السياسية || محمد محسن الجوهري*


لأن الغرب لا يطيق إدارة حربين في وقتٍ واحد، كان لا بد من خفض التصعيد في لبنان أولاً قبل توجيه ضربة أخرى لمحور المقاومة، وهذه المرة في سورية، الحاضن الرئيسي لجبهة الإسناد اللبنانية والداعم الرئيسي للمقاومة في فلسطين المحتلة.

لم تكد تمر ساعات على وقف إطلاق النار في لبنان، حتى بادرت الفصائل المسلحة المدعومة من قطر وتركيا إلى فتح جبهة جديدة ومهاجمة مواقع للجيش السوري في محافظتي حلب وإدلب، رافق ذلك وصول تعزيزات عسكرية مكثفة للجيش التركي إلى منطقة درع الفرات الخاضعة لسيطرة جماعات متطرفة موالية لها، منها ما يسمى بهيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري، وهو فصيل مسلح تابع لأنقرة، ولا علاقة له بالجيش العربي السوري.

ولم يكن الأمر مجرد صدفة، ففي الثلاثاء الماضي، استبقت تركيا الهدنة في لبنان بإرسال تعزيزات ضمت شاحنات محملة بأسلحة ثقيلة ودبابات وآليات، تمركزت في قاعدة قريبة من خطوط التماس مع مناطق سيطرة الجيش السوري، بالقرب من جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي، ضمن منطقة خفض التصعيد (التي وقعتها روسيا وتركيا في 2020).

ودون سابق إنذار، أطلقت جماعة «هيئة تحرير الشام» والفصائل الموالية لتركيا وقطر عملية أسمتها «ردع العدوان»، تستهدف مواقع الجيش السوري في ريف حلب الغربي، والسيطرة على نقاط في قبتان جبل وشيخ عقيل قرب الفوج 46، وسط اشتباكات عنيفة، وتبادل للقصف المدفعي والصاروخي مع القوات السورية.

وكان واضحاً أن خفض التصعيد في لبنان سيتلوه تصعيد آخر إما في اليمن أو غيرها من دول محور المقاومة المساند لغزة، ولكن "إسرائيل" -ومن خلفها الولايات المتحدة- لجأت هنا لأدواتها في قطر وتركيا لضرب سورية، تماماً كما سبق وفعلت في اليمن عبر السعودية والإمارات، وجميعهم على علاقات وثيقة مع الكيان الصهيوني وجزء رئيسي من معسكر التطبيع المناهض للقضية الفلسطينية.

جدير بالذكر أن قطر تتكفل منذ العام 2011 بتمويل الجماعات التكفيرية وإرسالها إلى سورية، وتسببت بقتل وتشريد مئات الآلاف من المدنيين السوريين، بالتعاون مع حليفتها تركيا والتي تكفلت بإدارة التحركات الميدانية للتكفيريين على الأراضي السورية.

كما يعلب النظامان في الدوحة وأنقرة دوراً موازياً لمعسكر الرياض وأبوظبي في مواجهة محور المقاومة، حيث تتكفل كل فئة بالتصعيد ضد طرف معين من أعداء الكيان، رغم أن العداء بين المعسكرين شديد وبلغ حد التآمر لإسقاط بعضهم البعض، وصدق الله حين قال: (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا) النساء 88.


* المقال يعبر عن رأي الكاتب