إلياس فرحات *

تشهد كيان”إسرائيل” اضطرابات غير مسبوقة في تاريخها طالت بنيتها السياسية ونسيجها الاجتماعي. وقف الصهاينة مذهولين إزاء المشهد: تظاهرات صاخبة. الشرطة تقمع المستوطنين وتوقفهم. عناصر الاحتياط يهددون بعدم الاستجابة للاستدعاءات ورفض التدريب والخدمة. 200 طيار مقاتل احتياطي يعلنون رفضهم الخدمة احتجاجاً على ما سمي بـ”خطة الإصلاح القضائي”.

مضى أكثر من شهرين، وما زال الخلاف بين الحكومة ومعارضي الخطة يتفاقم ويتعمق، وما زالت فرص التوافق تضعف. أقالت الحكومة وزير الأمن يؤاف غالانت لأنه عارض الخطة. مضى نتنياهو وحكومته قدماً بتنفيذ الخطة والتصديق على قوانين أساسية تحد من سلطة القضاء لمصلحة الحكومة التي يهيمن الائتلاف الحاكم عليها وعلى الكنيست.

عمت التظاهرات المستوطنات، وأعلن اتحاد العمال “الهستدروت” إضراباً عاماً وصل إلى السفارات الإسرائيلية في الخارج، وسُجّل هروب رؤوس أموال إلى مصارف في الخارج، وأُغلق مطار بن غوريون ومرفآ حيفا وأسدود.

دبّ القلق والذعر في القيادات العسكرية أمام مشهد الانقسام الخطر واحتمال نشوب حرب أهلية للمرة الأولى في تاريخ كيان”إسرائيل”. حذر رئيس أركان الجيش الجنرال هرتسي هاليفي من مغبة تفكك “الجيش”، في حين قدر رئيس الشاباك رونين بار أن يؤدي ذلك إلى اتساع المعارضة في “الجيش”، وفي الأجهزة الأمنية أيضاً.

رغم إعلان نتنياهو تجميد إقرار القوانين، فإن الانقسام ما زال قائماً، خصوصاً بعدما نزل أنصار اليمين المتشدد من أنصار الائتلاف الحاكم إلى الشارع. وما زاد الطين بلة هو قرار الحكومة الصهيونية إنشاء الحرس الوطني بإمرة وزير الأمن الوطني بن غفير. ومن المرتقب أن ينضم إليه المتطرفون الدينيون، وأن يستفزوا الرأي العام بعملياتهم الإرهابية.

وقد أعلن نتنياهو والرئيس هرتسوغ ومسؤولون حاليون وسابقون من مختلف المستويات أن كيان “إسرائيل” تواجه خطراً جدياً وحقيقياً ينذر بنهايتها، واجتمعت هذه التطورات مع جملة تطورات محلية وإقليمية ودولية لتشكل تهديداً حقيقياً للكيان الصهيوني نستعرضها في ما يلي:

1- خطة الإصلاح القضائي
“إسرائيل دولة” بلا دستور رسمي مكتوب، تحكمها مجموعة “قوانين أساس” تنظم تقسيم السلطات وحقوق الإنسان والحقوق المدنية. عند تعارض قانونٍ أقره الكنيست مع قانون أساس، يمكن للمحكمة العليا أن تنظر في دستوريته. هذه المحكمة هي أعلى سلطة قضائية، وهي مستقلة تماماً عن السلطتين التشريعية والتنفيذية.

تتضمن خطة الإصلاح القضائي تعديلات على قوانين أساس قضائية:

أول تعديل مرتبط بتعيين رئيس المحكمة وأعضائها، فبعدما كان يتم من قبل لجنة من كبار القضاة المتقاعدين، تم اعتماد طريقة جديدة للتعيين من قبل لجنة برئاسة وزير العدل، ووزيرين آخرين تحددهما الحكومة، و3 أعضاء من الكنيست، بينهم رئيس لجنة الدستور وعضو من الموالاة وآخر من المعارضة، لإجراء مقابلات مع المرشحين، ما يعني سيطرة الحكومة على عملية تعيين قضاة المحكمة.

التعديل الثاني يسمى فقرة “التغلب”، وهي تتيح للكنيست إعادة سن قانون سبق أن أقره الكنيست وأبطلته المحكمة العليا، ولو بالإجماع.

التعديل الثالث لا يسمح للمحكمة العليا بمناقشة قوانين الأساس، أي القوانين ذات المفعول الدستوري.

التعديل الرابع يتعلق بنزع أهلية رئيس الوزراء، ويقلص إلى حد كبير صلاحية المحكمة في تحديد أهلية رئيس الوزراء.

تُضاف إلى ذلك تعديلات أخرى، أبرزها تلك التي تمنع المحكمة العليا من استخدام أبرز صلاحياتها المسماة “امتحان المعقولية” في القرارات الحكومية والتشريعات البرلمانية والقرارات والأوامر الصادرة عن المؤسستين الأمنية والعسكرية، ولو كانت تستند إلى تشريعات صادرة عن الكنيست.

هذه التعديلات تضعف المحاكم وتسلم السلطة المطلقة للحكومة، الأمر الذي يرتب نتائج كارثية على الحريات والاقتصاد وعلى العلاقة مع الحلفاء الغربيين. إن النظر إلى القضاء باعتباره غير مستقل يجرد كيان “إسرائيل” من سمعتها في القضايا القانونية الدولية.

2- تحولات عددية وثقافية