“أود رسم خط من النقطة “ع” إلى النقطة “ك”.. من هنا بدأ تقسيم العرب
السياسية:
أشار الدبلوماسي البريطاني، السير مارك سايكس إلى خريطة أمامه وقال: “أود رسم خط من النقطة “ع” في عكا إلى “ك” في كركوك. بهذه الطريقة قسمت لندن وباريس المنطقة العربية إلى الأبد.
جرى هذا الأمر قبل 107 سنوات في 16 مايو 1916، حين قسمت، تحت جنح الظلام، بريطانيا وفرنسا المنطقة العربية ضمن التركية العثمانية.
بعبارة أخرى قامت هاتان الدولتان بتقطيع اوصال المنطقة العربية وحاصرتها بحدود وضفتها بما يوافق مصالحها، زارعة بذلك بذور للعديد من المشاكل الجيوسياسية التي لا تزال قائمة حتى الآن.
في ذلك الحين فيما كانت “الحرب العالمية الأولى” مستعرة بكامل وحشيتها جلس دبلوماسيان يمثلان بريطانيا وفرنسيا، الحليفتان في الحرب ضد ألمانيا التي كانت متحالفة مع تركيا، لاقتسام المنطقة العربية بعد أن تراجعت لندن عن موقفها السابق وأفسحت مكانا لباريس على “المائدة العربية”.
مثل بريطانيا في تلك الاتفاقية السرية، السير مارك سايكس، وفرنسا فرانسوا جورج بيكو، وبموجبها ظهرت العديد من الدول العربية على الخارطة، مملكة الحجاز 1916، إمارة عسير 1918، المملكة اليمنية 1918، دولة لبنان الكبير، 1920، إمارة شرق الأردن، 1921، مملكة العراق، 1921، دولة سوريا، 1925.
المفاوضات السرية لتقطيع أوصال المنطقة العربية وتقسيمها بين العاصمتين الأوروبيتين بدأت في 15 نوفمبر 1915 على خلفية عملية استقطاب وتحشيد في الصراع الدموي بين المعسكرين في الحرب العالمية الأولى.
في إطار تلك المساعي، وتمهيدا لاقتسام “الكعكة العربية”، أجرى هنري مكماهون المفوض السامي البريطانية لمصر، مفاوضات مع حاكم مكة في ذلك الوقت الشريف حسين، عرض خلالها إقامة دولة عربية مستقلة.
كانت بريطانيا وفرنسا حينها تتمتعان بنفوذ استعماري قوي في المنطقة العربية، فرنسا بواسطة تأثيرها الاقتصادي والثقافي في بلاد الشام، وبريطانيا في مصر، التي كانت تحت الاحتلال منذ عام 1882.
في ذلك الوقت حين رسم الدبلوماسي البريطاني السير مارك سايكس خطه الجديد الممتد من مدينة عكا الفلسطينية إلى مدينة كركوك العراقية، كانت الأراضي الواقعة إلى الشمال من هذا الخط تخضع بشكل مباشر أو غير مباشر لحماية فرنسا، والأراضي الواقعة إلى الجنوب تحت سيطرة بريطانيا.
فرنسا بدورها سيطرت على “المنطقة الزرقاء”، وكانت تشمل لبنان والساحل السوري وجزءا من أراضي تركيا الحالية، في حين أن “المنطقة الحمراء” التي كان تقرر نقل السيطرة عليها إلى بريطانيا كانت تضم جنوب بلاد ما بين النهرين، أي العراق، بما في ذلك بغداد، إلى جانب موانئ البحر الأبيض المتوسط في حيفا وعكا.
بين هاتين المنطقتين، كانت بريطاني وفرنسا تفترضان إقامة دولة عربية أو اتحاد كونفدرالي للدول العربية تحت حماية مشتركة.
أما فلسطين بما في ذلك القدس، فقد مُيزت باللون البني في تلك الخارطة، وكان تقرر وضعها تحت سيطرة الإدارة الدولية.
انضمت الإمبراطورية الروسية وإيطاليا إلى هذه الاتفاقية، ومع ذلك، جاءت حكومة ثورية إلى السلطة في روسيا، والتي كشفت في عام 1917 عن الصفقة السرية من خلال نشر نصها.
عمليا، أظهرت “صفقة” سايكس بيكو السرية التي كشفت عنها السلطات السوفيتية في عام 1917 الخداع البريطاني للعرب لاستمالتهم على جانبها ضد الدولة العثمانية، وكذبة الوعود بإقامة دولة عربية مستقلة وواسعة في منطقة سوريا الكبرى.
في كتابه “خط من الرمال” يقول جيمس بار عن هذا الأمر: “هذان الاثنان أشادا بفكرة الاستقلال العربي… ثم قسمت إلى النصف المنطقة التي وعد بها المفوض السامي البريطاني (الشريف) حسين”.
خط الرمال البريطاني الفرنسي جزأ المنطقة العربية، ودمر الروابط العرقية والدينية، وزرع بدور التنافس والعداء، واكتملت تلك المأساة بظهور وعد بلفور الخاص بإقامة وطن الشعب اليهودي عام 1918.
ما أن انتهت الحرب العالمية الأولى حتى انقلبت الموازين وادخلت تغييرات على اتفاقية سايكس بيكو. عقب محادثة قصيرة بين رئيس الوزراء الفرنسي جورج كليمنصو والزعيم البريطاني ديفيد لويد، على خلفية تعاظم أهمية النفط كمورد استراتيجي، حيث أجبرت فرنسا على التخلي عن ولاية الموصل لبريطانيا، ووضعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني، وبقي العرب رهينة أبدية لخطوط من الرمال.
* المصدر: موقع روسيا اليوم
* المادة نقلت حرفيا من المصدر ولا تعبر عن رآي الموقع