ربك جزاء تضحيتك العظيمة، والتي جحدتها الأمة، ولم تعرف حقها، فجئتها غريباً، وعشت معها غريباً، ورحلت عنها غريباً، فطوبى للغرباء.