التدخل الصهيوني في السودان : استشراف مخاطر
السياسية- متابعات:
منذ الإطاحة بالرئيس السوداني السابق عمر حسن البشير في نيسان/ أبريل 2019 بحركة احتجاجات شعبية تبناها الجيش بعد عدة شهور انتظر المراقبون حوالي السنة تقريباً حتى يتبين لهم من هو الرجل الأول في السودان وما هي التركيبة الحاكمة في واحداً من أكبر البلدان الأفريقية مساحة.
وما أن ظهر اسمي عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو الملقب بـ “حميدتي” في بداية صيف 2021 كحاكم عسكري أعلى للسودان ونائبه توقع الخبراء والمختصون أن هذا الحلف “مصلحي”. وأن حيثية الرجلين ستأخذان بالسودان عاجلاً أم آجلاً إلى صدام مسلح كبير.
فالرجلين كانا ذراعي البشير رئيس النظام السابق اللتين بطش بهما وقدم من خلالهما خدمات إقليمية ودولية في ليبيا ومالي واليمن بعدما وزعهما في مؤسستين عسكريتين (نظامية وشبه نظامية) بنيتا لهدفين محدديين وهما حماية المصالح الاقتصادية للنخبة الحاكمة في البلاد وخدمة المصالح الأجنبية في محيط السودان. فبعدما أجرى الرئيس المخلوع عام 2013 تعديلاً على النظام العسكري السوداني قضى بتحويل ميليشيات “الجنجويد” إلى قوات شبه نظامية تتمتع بحقوق وواجبات القوات النظامية بدأ مرحلة رفع أحد أهم رجاله في الجيش من رتبة قائد لواء إلى رتبة المفتش العام للجيش وصولاً إلى رتبة نائب قائد الجيش المكلف بشؤون العمليات والاستخبارات العسكرية عام 2018 وعلى أثر التراجع الكبير في الوضع الاقتصادي في أحد أغنى البلدان في أفريقيا بالموارد ونتيجة لقرارات اقتصادية قاسية ومجحفة بحق الجمهور السوداني الذي يتكون ثلثيه من الشباب تحت الــ 38 عاماً، اندلعت ثورة شعبية عارمة على نظام البشير استمرت لعدة أشهر حسمها لصالح الحراك الشعبي ذراعي البشير العسكريتين البرهان ودقلو) الذين انقلبا على صانعهما واطاحا به بانقلاب (مدني ـــ عسكري).
وبعد أشهر من التجاذب بين المؤسستين العسكريتين والأحزاب التي صعدت على ظهر الحراك الشعبي تراجع العسكر خطوة وسمح للحكم المدني أن يمارس سلطات الحكم ولكن بحضور ونفوذ عسكري. لم تلبث هذه الصيغة أن انهارت بفعل انقلاب عسكري قاده البرهان ودقلو سوياً فأطيح بالحكم المدني بعد عدة شهور، وأسس الجيش مجلساً انتقالياً يغلب عليه الطابع العسكري برئاسة البرهان. إلا أبي الجمهور السوداني لم يقبل هذا الحل فعاد وانتفض مجدداً ضد الحكم العسكري هنا جاء دور “دقلو” الذي تولى قمع الاحتجاجات المدنية بالحديد والنار بواسطة قواته سيئة الصيت “قوات التدخل السريع وخلال أيام بلغت فاتورة الدم مئة قتيل ومئات الجرحى والمعتقلين توجت بمجزرة كبيرة في محيط القيادة العسكرية السودانية في الخرطوم راح ضحيتها 60 سودانياً وأكثر من 200 جريح . صمت البرهان عن أفعال دقلو أظهر أنه كان صمت قبول لأعماله حيث جرى تعيين “دقلو” نائباً للبرهان بعد إجهاض الحراك في حزيران .
2021 ومنذ ذلك الحين تعيش السودان أزمة كل عدة أشهر بسبب الوعود التي يقدمها المجلس العسكري للأحزاب بإعادة الحكم المدني فيما كان الحليفين (البرهان ودقلو) يمارسان ما يشبه التقية، بينهما ففي حين يمدح البرهان بدقلو يقوم الاخير بإعلان ولائه لبرهان. إلى أن جاءت الترتيبات الأخيرة التي كانت ستبدأ بإعطاء الاحزاب والمجموعات السياسية المختلفة مفتاح عودة الحكم المدني ضمن شروط يبدو أن البرهان وافق عليها وهي دمج قوات التدخل السريع التابعة لدقلو بالجيش.
ويبدو أن هذه الخطوة التي تعني تهميشه وإزاحته جعلت دقلو ينفذ خطوة استباقية بالسيطرة على مراكز الجيش المهمة والسهلة في آن في كل من أم درمان ودار فور والعاصمة الخرطوم لاستدراج الجيش إلى حرب أهلية يبدو أن الجيش السوداني انزلق إليها.
مميزات السودان
يمتلك السودان مجموعة من الخصائص الجغرافية والاقتصادية والأمنية التي تجعل منه ساحة تنافس واهتمام للعديد من القوى الاقليمية والدولية:
ـــ السودان دولة تقع على البحر الأحمر وتمتلك ساحلاً طويلاً مناسباً للملاحة وعليه ثلاث موانئ ضخمة يمكنها نقل كم هائل من البضائع والمواد الأولية من أفريقيا وإليها ومن يملك التسهيلات في السودان يمكنه أن يغزو أفريقيا اقتصادياً.
ـــ الحدود السودانية مع 7 بلدان أفريقية تمنحه أو تمنح أي قوة شريكة ميزة التأثير على أي دولة محيطة في حال قررت التدخل فيها.
ـــ الحدود المصرية ـــ السودانية الكبيرة (1200) كيلومتر يجعل اتجاه السودان للتحالف مع أي قوة معادية لمصر مشكلة كبيرة للامن القومي المصري.
ـــ يمكن للسودان أن يؤثر بسهولة على الملاحة في البحر الاحمر إذا امتلك أو تحالف مع القوة البحرية اللازمة أو امتلك الصواريخ والالغام البحرية المناسبة لتعطيل الملاحة في البحر الأحمر.
ـــ السودان يعتبر بوابة القرن الافريقي يشترك مع دولة جنوب السودان بأخطر مسطح بري في الشرق الاوسط.
السودان يعتبر بوابة لأي قوة أجنبية إلى قلب أفريقيا ما بعد الصحراء ووجود قواعد أجنبية فيه يعني امكانية التدخل السريع في أفريقيا.
ـــ وجود الساحل السوداني الطويل على البحر الأحمر يسمح بتحويل الموانئ الثلاثة الضخمة المبنية عليه مورداً للصيد البحري.
ـــ السودان يمتلك أكبر حوض مائي نهري في العالم يمكنه من أن يسقي الأرض السودانية الشاسعة وعالية الخصب مما يجعله سلة أفريقيا وآسيا الغذائية.
ـــ في حال وجود تمويل كاف يمكن للسودان أن يؤثر على مسطح النيل المائي المصري بشكل مواز الأثيوبيا ويهدد الزراعة والري في مصر.
المخاطر
تحمل هذه الحرب بين “الأخوة” مخاطر جمة للاقليم بسبب الأهمية الاستراتيجية للسودان كموقع ودور وامكانات وعلاقات، ويمكننا تحديد أهمها بالتالي:
ــ يمتلك الكيان الصهيوني علاقات مباشرة مع كل من البرهان ودقلو ويقود وساطة بغطاء أمريكي بين الطرفين، ويسمح له ذلك بالتدخل في البيئة السودانية بطرق مختلفة حالياً ومستقبلاً.
ــ امتلاك اليمن للصواريخ والمسيرات التي يمكن أن تصل إلى الكيان الصهيوني، مع فقدان الكيان للعمق الاستراتيجي، وعدم استعداد السعودية للعمل كمنصة أو منطلق أو عمق استراتيجي بديل، يدفع الكيان إلى البحث عن عمق استراتيجي يخوله الدفاع عن النفس ومواجهة العمق اليمني.
ــ السودان يشكل منصة استراتيجية لتأسيس بنيـة تحتية دفاعية صهيونية على اراضيه وسواحله. قد يبني قاعدة بحرية مطارات عسكرية مخازن تسليح رصد وإنذار مبكر، دفاع صاروخي وضد المسيرات ميليشيات تشكيلات للانزال البحري السريع.
ــ في حال وجود تسهيلات عسكرية لأي قوة بحرية أجنبية كالكيان المؤقت في سواحل السودان وموانئه الثلاثة فإنه يهدد اليمن وأي ملاحة بحرية منهما كما يهدد حرية الملاحة الايرانية عبر البحر الاحمر باتجاه الخليج أو باتجاه البحر المتوسط.
ــ توجد في السودان مجموعة هائلة من المواد الأولية كالذهب والكوارتز الذين تستغلهما روسيا والامارات فضلاً عن النحاس والالومينيوم والكوبالت والالماس وغيرها من المعادن والمواد الاولية المهمة، ويمكن للتدخل الصهيوني في السودان أن يشكل فرصة اقتصادية هامة للكيان.
ـــ التسهيلات التي يمكن أن تقدمها المطارات السودانية للصهاينة تسمح لسلاح جوهم باستهداف مصر واليمن وليبيا. كما يمكنها في حال وجود المعدات اللازمة أن تستطلع بوسطة طائراتها التجسسية معظم دول شمال أفريقيا.
ــ العلاقات الصهيونية ـــ السودانية تفتح المجال للصهاينة بتهديد مصر وليبيا وتونس ومالي و6 دول أخرى.
ــ العلاقات الصهيونية ــ السودانية تفتح الباب للكيان المؤقت للدخول إلى قلب أفريقيا.
- المصدر: موقع العهد الاخباري
- إعداد: مركز دراسات غرب آسيا
- المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع