د. شعفل علي عمير*

صحيحٌ أن هناك فارقاً بين التبعية والتغريب، الفارق في المفهوم السطحي، ولكن في حقيقة الأمر كلا المفهومَينِ مرتبطان ببعضهما، وكُلٌّ منهما نتيجةٌ للآخر؛ فَالتغريب من نتائج التبعية، وَالتبعية من ثمار التغريب.

ويشار في كثير من الأحيان إلى أن التبعية تُعنَى بالجانب الاقتصادي؛ فنقول تبعية اقتصادية، في حين أن التبعية قد تكون اقتصادية وثقافية وسياسية و…!

بينما يعني التغريب أن يصبح الإنسان الشرقي تابعًا للغربي في ثقافته وأساليب معيشته وحتى طرق تفكيره؛ بمعنى أصح أن التغريب هو مسخٌ للهُوية الثقافية والدينية وفرضُ قيود على حرية التفكير، والخطير في هذا الجانب أن كُـلًّا من التبعية والتغريب تأتي بجلباب (التحضُّر) الذي ينخدِعُ تحت هذا الشعار الكثيرُ من أبناء الأُمَّــة.

تفرِضُ طبيعةُ المجتمعات المستهَدفة طبيعةَ وآلياتِ الاختراق؛ فقد تكون التبعية في بعض المجتمعات هي العملية التي تسبق التغريب وتهيِّئُ الأرضيةَ المناسبةَ لها، وتأتي هذه الطريقة عندما يكون الحكام والحكومات تابعةً للغرب وصنيعة غربية، في مثل هذا النموذج يترك مسألة التغريب على المؤسّسات الرسمية في هذه الدولة كما هو حاصلٌ في السعوديّة والإمارات وغيرهما من الدول العربية والإسلامية.

وقد تلجأُ دولُ الاستكبار العالمي لطُرُقِ الغزو الفكري والثقافي حين يسبِقُ التغريبُ التبعيةَ ويمهِّدُ لها، وهذا الأُسلُـوب يأتي عندما يكونُ الحكامُ والحكوماتُ بعيدين عن السيطرة الغربية، وهنا يأتي دورُ المنظمات التي تتعمَّدُ إدخَالَ جوانبَ لا أخلاقية بعيدة عن تقاليد هذا المجتمع أَو ذاك، وتكثيف برامج الغزو الفكري والثقافي في كُـلّ وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، ناهيك عن الاستقطاب المباشر عن طريق المِنَحِ المجانية مستهِدفةِ بذلك المجتمع في ثقافته ونمط معيشته وتفكيره؛ فينشأ في هذه المجتمعات جيلٌ يعتبر كُـلّ ما هو تراثٌ تخلُّفاً وكلّ ما هو من العادات والتقاليد قيودًا للتحضُّر، تتغير بنيتُه الثقافية والفكرية فنسمعُ مصطلحات لم نعتَدْ سماعَها إلَّا من موظفي المنظمات الدولية؛ فتبدأ تتكوَّنُ في ذهنية الشباب نظرةُ احتقار لوطنه وتراثه وتقاليده في مقابل نظرةِ انبهار للغرب؛ فينسلخُ الجيل من انتمائه لوطنه ابتداءً، ثم ما يلبث أن يعزوَ كُـلَّ ما يعتبره تخلُّفاً في وطنه للدين وهذه المرحلة الأخطر.

تحتاجُ هذه الطريقة إلى فترةٍ زمنيةٍ أطولَ؛ لتحقيق جانبِ التغريب في أي مجتمع حتى يختلَّ من الداخل؛ فتتغير ملامحُ هذا الجيل، يتغيَّرُ في أُسلُـوب ونمط حياته وفي طريقة تعامُله وكلامه، وتتغيَّرُ اهتماماته؛ فتراه بعيدًا عن كُـلّ ما يهم الأُمَّةَ؛ فتحدث نتيجة ذلك فجوةٌ فكريةٌ وثقافيةٌ بين الحاكم والمحكومين؛ فتتهيَّأُ البيئةُ لخلق فوضى وصراعات؛ فتبدأ قوى الشر في تغذيتها؛ أملاً في تغيير الحاكم بآخر يكون ولاؤه للغرب أكثَرَ من ولائِه لوطنه وأمته ودينه، بحَيثُ تكونُ تبعيتُه الاقتصاديةُ والثقافيةُ والسياسيةُ للغرب، ومن ثَــمَّ يسهُلُ عليه تغريبُ شعبِه؛ ليتقمَّصَ حَالَةَ الغرب في كُـلّ مناحي حياته.

* المصدر : صحيفة المسيرة
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه