شرحبيل الغريب

 

تحيي دول محور المقاومة وحركاته، كما كل عام، ذكرى “يوم القدس العالمي” للتعبير عن تأييدها ووفائها لفلسطين والقدس، وإحياء هذا اليوم العالمي لا ينبع من كونه فعاليات إعلامية أو مواقف سياسية فحسب، بل نابع من منظور هذه الدول الشامل لإيران، والأبعاد المهمة لهذه الذكرى، لعلّ أهمها الموقف الواضح في العداء لـ”إسرائيل” كـ”دولة” احتلال فاشية عنصرية ما زالت تمارس أبشع صنوف القتل والإرهاب لأكثر من سبعة عقود بحق الفلسطينيين، وكذلك الموقف من دول محور المقاومة وحركاته المحبّة لفلسطين، ودعم الشعوب المظلومة كالشعب الفلسطيني من جراء استمرار الاحتلال، ورفض وجود “إسرائيل” في المنطقة عبر التطبيع أو التعايش معها.

لعلّ السؤال الأبرز هو: بمَ يختلف إحياء ذكرى “يوم القدس العالمي” هذا العام؟

تأتي ذكرى “يوم القدس العالمي” هذا العالم بطابع خاص بعد فشل كل المؤامرات الداخلية والخارجية في النيل من إيران، التي سجلت في هذا اليوم مواقف أصيلة شجاعة جعلت من فلسطين قضية أمة في قلب الشعب الإيراني وروحه ووجدانه، بل وفي قلوب كل أحرار العالم من دول محور المقاومة وحركاته في المنطقة، حتى أضحى للمقاومة محور قوي يدافع عن فلسطين، ويلعب دوراً مهماً تتجسد فيه القوة والوحدة على طريق القدس ويسجل تعاظماً لقدراته، مقابل تراجع القوى الإقليمية الداعمة لـ”إسرائيل”.

إحياء “يوم القدس” هذا العام له أبعاده الخاصة، تتجسد في صورة جلية كالشمس في وضح النهار عنوانها أننا بتنا إلى القدس أقرب، إذ يأتي هذا العام في ظل انتصارات سجلتها المقاومة على كل الجبهات، بدءاً من طهران مروراً باليمن والعراق ولبنان وسوريا، وفي القدس والأقصى انتصارات بنكهة الشموخ والعنفوان، أما عن صواريخ المقاومة التي انطلقت من جبهات متعددة على الأراضي المحتلة فرسمت خريطة طريق تحرير فلسطين، وسط حالة من الالتفاف، فلسطينياً وعربياً، حول المقاومة وخياراتها الرامية إلى خنق المشروع الصهيوني على أرض فلسطين.

ظن البعض أن الإعلان عن “يوم القدس العالمي” الذي دعا إليه المرشد الإيراني الراحل الإمام الخميني، عام 1979 وحدّده بيوم الجمعة الأخير من شهر رمضان كل عام، هو شعار للاستهلاك الإعلامي فحسب أو إقامة احتفالية في إيران فقط، لكن الواقع اليوم يثبت للقاصي والداني أن السياسة الخارجية لإيران تجاه فلسطين هي سياسة عقيدة راسخة ثابتة في دعم فلسطين قولاً وفعلاً وعملاً، حتى أضحت ذكرى “يوم القدس العالمي” مناسبة ممتدة تحييها دول وحركات كثيرة في المنطقة، تؤمن بفلسطين كقضية عادلة يجب دعمها ونصرتها، فيما أصبحت القدس في يومها العالمي هوية العرب والمسلمين، بل قلب محور المقاومة.

لعلّ من أبرز تجليات المشهد اليوم في ذكرى “يوم القدس العالمي” هو نجاح محور المقاومة في تشكيل جبهة عريضة متماسكة، وترسيخ مفهوم وحدة الساحات الشامل لمحور المقاومة، والذي تجسد عملياً من خلال الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى من ثلاث جبهات في آن واحد، ليترجم بذلك مفهوم وحدة الساحات واقعاً عملياً يردع عنجهية “إسرائيل” وتغولها على المقدسات الإسلامية في القدس.

نجح محور المقاومة في أن يفرض نفسه في المنطقة، رغم كل العواصف والمؤامرات التي تعرض لها، ودفع فاتورة كبيرة لأجل المواقف التي أعلن عنها وتمسك بها، ليشكل بصموده معادلة صعبة أمام كل القوى المعادية التي انحازت إلى “إسرائيل” وأميركا، فكان وما زال يشكل مصدر قلق ورعب لـ”إسرائيل”، أما الآن وبعد أن نجح في تعزيز اصطفافاته من حيث البناء والقوة والتحدي، أضحى يتقدم من كل الجبهات تحت عنوان أوحد هو محاصرة “إسرائيل” وأطماعها في المنطقة.

فلسطينياً، تأتي ذكرى “يوم القدس العالمي” لتؤكد رسالة ثابتة مفادها أن الأرض الفلسطينية لا تقبل إلا هوية واحدة هي هوية الشعب الفلسطيني، وأن هذه الأرض لا تقبل القسمة على اثنين، ولو كانت كذلك لما خاض الشعب الفلسطيني صراعاً طويلاً ممتداً ومستمراً مع الاحتلال الإسرائيلي من أجل تحرير المقدسات، وتحقيق الحرية والانعتاق من الاحتلال.

دولياً، في “يوم القدس العالمي” علينا أن ننظر بالعين الأخرى، فثمة تحوّلات باتت واضحة على المستويين الإقليمي والدولي، تصب كلها في صالح مشروع محور المقاومة، في ظل مقاومة متصاعدة ومتغيرات مهمة تتعزز كل لحظة، في مقابل تراجع كبير وواضح لهيمنة أميركا في المنطقة بفعل الأزمة البنيوية التي تعيشها من جهة، وفشلها وتخبطها في ساحات دولية من جهة أخرى، لا تنمّ إلا عن بداية انحسار المشروع الأميركي ونفوذه لصالح تحالفات جديدة تضم دولاً كبيرة كإيران والصين وروسيا، وهو ما يعزز موازين القوى لصالح خريطة قوى جديدة تنهي اليد الطولى للولايات المتحدة في المنطقة.

إسرائيلياً، تأتي ذكرى “يوم القدس العالمي” هذا العام، والمشهد في “إسرائيل” يعيش علاقة طردية بين الصراعات والانقسامات مقابل تماسك كبير وواضح لدول محور المقاومة وحركاتها، وترابط ساحاتها بعد صمودها وثباتها وانتصارها على مسلسل طويل من المؤامرات والحروب والعقوبات الاقتصادية مجتمعة.

يأتي يوم القدس و”إسرائيل” تعاني من أزمتين، أزمة مستفحلة أدت إلى حالة من التآكل الداخلي المتزايدة رغم تراجع بنيامين نتنياهو عن التعديلات القضائية، وأزمة مواجهة تصاعد المقاومة ومحورها في مختلف الجبهات بشكل عام، وفي الجبهات الفلسطينية مجتمعة بشكل خاص وهي ما أضحت تشكل مصادر تهديد وقلق غير مسبوق لـ”إسرائيل”.

ستبقى القدس في يومها العالمي محوراً رئيسياً للصراع مع “إسرائيل” حاضرة رغم كل محاولات التغييب المقصودة، وسيبقى محور المقاومة الدرع الحامية لها المدافعة عنها، أما هذا اليوم فهو فرصة كبيرة لتجديد الثقة بالمقاومة ومحورها والأمل بحتمية الانتصار من خلال التشديد على صوابية النهج والأهداف والمسار الممتد الذي لن يتوقف إلا بتحرير كامل للقدس وفلسطين.

  • المصدر: الميادين نت
  • المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع