نقاط ضعف الاحتلال ما بعد رمضان 2023
أيمن الرفاتي*
رغم القوة العسكرية الهائلة التي يمتلكها الاحتلال، فقد بات عاجزاً ومكبلاً في ظل خوفه من الحرب المتعددة الجبهات وخشيته من مبادرة المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة إلى شنّ حرب برية ضده.
تعدّ الأحداث التي شهدها شهر رمضان المبارك عام 2023 في الأراضي الفلسطينية وحولها فارقة وذات دلالات إستراتيجية مهمة في الصراع مع العدو الصهيوني الذي تعزّزت نقاط ضعفه وتراجعت قدرته على المناورة ونقل المعركة خارج الأرض التي يتحصّن بها.
جاءت الأحداث في شهر رمضان بعد 3 أشهر من اشتعال الخلافات الداخلية في الكيان واقترابها من الحرب الأهلية ووصولها إلى “الجيش”. وقد تزامن ذلك مع ترابط محور المقاومة والقدس، وتجاوز كلّ الخلافات السابقة، والبدء بمراحل إستراتيجية جديدة، ناهيك باشتعال جبهات جديدة في وجه الاحتلال وترابطها، سواء داخل فلسطين المحتلة أو خارجها.
ورغم القوة العسكرية الهائلة التي يمتلكها الاحتلال، فقد بات عاجزاً ومكبلاً في ظل مخاوفه من الحرب المتعددة الجبهات، وخشيته من مبادرة المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة إلى شنّ حرب برية ضده تحت غطاء صاروخي كثيف يحيّد منظومات الدفاع الجوي وسلاح الطيران. لهذا، بات ينظر إلى نقاط ضعفه بشكل أكثر عمقاً عما كان عليه قبل رمضان 2023.
في هذه المقالة، نستعرض نقاط الضعف المزمنة والحديثة لدى العدو، وما تمثّله من نقاط قوة لدى محور المقاومة الذي بدأ يتحرك بشكل أكبر وأقوى وأكثر تنسيقاً للتخلص من هذا الكيان. ومن يقرأ المشهد الحالي يدرك أنَّ الاحتلال الصهيوني في أضعف حالاته، وباتت نقاط ضعفه تتعزز يوماً بعد يوم من دون أن يجد لها حلاً.
وتعدُّ مشكلة العمق الإستراتيجي بالنسبة إلى الكيان أبرز نقاط الضعف، وهو ما يجعله دائماً خائفاً من المواجهات، فيما يمثل الفلسطينيون في قطاع غزة والضفة الغربية والداخل المحتل عام 1948 أكبر خرق للعمق الإستراتيجي للعدو، ما يجعلهم مهدداً دائماً رغم محاولات السيطرة عليهم.
ورغم تطوير العدو قدرات غير مألوفة لتدمير أعداد كبيرة من الأهداف المتنقلة والثابتة في مديات طويلة وبدقة عالية كحلٍّ لمشكلة العمق الإستراتيجي، فإنَّ حروباً قد تشنها قوات لا دولانية تتحرك بتقنيات تخفٍّ متطورة يمكنها أن تعيد “الدولة” إلى المعضلة ذاتها التي كانت في البداية، إضافة إلى أنَّ وجود مئات الآلاف من الصواريخ بمختلف أنواعها ومدياتها شمال الكيان وجنوبه يمثل أكبر خرق لعمقه الإستراتيجي.
وتتلخّص معضلة العمق الإستراتيجي في أنَّ العدو لم يعد يستطيع استخدام إستراتيجيات المعارك على أرضه، ما يعني تضاعفاً في المخاطر الأمنية، وزيادة في قدرة أعدائه على التأثير في الحياة والاقتصاد، بما يمثّل معضلة أمنية اقتصادية مركبة.
وتمثّل معضلة العمق الإستراتيجي لكيان الاحتلال فرصة مهمة للمقاومة عبر استمرار التركيز على جعل المعركة داخل “دولة” الاحتلال، وامتلاك الأدوات التي يمكن من خلالها أن تصبح المعركة في الأراضي المحتلة، بما في ذلك التفكير في إدخال القوات العسكرية من قطاع غزة إلى داخل المدن المحتلة، والاستمرار في مراكمة سلاح الصواريخ بأعداد أكبر وأنواع تتمكَّن من تجاوز القبة الحديدية، إضافة إلى الطائرات المسيرة.
أما أكبر معضلة للاحتلال، فهي نشوب حرب متعددة الجبهات بالتنسيق بين محور المقاومة، إذ يمكن لهذا الخيار أن يؤدي إلى تشتت القدرات الدفاعية لـ”إسرائيل” وعدم سيطرتها على مواجهة المعركة في أراضيها.
من ناحية ثانية، تعد مشكلة النزاعات الداخلية للكيان من أبرز نقاط الضعف، إذ تتعاظم الخلافات الداخلية في “دولة” الاحتلال في ضوء تصارع عشرات الأحزاب على السياسة والحكومة.
إن الحالة الداخلية الصهيونية مقلقة للمفكرين الصهاينة الَّذين يرون أن كيان “إسرائيل” تعاني انقسامات حادة على صعيد الواقع السياسي بين يمين ووسط ويسار ومتدين وعلماني، ومؤخراً ما بين مصالح المستوى السياسي ومصالح قادة “الجيش”، في مقابل تقلّص القضايا المركزية التي يمكن أن تجتمع عليها مختلف الأطراف، ما يشكل تهديداً قد يدخل “الدولة” في دوامة حرب داخلية أو يعيدها إلى حلقة الانتخابات المتكررة من دون وجود حكومة قوية قادرة على اتخاذ خطوات إستراتيجية.
وتمثّل النزاعات الداخلية فرصة لمشروع المقاومة في المنطقة، إذ إنّ هذا العامل يعدّ مانعاً لاتخاذ الاحتلال خطوات خارج العادة في التعامل مع جبهات المقاومة، ويجعل “دولة” الاحتلال تتعامل مع المتغيرات بمستوى تكتيكي، لكنّها على المستوى الإستراتيجي لا تمتلك رؤى واضحةً.
وقد باتت تتعامل بناءً على ردود الفعل والتكتيك الضيق الذي لن يكون حاسماً في مواجهة الملفات الثقيلة، وتحديداً الأمنية. هذا الأمر يمثّل فرصة للمقاومة لتحديد وقت الهدوء والحرب واستخدام ورقة الضغط العسكري لتحقيق أهداف مرحلية.
من ناحية ثالثة، بات المتغير الإقليمي من أكثر نقاط الضعف المحيطة بالكيان، فاعتقاد “دولة” الاحتلال أنَّ انشغال الدول العربية والإسلامية بالخلافات الداخلية سيجعلها تبتعد عن التفكير في مواجهتها أمر لم يتحقق، فقد تغيّر الواقع، واستقرت أحوال أغلب الدول المحيطة بالكيان، وتراجع مشروع التطبيع مع الدول العربية في ظل تراجع الدور الأميركي في المنطقة، وعاد التأكيد أنَّ “دولة” الاحتلال هي سبب حالة عدم الاستقرار في المنطقة.
وبناءً على المتغيرات التي حدثت، يمكن الإدراك أن أخطر نقاط ضعف العدو تتمثل بجبهته الداخلية، إذ باتت جبهة الضفة الغربية قادرة على إحداث ضغط جوهري وكبير عليها، من خلال تواصل العمل المقاوم فيها، وسط عجز عن توسع ردود العدو. لهذا، فإن انتفاضة فلسطينية جديدة في الضفة ستمثّل عنوان المرحلة لمواصلة إضعاف كيان الاحتلال.
وسيؤدي اندلاع الانتفاضة في الضفة إلى نقاط عدة، أبرزها استنزاف “الجيش” في الضفة، وإضعاف قدرته على التفكير في المواجهات في جبهات أخرى، إضافةً إلى إعادة صورة الكيان كـ”دولة” احتلال وفصل عنصري في الساحات العالمية، بعدما استطاعت الأحداث الإقليمية وحركة التطبيع تغييب هذه الصورة أو جزء منها، ولو مؤقتاً.
علينا أن ندرك أنَّ أبرز نقاط ضعف العدو تتمثل بالجمهور الصهيوني الذي لا يحتمل المعركة الطويلة، ولا يحتمل عودة الجنود إليه في التوابيت، إضافةً إلى فقدانه الثقة بقادته السياسيين.
وقد شهدت الانتفاضة الفلسطينية الثانية أكبر نسبة هجرة من الكيان بعد سلسلة العمليات الفدائية الكبرى، فيما ستعزز العمليات الفدائية الخلاف الداخلي فيه، إذ إنَّ هناك تياراً يرى أن الاستيطان وسياسة الحكومة المتطرّفة والعدوانية في الضفة الغربية وفي القدس هما سبب عدم الاستقرار.
إنَّ نقاط ضعف الكيان بعد جملة الأحداث التي جرت خلال شهر مضان، وخصوصاً إطلاق الصواريخ من عدة جبهات، ليست إلا نتيجة تراكمات وتضحيات كبيرة من المقاومة ومحورها، ومن يتابع المشهد جيداً يدرك أننا في مرحلة صعود المقاومة وتراجع الكيان واقتراب هزيمته.
* المصدر: الميادين نت
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع