وليد القططي *

يوم القدس فكرة وممارسة عند الإمام الخميني المرتكزة على أنَّ القدس وفلسطين قضية المسلمين الأولى، وعند الشقاقي القائمة على مركزية قضية القدس وفلسطين للأمة، وجدت تجسيداً لها في مبدأ “وحدة الساحات”.

بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران وإنشاء الجمهورية الإسلامية عام 1979، ببضعة شهور، اتخذ قائد الثورة ومرشد الجمهورية الإمام الراحل آية الله الخميني – رحمه الله – قراراً تاريخياً بإعلان يوم القدس العالمي في يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك كل عام، ودعا الشعب الإيراني وكل شعوب الأمة الإسلامية إلى إحياء هذا اليوم دعماً لتحرير مدينة القدس التي فيها المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسول الله.

وكذلك تضامناً مع فلسطين المُحتلة شعباً وقضيةً ومقاومةً، مُعتبراً القضية الفلسطينية قضية الأمة الإسلامية الأولى، وأنّ تحريرها واجب شرعي على كل المسلمين، قائلاً: “إنني أدعو المسلمين في جميع أنحاء العالم إلى تكريس يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك ليكون يوم القدس وإعلان التضامن الدولي مع المسلمين في دعم الحقوق المشروعة للشعب المسلم في فلسطين”.

قرار الإمام الخميني إعلان يوم القدس العالمي جاء في سياق حضور فلسطين في فكر الإمام الخميني منذ بداية دعوته للثورة الإسلامية في إيران، فكان تحالف النظام الملكي الحاكم في إيران مع الكيان الصهيوني على حساب فلسطين أهم أسباب نزع الشرعية عن النظام والتحريض ضده، وأفتى بضرورة تخصيص جزء من أموال الزكاة والصدقة لدعم الجهاد في فلسطين، وأفتى بوجوب مقاطعة الصهاينة في كيان “إسرائيل”.

وبعد انتصار الثورة تحوّل حضور فلسطين من الفكر إلى الواقع في الجمهورية، وتُرجم نهجاً عملياً ثابتاً للدولة، ومُحدِّداً سياسياً مركزياً للعلاقة بالخارج، فأُغلقت السفارة الصهيونية واستُبدلت بالسفارة الفلسطينية، ودعمت وما زالت المقاومة الفلسطينية بالمال والسلاح والخبرات. وفي هذا السياق الداعم لفلسطين تم إعلان يوم القدس العالمي تأكيداً للالتزام بقضية القدس وفلسطين والعمل على تحريرها.

فكرة يوم القدس عند الإمام الخميني مصدرها مكانة القدس وفلسطين الدينية في الإسلام وأهميتها للأمة الإسلامية، وأنَّ قضية الأقصى والقدس وفلسطين هي قضية الأمة الإسلامية جمعاء وليست قضية الشعب الفلسطيني وحده، والكيان الصهيوني الغاصب للأقصى والقدس وفلسطين يُشكّل خطراً وتهديداً على كل الأمة ومستضعفي العالم.

ولذلك فإنَّ تحرير فلسطين واجبٌ ديني وإنساني على كل المسلمين إلى جانب الشعب الفلسطيني، وهي فكرة تجعل القدس مركز اهتمام وقبلة جهاد المسلمين، وتجعل يوم القدس تذكيراً متواصلاً بالصراع مع الكيان الصهيوني الغاصب للقدس، تذكيراً يحفظ ذاكرة الأمة من النسيان كي لا يكون المسجد الأقصى “هار هبيت”، والقدس “أورشليم”، وفلسطين “إسرائيل”، وكي لا يُستبدل وعد الآخرة بوعد بلفور، ومشروع المقاومة بالمساومة، وهدف التحرير بالتطبيع.

فكرة يوم القدس التي أبدعها الإمام الخميني أشاد بها المفكّر الشهيد فتحي الشقاقي مؤسس حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، مؤكداً أنَّ هذا اليوم يُساعد المسلمين على “أنْ يتذكّروا القدس، وأنْ يجعلوها في مركز اهتمامهم، وأنْ يرسموا بوصلة من الوعي والفكر والممارسة الملتزمة تجاهها… وأنْ يتوجّهوا لتحرير القدس من طغيان بني صهيون”.

وهي الفكرة نفسها التي استند إليها الشقاقي في بناء مشروع تحرير فلسطين، فكرة أنَّ فلسطين قضية الأمة الإسلامية المركزية. فالشقاقي يرى أنَّ تحرير فلسطين سيتمّ بجهد مُشترك من الشعب الفلسطيني وطليعته المجاهدة التي دورها إبقاء جذوة الجهاد مشتعلة في فلسطين ضد الكيان الصهيوني، ومن الأمة الإسلامية وطليعتها التي تحمل مشروع تحرير فلسطين والتي تعتبر فلسطين قضيتها الأولى والمركزية، وهي التي ستحسم معركة وعد الآخرة وتحرير القدس وفلسطين.

يوم القدس فكرة وممارسة عند الإمام الخميني المرتكزة على أنَّ القدس وفلسطين قضية المسلمين الأولى، وعند الشقاقي القائمة على مركزية قضية القدس وفلسطين للأمة، وجدت تجسيداً لها في مبدأ “وحدة الساحات” التي سُميّت به المعركة التي خاضتها “سرايا القدس” الذراع العسكري للجهاد الإسلامي العام الماضي، ترسيخاً لنتائج معركة “سيف القدس” السابقة لها.

وهذا الاسم إضافة إلى أنّه يؤكد وحدة فلسطين أرضاً وشعباً وقضية ومقاومة، فهو يؤكد وحدة ساحات المقاومة التي تخوض معركة واحدة على جبهات متعددة، وهذا نابع من التزام محور المقاومة بقضية القدس وإيمانه بوجوب تحرير فلسطين، وحتمية زوال كيان “إسرائيل” من الوجود لمصلحة الأمة الإسلامية، وهو الالتزام ذاته الذي أُعلن من أجله يوم القدس.

يوم القدس من هذا المنطلق وبهذه الرؤية ليس مجرد يوم للمهرجانات الخطابية والمسيرات الشعبية فقط، بل هو يوم يُؤسّس لتحرير فلسطين كجزء من مشروع تشارك فيه كل الأمة العربية والإسلامية، وفي طليعتها محور المقاومة الذي يحمل مشروع التحرير. وبذلك فهو يومٌ يجعل كل الأيام أياماً للتخطيط والإعداد والمقاومة لإنجاز مشروع تحرير القدس وفلسطين، وهو يومٌ يُحوّل كل الأماكن إلى أماكن للانطلاق منها لإنجاز مشروع تحرير القدس وفلسطين، وهو يومٌ تتجدّد فيه شعلة الجهاد ونار المقاومة ليبقى نور الثورة مُضيئاً حتى تكتمل دائرة النصر بخراب بيت كيان “إسرائيل” من الداخل بأيدي المستوطنين أنفسهم، ومن الخارج بأيدي المؤمنين المقاومين.

رحِمَ اللهُ مبدعَ يومَ القدس كم كان مُلهماً وهو يُركّبُ كلمة السر التي تؤسس لتحرير القدس وفلسطين، عندما جمع في يوم القدس بين قداسة الزمان في شهر رمضان المبارك بما يحمل من أسباب النصر، وقداسة المكان في مدينة القدس المباركة بما تخبّئه من طائفة منصورة، وقداسة القرآن الكريم في سورة الإسراء بما تُبشّر به من نصر وعد الآخرة، فكان ثلاثي النصر جديراً بيوم القدس، اليوم الذي يؤسس ليوم النصر. يوم تحرير القدس وفلسطين.

* المصدر: الميادين نت
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع