السياسية:

تتجه الولايات المتحدة الأمريكية إلى بلورة سلسلة عقوبات حادة على دولة الإمارات بسبب تحالفها مع روسيا وتسهيل تهرب موسكو من العقوبات الدولية المفروضة عليها.

ونشرت مجلة فوربس الأمريكية، تقريراً، عن علاقة الإمارات بالولايات المتحدة مع التغيّرات الجديدة في السياسة الدولية حيث تبدو أبوظبي أقرب إلى الشرق من حلفائها الغربيين التقليديين.

وقالت المجلة إن الولايات المتحدة قد تندفع لفرض عقوبات على الإمارات -رغم علاقتهما القوية- من أجل أن تكون مثالاً لمن يرفض الالتزام بالعقوبات الأمريكية لكن ذلك سيكون مؤثراً بشكل بالغ على علاقة البلدين.

وذكرت المجلة أن الإمارات قدمت عدة إشارات بالابتعاد عن الولايات المتحدة بطرق عديدة، فلطالما قالت الدولة إنها ستعمل من أجل مصالح الإمارات العليا، وإذا كان ذلك يعني أنها يجب أن تختلف أو تنفصل عن الولايات المتحدة بشأن المسائل ذات الأهمية الجيوسياسية، فليكن ذلك.

وأبرزت المجلة أن رئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان لم يتم دعوته لزيارة البيت الأبيض بما يدل على صعوبات في العلاقة بين الإمارات وإدارة بايدن.

وقال الدكتور ثيودور كاراسيك، كبير المستشارين في جلف ستيت (Gulf State Analytics ) في واشنطن العاصمة: “من المستبعد جدا أن يزور رئيس الإمارات واشنطن بسبب التوترات السياسية بينهما، خاصة مع العلاقات المتنامية والمتطورة مع الصين وروسيا، والتي لا تزال قيد الإعداد منذ فترة طويلة”.

وأضاف: “لدى الإمارات نظرة خليجية خاصة تشكل نظرتها للعالم وقريبة في الرؤية من دول الشرق بدلا من دول الغرب. وتنظر الإمارات إلى قضايا السياسة بشكل مختلف، حيث يكون الصبر هو المفتاح بدلا من الحصول الفوري على النتائج”.

وتابع: “سينتظرون ويرون ما سيحدث لأن السياسة تتغير باستمرار (في الولايات المتحدة وأوروبا). لكن الغرب لم يعد نموذجا يحتذى به”.

إن نفوذ أميركا مع شركائها الإقليميين يخضع للاختبار. يحتاج مراقبو العالم النامي فقط إلى النظر إلى عدم نجاح الولايات المتحدة في فرض عقوباتها ضد روسيا كمؤشر رئيسي. تقدم الإمارات مثالا آخر على “الانسحاب” العام من القيادة الغربية.

على مدى الأشهر القليلة الماضية، سافر موكب من كبار المسؤولين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى العاصمة الإماراتية أبو ظبي لسد واحدة من أكبر الثغرات في نظام العقوبات ضد روسيا.

إذ زادت صادرات الأجزاء الإلكترونية من الإمارات إلى روسيا سبعة أضعاف في العام الماضي. كما كانت صادرات الرقائق الدقيقة من الإمارات إلى روسيا أعلى 15 مرة في عام 2022 مقارنة بعام 2021، وفي العام الماضي باعت الإمارات 158 طائرة بدون طيار إلى روسيا. على الرغم من أن واشنطن قيدت كل هذه البنود بعقوبات.

لقد أوضحت واشنطن أن تطبيق العقوبات هو ضرورة سياسية. قال مساعد وزير التجارة لشؤون إنفاذ قوانين التصدير، ماثيو أكسلرود، في بيان صحفي بتاريخ 2 مارس/آذار: “أولئك الذين يحاولون دعم آلة بوتين الحربية من خلال التهرب من ضوابط التصدير والعقوبات الخاصة بنا سوف يخضعون للمساءلة”.

وقال مساعد المدعي العام للأمن القومي الأمريكي، مات أولسن، في البيان ذاته: “منذ غزو روسيا غير المبرر لأوكرانيا، كانت أولوية وزارة العدل هي الإنفاذ القوي لقوانين التصدير والعقوبات الأمريكية واتخاذ إجراءات صارمة ضد الجهود المبذولة للتهرب من تلك القوانين”.

يدرك المسؤولون في الإمارات الضغوط المحتملة التي يمكن أن يتعرضوا لها للالتزام بالعقوبات الأمريكية أو غيرها من العقوبات، و”من المرجح أن يسعوا إلى التواصل بشكل منفصل مع الأطراف المعنية لمحاولة ضمان عدم وجود تنسيق لليّ ذراع الإمارات بالعقوبات”، كما يقول كريستيان كوتس أولريخسن، الزميل المتخصص في الشرق الأوسط في معهد بيكر بجامعة رايس.

ويقول: “هناك إحباط في واشنطن بشأن دور الإمارات في تمكين الأعمال التجارية ورؤوس الأموال الروسية من العثور على موطن للتهرب من العقوبات، على الرغم من وجود بعض الاعتراف الأمريكي بأنه لا الإماراتيين ولا السعوديين سوف يرضخون للضغط للانحياز إلى جانب”.

ويضيف: “يتكيف الجميع مع الوضع الطبيعي الجديد الذي أصبحت فيه العلاقة غير منحازة للولايات المتحدة أكثر من السابق”.

الإمارات ليست وحدها في مساعدة روسيا على التهرب من العقوبات. واشتكت الولايات المتحدة بالفعل من أن تركيا والصين وبعض دول آسيا الوسطى تزيد من حدة العلاقات التجارية وغيرها منذ دخول الدبابات الروسية إلى دونباس العام الماضي.

كانت السعودية تشتري النفط الروسي لاستخدامه في الداخل وتصدر المزيد من نفطها إلى أوروبا، التي لديها قيود على الواردات الروسية. وظلت الهند غير منحازة كما كانت دائما.

ولكن خارج السعوديين، الذين تضاءلت علاقتهم مع فوز بايدن الثاني في الانتخابات، فإن الإمارات هي المفضلة لدى واشنطن. إنهم مشترون ضخمون للمنتجات الدفاعية الأمريكية وكان ينظر إليهم على أنهم شركاء رئيسيون في حرب أفغانستان التي فشلت الآن.

لكن هناك تغيّر في رؤية واشنطن للعلاقات مع الإمارات، كما تحدث عدد من المطلعين في الكونجرس الأمريكي.

وتشير المجلة الأمريكية إلى أن الأحاديث مع الدبلوماسيين السابقين والمسؤولين الحكوميين في الكونجرس وفي وزارة الخارجية تؤكد “برودة” في العلاقات بين أبوظبي وواشنطن.

ويشيرون أن فرض العقوبات على الدول، بما في ذلك الإمارات، هو موضوع مطروح للمناقشة.

لكن لا أحد يعتقد أن ذلك سيستمر من واشنطن؛ وإذا فرضوا شكلا من أشكال القيود، فإن الإمارات ستتجاهله بسعادة.

وقد سبق لوكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية أن خص الإمارات بقوله إن هناك “ضعف في الامتثال للعقوبات”.

وعلى مدى الأشهر الستة الماضية، فرضت الحكومة الأمريكية عقوبات على ثلاثة كيانات إماراتية على الأقل بسبب تجارتها غير المشروعة مع روسيا.

وتشمل هذه الشركات شركتي نقل جوي مقرهما الإمارات (مشغلي الخدمات اللوجستية، وليس الطائرات التجارية) تعاونتا مع شركة إيرانية خاضعة للعقوبات لنقل الطائرات الإيرانية بدون طيار والأفراد والمعدات ذات الصلة من إيران إلى روسيا، وبنك روسي – بنك MTS – يعمل في أبو ظبي بموجب ترخيص من البنك المركزي الإماراتي.

ويقول ماثيو ليفيت مدير برنامج “راينهارد” لمكافحة الإرهاب ولاستخبارات في واشنطن: “إن الإمارات تدرك وحساسة لخطر التهرب من العقوبات، كما أكد مؤخرا قرارها بإلغاء ترخيص بنك MTS”.

وتمت معاقبة البنك الروسي من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأضيفت إلى القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي. ويشكك ليفيت في أن الإمارات ستنتهك تلك العقوبات المفروضة على بنك إم.تي.إس.

ويقول ليفيت: “ومع ذلك، فإن الإمارات ودول الخليج الأخرى ملتزمة بالتكيف مع واقع ما تعتبره الآن عالما متعدد الأقطاب بشكل دائم”. مضيفاً: إنهم يرون الولايات المتحدة شريكهم الأمني المفضل لكنهم يريدون علاقات وثيقة مع الصين وروسيا ويرفضون النظر إليها من منظور ثنائي”.

وتحتل الإمارات موقعاً مختلفاً بالنسبة لبقية الدول الخليجية الأخرى بشأن علاقتها بالولايات المتحدة.

وباعتبارها أول دولة عربية خليجية تطبع علاقاتها مع الاحتلال الصهيوني، فقد ضمنت مكانا متميزا مع أولئك الذين يدعون إلى قبول أوسع لكيان إسرائيل في المنطقة، وهو أمر يحققونه من خلال “اتفاقيات التطبيع”.

فبالنسبة لدولة الإمارات، تتمثل استراتيجيتها في أن الديانات الإبراهيمية الثلاث، الإسلام والمسيحية واليهودية، لها جميعا جوهر مشترك ويجب أن تتعايش كعائلة واحدة، على الرغم من الرفض الإسلامي والمسيحي في الوطن العربي.

والأهم من ذلك بالنسبة للولايات المتحدة تجاريا ومن حيث القوة السياسية، أن الإمارات هي رابع أكبر متلق لعمليات نقل الأسلحة الأمريكية بعد السعودية وأستراليا وكوريا الجنوبية.

منذ عام 2009، كانت الإمارات سوق التصدير الأول للسلع الأمريكية في الشرق الأوسط. ويعد الفائض التجاري الأمريكي مع الإمارات سادس أكبر فائض تجاري أمريكي على مستوى العالم، وهو أمر مثير للإعجاب بالنظر إلى أن الولايات المتحدة تعاني من عجز في كل دولة تقريبا.

في عام 2020، استحوذ رأس المال الإماراتي على حوالي 45 مليار دولار من تدفقات الاستثمار إلى الولايات المتحدة.

إن إزعاج عربة التفاح المليئة بالود والازدهار ينطوي على مخاطر سلبية. وقال دبلوماسي متقاعد لم يرغب في أن يتم اقتباس كلامه رسميا: “إذا كانت الولايات المتحدة جادة في إنجاح العقوبات على روسيا، فلا يمكنها أن تتساهل مع الإمارات”.

*المصدر: موقع اماراتي ليكس
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من المصدر ولا تعبر عن رآي الموقع