إستراتيجيّة أميركية جديدة: 5 أسس لضمان الهيمنة على الشرق الأوسط
جمال واكيم *
يبدو أنَّ هناك توجهات إستراتيجية أميركية جديدة في العالم، وخصوصاً منطقة الشرق الأوسط، نتيجة التحولات الحاصلة على المستوى الدولي في صعود قوى دولية تنافس الولايات المتحدة وتحدّ من هيمنتها على العالم، وظهور منظومات دولية بديلة من المنظومة الغربية المهيمنة منذ الحرب العالمية الثانية، مثل منظومة دول شنغهاي للتعاون التي تضم القوى الأوراسية، وعلى رأسها الصين وروسيا ودول آسيا الوسطى والهند وباكستان وقريباً إيران، ومنظومة البريكس التي تضم روسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل.
ووفقاً لمستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان، في ندوةٍ نظمها مركز دراسات الشرق الأدنى المؤيد للصهيونية، فإن الرئيس جو بايدن رأى، وفقاً للرؤية التي أطلقها في تشرين الأول/أكتوبر 2022، أن الولايات المتحدة تواجه سنوات حاسمة غير مشهودة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، إذ تتنافس الولايات المتحدة مع قوى عالمية أخرى على النفوذ في العالم، وخصوصاً منطقة الشرق الأوسط.
ورأى سوليفان أن السياسات التي سترسخها واشنطن في السنوات الثلاث أو الأربع المقبلة سيكون لها دور حاسم في توجيه السياسة الأميركية في العالم خلال العقود الثلاثة أو الأربعة المقبلة، وستساهم في صياغة العالم الذي نعيش فيه.
وأشار سوليفان إلى أن هناك تلازماً بين تنمية القدرات الذاتية الأميركية، وخصوصاً على صعيد الاقتصاد الداخلي الأميركي والسياسة الداخلية، والسياسة الخارجية للولايات المتحدة.
وقد لفت في هذا الشأن إلى سعي إدارة بايدن للتركيز على الاستثمار الداخلي في التطوير الصناعي والتكنولوجي والاستثمار في البنى التحتية والذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتكنولوجيا النانو. إضافةً إلى ذلك، فإن سوليفان أشار إلى عدد من الإجراءات الاقتصادية الآيلة إلى الحد من التضخم والاستثمار في مجال الطاقة النظيفة.
وأشار إلى ما اعتبره عدداً من الإنجازات التي حققتها إدارة بايدن في الشرق الأوسط، ومن ضمنها توجيه ضربات إلى الحشد الشعبي في العراق، وتطبيع الوضع في هذا البلد إلى حد كبير لمصلحة الولايات المتحدة، وتحقيق تقارب بين عدد من الدول العربية، مثل قطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة والكيان الصهيوني، ودفع “الاتفاقيات الإبراهيمية” قدماً بين العرب و”إسرائيل”، وإقامة شراكة إستراتيجية بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” والإمارات العربية المتحدة والهند لربط الشرق الأوسط بجنوب شرق آسيا.
ورأى سوليفان أن مقاربة إدارة بايدن للشرق الأوسط أقل “مثالية” وأكثر عملية في اعتماد الخطوات التي يمكن تحقيقها. ويبدو أنَّ الدولة العميقة في الولايات المتحدة اعترفت بفشل مسعاها لتغيير الخريطة الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط التي اعتمدتها على مدى العقدين الماضيين، والتي أدت إلى غزو أفغانستان والعراق ومحاولة تغيير الأنظمة العربية وإعادة رسم الجغرافيا السياسية للمنطقة.
هذا الأمر دفع إدارة بايدن إلى مراجعة السياسة الأميركية وبناء استراتيجية جديدة تقوم على 5 أسس لخّصها سوليفان بالتالي: بناء الشراكات، وتأمين الردع، واعتماد الخيارات الدبلوماسية وخفض التصعيد، وتحقيق التكامل الإقليمي، والالتزام بالقيم الأميركية القائمة على نشر الديمقراطية ورفع لواء حقوق الانسان.
وبشأن بناء الشراكات، قال سوليفان إن الولايات المتحدة على مدى العامين الماضيين، وهما أول عامين من ولاية بايدن، سعت لتعزيز علاقاتها مع شركائها في المنطقة، مثل المغرب ومصر والأردن والعراق ودول مجلس التعاون الخليجي، منوهاً بالعلاقة الخاصة التي تربط الولايات المتحدة بـ كيان “إسرائيل”.
وشدّد على أن بناء الشراكات سيتواصل في المستقبل، مشيراً إلى الحوارات الإستراتيجية التي أجرتها إدارة بايدن مع قيادات الدول الآنفة الذكر والزيارات الرئاسية التي قام بها بايدن لدول المنطقة والتمارين العسكرية المشتركة مع جيوشها، والتي فاقت 200 تمرين عسكري.
وشدد أيضاً على استعداد الولايات المتحدة لتأمين كلّ ما يطلبه منها شركاؤها في المنطقة، على أن تقوم هذه البلدان بضمان سلاسل الإمداد في كل ما تحتاجه الولايات المتحدة، وذلك لضمان الاعتماد المتبادل بين هذه الدول وعدم اللجوء إلى بلدان أخرى منافسة للولايات المتحدة، مثل الصين وروسيا، وخصوصاً في مصادر الطاقة أو الأمن الغذائي والمائي.
بالنسبة إلى عنصر الردع، فإن سوليفان أشار إلى ضرورة أن تبقى الولايات لمتحدة على أهبة الاستعداد لمواجهة ما رآه تهديدات للمصالح الأميركية والشعب الأميركي، وذلك بشكل استباقي، مشيراً إلى الهجمات التي تشنها القوات الأميركية ضد مواقع للجيش السوري وحلفائه في سوريا، مبرراً هذه الهجمات بأنها رد على استهداف فصائل المقاومة في سوريا القواعد العسكرية التي يقيمها الاحتلال الأميركي في شرق الفرات وفي منطقة التنف.
هذا الأمر أشار إلى ضرورة تعميق الحضور العسكري الأميركي في المنطقة، ملمحاً إلى عشرات القواعد التي أقامتها الولايات المتحدة في دول المنطقة مثل سوريا والعراق والأردن ولبنان والكويت والبحرين والمملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان.
أما العنصر الثالث، وهو العنصر الدبلوماسي، فإن سوليفان أشار إلى ضرورة اعتماد هذا الخيار أولوية، مشيراً إلى تواصل مع إيران بشأن برنامجها النووي، معتبراً أن خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي خلال ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب كان خطأ مأساوياً.
وشدّد على ضرورة أن تعي إيران بأن واشنطن لن تسمح لها بامتلاك قنبلة نووية، مشيراً إلى أن الرئيس بايدن أكد أنه سيتخذ الإجراءات الضرورية للالتزام بهذا الهدف، بما في ذلك إطلاق العنان لـ كيان “إسرائيل” للتصرف عسكرياً.
وبالنسبة إلى العنصر الرابع في الاستراتيجية الأميركية الجديدة، وهو عنصر التكامل، فإن سوليفان أشار إلى أن الولايات المتحدة استطاعت تحقيق شرق أوسط أكثر تكاملاً وترابطاً، وخصوصاً دعم حلفاء واشنطن في المنطقة، معتبراً أن هذا يدعم السلام الإقليمي والازدهار في المنطقة بما يحفظ المصالح الأميركية الأساسية بأقل كلفة ممكنة، ومن دون حاجة إلى تكبد كلفة موارد يمكن أن يطلبها منها حلفاؤها في المنطقة.
وفي هذا الشأن، أشار إلى أن بلاده تعمل على بناء بنية دفاع جوي وبحري متكاملة في المنطقة من خلال الشراكات المبتكرة التي أقامتها ومن خلال التكنولوجيا الحديثة. وقد لفت إلى وجود الأسطول الخامس في البحرين ونشاط القيادة المركزية الأميركية بالتعاون مع أجهزة الاستخبارات والمؤسسات العسكرية للدول التي تدور في الفلك الأميركي، إضافةً إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية بين “إسرائيل” وعدد من دول المنطقة، و”الاتفاقيات الإبراهيمية” التي يأمل سوليفان أن تؤدي إلى دمج “إسرائيل” في المنطقة.
وأخيراً، فإن سوليفان أشار إلى العنصر الخامس، وهو عنصر القيم، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة ودورها في دعم المصالح الأميركية.
ويبقى أن ننتظر ظهور نتائج الإستراتيجية الأميركية الجديدة في الشرق الأوسط في ظل عالم متغير يتحول تدريجياً ليكون عالماً متعدد الأقطاب، ما سينعكس على الأنظمة الإقليمية الرديفة.
* المصدر: الميادين نت
* المقاله الصحفية نقلت حرفيا من المصدر وتعبر عن وجهه نظر الكاتب