لينكن في السعودية.. ما علاقة الصين؟
تمارا برو*
يقوم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بزيارة الرياض وجدة، ليناقش مع ولي العهد السعودي جملة من القضايا، من بينها التطبيع بين الرياض و”تل أبيب”، وأسعار النفط والحرب في السودان، والتقارب الإيراني مع دول المنطقة. والتصدي للنفوذ الصيني والروسي.
عندما زار الرئيس الأميركي جو بايدن السعودية العام الماضي، قال إن الولايات المتحدة الأميركية لن تتخلى عن الشرق الأوسط، ولن تترك فراغاً تملأه الصين أو روسيا أو إيران. وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي هدف من خلال الزيارة إلى إذابة الجليد في العلاقات بين الرياض وواشنطن، فإنّه لم يفلح في تحقيق ذلك.
وإزاء التغيرات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط مؤخراً، والتي لا تصب في مصلحة الإدارة الأميركية، وجدت الأخيرة نفسها مضطرة إلى إعادة التواصل مع دول المنطقة، ولا سيما السعودية، التي أخذت تتبع في سياستها الخارجية نهجاً مختلفاً عن السابق، بحيث باتت تسعى لفرض نفسها كقوى إقليمية كبرى، وتؤدي دوراً ريادياً في المسائل الدولية الشائكة.
ومن أجل إعادة الدفء إلى العلاقات الأميركية السعودية، تدفق المسؤولون الأميركيون خلال الفترة الأخيرة إلى السعودية التي زارها الشهر الماضي مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان.
وحالياً، يقوم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بزيارة الرياض وجدة، ليناقش مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ومسؤولين سعوديين وخليجين جملة من القضايا الإقليمية والدولية، من بينها التطبيع بين الرياض و”تل أبيب”، وأسعار النفط والحرب في السودان، والتقارب الإيراني مع دول المنطقة. ولن يغيب عن المناقشات التصدي للنفوذ الصيني والروسي.
تأتي زيارة بلينكن إلى الرياض في اليوم نفسه الذي أعادت فيه إيران فتح سفارتها في السعودية، وبعد أيام من تعهّد الرياض خفض إنتاجها النفطي بواقع مليون برميل يومياً، وإعلان إيران عن خطط لإنشاء قوة بحرية مشتركة مع السعودية والإمارات وعمان وقطر والبحرين والعراق والهند وباكستان.
ومن بين الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة الأميركية إلى إعادة النظر في علاقاتها مع دول المنطقة، وخصوصاً السعودية، التقارب السعودي الصيني واتساع دائرة نفوذ الصين في منطقة الشرق الأوسط التي زارها الرئيس الصيني شي جين بينغ أواخر العام الماضي، وعقد 3 قمم ساهمت في تعزيز العلاقات بين الجانبين العربي والصيني، والضربة الكبرى التي تلقتها الولايات المتحدة الأميركية وحليفتها كيان “إسرائيل”، والتي تمثلت بالمصالحة السعودية الإيرانية برعاية صينية، فضلاً عن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية وحضور الرئيس السوري القمة العربية التي عقدت مؤخراً في الرياض.
أمام هذا الواقع الجديد في المنطقة، لم تستطع الولايات المتحدة أن تقف مكتوفة الأيدي، وترى منافستها الاستراتيجية تتمدد ويتسع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، وهي التي تحاول بالطرق شتى تطويق بكين واحتواءها وإفشال تقدمها الاقتصادي والعسكري والتكنولوجي، كي يبقى العالم أحادي القطب تهيمن عليه واشنطن.
شهدت العلاقات الصينية السعودية خلال السنوات الأخيرة تطوراً كبيراً على الصعد كافة، وتعززت وتعمقت أكثر بعد الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ العام الماضي إلى الرياض، وبعد توسط بكين لإعادة العلاقات بين الرياض وطهران.
وحالياً، تعد الصين الشريك التجاري الأول للسعودية، إذ وصل حجم التبادل التجاري بين الجانبين إلى 116 مليار دولار أميركي عام 2022، بزيادة 32.9% على أساس سنوي، وكانت السعودية أكبر مورد للنفط إلى الصين خلال عام 2022.
هذا التقارب السريع بين بكين والرياض يقلق واشنطن كثيراً. لذلك، تحاول إبعاد السعودية عن الصين، وتدرك جيداً أنها لن تستطيع إبعاد السعودية ودول المنطقة بشكل عام عن تطوير علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع الصين، إذ إنها هي نفسها غير قادرة عن التخلي عن بكين، ويبلغ حجم التبادل التجاري بينهما نحو 690 مليار دولار أميركي.
ولكن تريد الولايات المتحدة الأميركية أن تضمن أن التقارب بين الصين ودول الشرق الأوسط لا يضر بمصالحها في المنطقة. وما يقلقها أيضاً هو التقارب الأمني والعسكري بين الصين والسعودية، وهو ما تعتبره تهديداً لها.
وقد حاولت واشنطن أن تضغط على الإمارات والسعودية لتجنب التعاون مع الصين في مجالات الأمن والدفاع، إلا أنها فشلت في ذلك. مثلاً، ضغطت على الإمارات للتخلي في شبكات الاتصالات الخاصة بها عن استخدام منتجات “هواوي” وإزالتها تحت طائلة إلغاء صفقة بيع طائرات الأسلحة “F-35”.
وعندما زار الرئيس الأميركي جو بايدن السعودية، طلب من الرياض التخلي عن شبكات الجيل الخامس والتقنيات الصينية، فحاولت السعودية التملص من الطلب الأميركي، ولم تستجب له، بل على العكس ازداد التعاون بين السعودية وشركة “هواوي”، حتى إن الأخيرة تدرس إمكانية افتتاح مقر رئيسي لها في الشرق الأوسط في الرياض، بعدما افتتحت فيها أكبر متجر دولي في الشرق الأوسط في شباط/فبراير 2022.
وبهدف ثني الرياض عن التعاون مع “هواوي” في مجال شبكات الجيل الخامس، حمل بايدن معه تقنية جديدة تسمى” أوبن ران” (Open- RAN – شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة)، ولكن التقنية الأميركية تواجه سيلاً من الانتقادات العالمية على خلفية مخاوف أمنية، بعدما تبيّن أنها معرضة للاختراق والهجمات السيبرانية بسبب سمة “البيئة المفتوحة”.
يشمل التعاون الصيني السعودي المجال العسكري، فقد أفادت قناة “CNN” في العام 2021 بأنَّ المملكة تعمل على تطوير صواريخها البالستية بمساعدة الصين. هذا الأمر ليس جديداً، إذ سبق للسعودية أن أبرمت صفقات عسكرية مع الصين، حصلت بموجبها الرياض على طائرات من دون طيار وصواريخ بالستية صينية، بسبب رفض واشنطن بيع هذه الأسلحة للسعودية.
وعام 2017، خلال زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز إلى بكين، جرى توقيع اتفاقية من أجل إنشاء مصنع طائرات حربية من دون طيار في المملكة. وبحسب صحيفة “فورين بوليسي”، زادت عملية نقل الأسلحة من الصين إلى السعودية بنسبة 386% في 2016-2020 مقارنة بالفترة 2011-2015، أغلبها مبيعات طائرات من دون طيار. أما الأسلحة الأميركية، فقد اشترت السعودية 23% من جميع الأسلحة الأميركية التي بيعت بين 2017 و2021.
تسعى السعودية إلى تقليص اعتمادها على النفط، وتبدي اهتماماً منذ فترة طويلة بالطاقة النووية، التي تعتبرها ضرورية لتلبية متطلبات البلاد المتزايدة من الطاقة لتوليد الكهرباء وإنتاج المياه المحلاة وتقليل الاعتماد على المواد الهيدروكربونية المستنفدة.
وقد أعلنت عام 2011 أنها تخطّط لبناء 16 مفاعلاً نووياً بحلول 2030، بكلفة قد تصل إلى 100 مليار دولار أميركي. وتملك السعودية كمية كبيرة من اليورانيوم التي تسعى إلى استغلالها، فقد قال وزير الطاقة السعودي العام الماضي إن بلاده تمتلك كميات كبيرة من اليورانيوم، وإنها تسعى لاستغلالها تجارياً، وعاد وكرر حديثه في مؤتمر لقطاع التعدين الذي عقد أوائل هذا العام، إذ قال إن السعودية تسعى إلى استغلال مواردها المحلية من اليورانيوم لبناء برنامجها النووي.
وقد سعت السعودية إلى توقيع معاهدة مع الولايات المتحدة الأميركية لتطوير برنامجها النووي والسماح بنقل المعدات والمواد الذرية الحساسة وإتاحة الفرصة أمام الشركات الأميركية لدخول السوق السعودية، إلا أن المفاوضات تعثرت مراراً وتكراراً بسبب إصرار الجانب الأميركي على توقيع اتفاق التعاون السلمي 123، الذي يمنع الدول الموقعة عليه من إنتاج الوقود النووي لمفاعلاتها داخل أراضيها، وإصرار الرياض على إنتاج الوقود النووي لمفاعلاتها على أراضيها.
ولكن التعاون الأميركي السعودي في مجال الطاقة النووية عاد إلى الواجهة، فقد ذكر موقع “سيمافور” الأميركي أن الرياض اقترحت على واشنطن إنشاء مشروع مشترك بين البلدين لبناء برنامج نووي مدني تحت مسمى “أرامكو النووية” لتعزيز طموحات السعودية في إنتاج الطاقة الذرية، وربما تصديرها، مع معالجة المخاوف الأميركية والدولية بشأن انتشار تكنولوجيا الأسلحة النووية.
وأثار السعوديون خلال لقاءاتهم مع المسؤولين الأميركيين تأسيس “الشركة العربية – الأميركية للطاقة النووية” التي من شأنها أن تمنح الشركات والكيانات الأميركية دوراً مباشراً في تطوير ومراقبة تطوير الطاقة النووية في المملكة، على أن يظل تخصيب اليورانيوم يحدث داخل حدودها.
وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية في مقال نُشر في شهر آذار/مارس الماضي أنَّ السعودية تسعى للحصول على تعهدات أمنية أميركية ومساعدة في برنامجها النووي المدني من أجل تطبيع علاقاتها مع كيان “إسرائيل”.
كانت الصين أيضاً من الدول التي تعاونت معها السعودية لتطوير برنامجها النووي المدني. ولا يخفي الجانبان هذا التعاون، فقد أعلنا عن مشاريع نووية مشتركة عدة في السعودية، بما في ذلك مشروع لاستخراج اليورانيوم من مياه البحر، بهدف مساعدة الرياض على أن تطوّر برنامجها للطاقة النووية أو أن تصبح مصدراً لليورانيوم.
ووقّع البلدان عدداً من الاتفاقيات في مجال الطاقة النووية؛ ففي عام 2012، وقّعا على مذكرة للتفاهم في الاستخدام المدني للطاقة النووية. وعام 2016، أثناء زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للمملكة، وقّع البلدان على مذكرة تفاهم لبناء مفاعل تبريد بالغاز على الحرارة.
وعام 2017، وقع الجانبان مذكرة تفاهم حول استكشاف وتقويم مصادر اليورانيوم والثوريوم. وفي هذا الإطار، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية عام 2020 أن الصين ساعدت السعودية على بناء منشأة لمعالجة خام اليورانيوم المستخرج محلياً لاستخلاص كعكة اليورانيوم الصفراء.
وخلال القمّة الصينية السعودية التي عُقدت أواخر العام الماضي، اتفق الجانبان على تعزيز التعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية. كما أجرى المسؤولون الصينيون والسعوديون خلال الفترة الأخيرة اجتماعات عدة في سبيل تعزيز التعاون الثنائي في مجالات الاستخدام السلمي للطاقة الذرية والتكنولوجيا النووية في السعودية.
في حال فشل المفاوضات بين السعودية والولايات المتحدة حول مساعدة الأخيرة للرياض في بناء مفاعل نووي سلمي، ستعزز السعودية علاقاتها النووية مع الصين، وهذا ما سيزعج واشنطن التي كثفت اتصالاتها مع المملكة في الآونة الأخيرة، لأنها تريد الحفاظ على علاقات مستقرة معها، والوصول إلى اتفاق يرضي الطرفين حول التعاون النووي وأمور أخرى، وهذا ما يفسر بقاء وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن 3 أيام في السعودية، ليتاح له إجراء المزيد من المحادثات مع المسؤولين هناك.
من المؤكد أنّ العلاقات السعودية الأميركية لن تعود إلى سابق عهدها، ولن تستطيع واشنطن أن تفرض على الرياض ما تريده، والسعودية اليوم غير السعودية أمس، بعدما خرجت من العباءة الأميركية، وصارت تسعى لأن تكون قوى إقليمية كبرى، وأخذت تنوع علاقاتها مع مختلف دول العالم.
وحتى إذا اتفقت أميركا مع الرياض على مساعدتها في برنامجها النووي المدني، وعقدت اتفاقيات عسكرية جديدة معها، إلا أنّ واشنطن لن تتمكن من إلزامها بالابتعاد عن بكين، على الأقل اقتصادياً وتكنولوجياً.
* المصدر: موقع الميادين
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع