حسن لافي*

من الواضح أن الضغوطات الأميركية والإقليمية نجحت في إقناع السلطة الفلسطينية بالمضي في تطبيق الخطة الأمنية التي صاغها المنسّق الأمني الأميركي الجنرال مايكل فنزل.

يؤكّد اجتماع العقبة ومن ثم عقد لقاء شرم الشيخ، والاتفاق على اجتماع آخر خلال الأسابيع المقبلة، أننا لسنا أمام مجرد لقاءات أمنية تناقش أفكاراً، أو تضع تقييمات لما يحدث في الضفة الغربية بشكل خاص وبالحالة الفلسطينية بشكل عام، بل نحن أمام خطة عمل أمنية ذات خطوات متتالية، الأمر الذي يوضحه البيان الختامي لاجتماع شرم الشيخ الذي أكد أن الاجتماع هو استكمال للقاء العقبة، ناهيك عن اتفاق السلطة ودولة الاحتلال على استحداث آلية لما أسموه “الحد من العنف والتحريض والتصريحات والتحركات التي قد تتسبّب في اشتعال المواقف والتصدي لها”. وأن المطلوب من كلا الطرفين رفع تقارير لقيادات الدول الخمس في نيسان/أبريل عند استئناف فعاليات جلسة الاجتماع في شرم الشيخ.

من الواضح أن الضغوطات الأميركية والإقليمية نجحت إلى حد كبير في إقناع السلطة الفلسطينية في المضي في تطبيق الخطة الأمنية التي صاغها المنسق الأمني الأميركي الجنرال مايكل فنزل، التي اعتبرت أن أساس ومنبع الفعل المقاوم في الضفة الغربية وخاصة في شمالها ليس الاحتلال وحواجز القتل على الطرقات الفلسطينية، ولا مخططات الاستيطان والتهويد الدائمين من أجل إنجاح خطة الضم الصهيونية ومن ثم اقتلاع الفلسطيني مرة أخرى من أرضه كما تريد “الصهيونية الدينية” المتحكّمة بالقرار الاستيطاني في الضفة الغربية عبر ممثّلها القوي في الحكومة الوزير بتسلئيل سموتريتش.

بل اعتبر فنزل أن المشكلة في فقدان السلطة السيطرة على مدينتي نابلس وجنين، اللتين أصبحتا مركزين للمقاومة في الضفة الغربية المحتلة، الأمر الذي يتطلّب دوراً كبيراً من أجهزة الأمن للسلطة في محاربة المجموعات المقاومة في شمال الضفة، كما تطرح خطة فنزل من دون أي اكتراث بتبعات هذا المطلب على الحالة الفلسطينية الداخلية، ولا حتى بموقف الشعب الفلسطيني من السلطة الفلسطينية برمتها.

فما يهم الولايات المتحدة الأميركية في الأساس هو حفظ أمن كيان “إسرائيل” غير القادرة على التعامل مع حالة المقاومة الفلسطينية المتسعة في الضفة الغربية، وارتفاع وتيرة العمليات الفدائية وتعدّد أساليب تنفيذها، الأمر الذي جعل قادة الاحتلال يعترفون بفشل استراتيجية “كاسر الأمواج” العسكرية في مواجهة انتفاضة الضفة الغربية الشعبية والعسكرية.

وهنا تكمن حقيقة خطة مايكل فنزل، المبنية على تحويل الصراع من كونه “صراعاً” بين الشعب الفلسطيني وبين دولة الاحتلال، إلى صراع فلسطيني داخلي بين الشعب الفلسطيني وبين الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية، من خلال إدراك فنزل أن موافقة السلطة الفلسطينية على المضي في خطته، سيضعها في زاوية الاتهام الوطني الفلسطيني، ويجعلها عقبة حقيقية أمام مقاومة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال. وفي المحصّلة يتم تفريغ المقاومة الفلسطينية في إطار الاقتتال الداخلي بعيداً عن الهدف الرئيس في مقاومة الاحتلال.

ومن جهة أخرى، يهدف فنزل إلى شيطنة حالة المقاومة الفلسطينية الصاعدة في الضفة، وتصويرها على أنها محاولات انقلابية على السلطة الفلسطينية، التي تحظى بدعم الإقليم والاعتراف الدولي، ويبقى الرابح الأكبر من وراء ذلك هو الاحتلال الصهيوني وأمن مستوطنيه وتسهيل مخططات الاستيطان والضم بعيداً عن أي إشكاليات وعوائق.

من أجل استدراج السلطة الفلسطينية إلى مستنقع خطة مايكل فنزل، ضغطت الولايات المتحدة على كيان “إسرائيل” وحكومتها، بوضع بعض البنود في بيان شرم الشيخ، يمكن للسلطة الفلسطينية من خلالها تسويق مشاركتها في الاجتماعات الأمنية رغم الرفض الشعبي والفصائلي الجارف لتلك المشاركة، والتعامل مع تلك البنود كورقة التوت التي تحاول تغطية عورة السلطة الفلسطينية في تساوقها مع خطة مايكل فنزل للقضاء على المقاومة في الضفة الغربية، أهمها:

أولاً، التزام كيان “إسرائيل” بوقف مناقشة أي وحدات استيطانية جديدة لمدة 4 أشهر، ووقف إصدار تراخيص لأي نقاط استيطانية لمدة 6 أشهر، رغم أن هذا البند يأتي في إطار وقف الخطوات الأحادية لفترة من 3 إلى 6 أشهر، ولم يوقف مشاريع الاستيطان القائمة الآن، والتي آخرها إقرار الكنيست الإسرائيلي بعد لقاء شرم الشيخ، بإلغاء قانون فك الارتباط لعام 2005 بالنسبة لمستوطنات شمال الضفة الغربية، بمعنى آخر إعادة بناء 4 مستوطنات يهودية في شمال الضفة الغربية.

في المقابل لم يتم توضيح ما الذي يجب على السلطة وقفه من جانبها، ولكن بقية البنود توضح أن المطلوب استئناف السلطة التنسيق الأمني مع الاحتلال، الذي أعلنت عن إيقافه خلال الأشهر الماضية.

ثانياً، قدّمت “إسرائيل” وعوداً بمجموعة من التسهيلات المالية للسلطة الفلسطينية، مع تسهيلات لدخول المصلين إلى مدينة القدس والمسجد الأقصى في شهر رمضان تحت شعار إتاحة حرية العبادة والمعتقدات الدينية للجمهور الفلسطيني، ولكن ربطت كل ذلك بتوفير الأمن للاحتلال الصهيوني.

من الجدير بالذكر أن كل ما تسوقه كيان “إسرائيل” من خطوات للسلطة الفلسطينية يصبّ في استراتيجية الأمن مقابل الاقتصاد، بعيداً عن أي بعد سياسي للتعامل مع السلطة كشريك في مفاوضات قد تؤدي إلى حل الدولتين أو على الأقل إلى مسار تفاوضي على هذا الحل.

وبقيت الإشارة السياسية الوحيدة في بيان شرم الشيخ الحديث عن اتخاذ إجراءات لبناء وتعزيز الثقة المتبادلة وفتح آفاق سياسية والتعاطي مع القضايا العالقة عن طريق الحوار المباشر، من دون تحديد عناوين تلك القضايا، والأخطر ربطها بوقف المقاومة الفلسطينية، وكأن كيان “إسرائيل” تعيد السلطة إلى المربّع الأول، متجاهلة مسيرة أكثر من 30 عاماً من التفاوض والالتزامات الصهيونية السياسية، التي نصت عليها جميع الاتفاقات السابقة مع منظمة التحرير الفلسطينية، وضربت بها كيان “إسرائيل” عرض الحائط.

ولم يذكر البيان إلا الالتزامات الأمنية السابقة بين الطرفين، وكأن كيان “إسرائيل” حقيقة لا ترى في السلطة الفلسطينية إلا بضع مجموعات أمنية تعمل بالوكالة عنها وتحت سيطرتها، وليست أجهزة أمنية تحت غطاء أو عنوان أو مشروع سياسي.

ثالثاً، التشديد على الالتزام بعدم المساس بالوضعية التاريخية القائمة للأماكن المقدسة في القدس، لكن كيان “إسرائيل” ربطت ذلك بالوصاية الهاشمية الأردنية، وفي ضمان الهدوء في شهر رمضان في القدس، رغم دعوات المستوطنين اليهود وجماعات إعادة بناء الهيكل إلى اقتحامات مكثّفة للمسجد الأقصى المبارك، ورغم إدراك الأمن الصهيوني عدم قدرة الأجهزة الأمنية الفلسطينية على التأثير الفاعل في مدينة القدس كونها تحت السيطرة الأمنية الصهيونية.

ولكن ذلك يخدمها في تسويق خطاب إعلامي مزيّف للمجتمع الدولي على تحميل الفلسطينيين مسؤولية تدهور الأوضاع في مدينة القدس، من جهة، ومن جهة أخرى في حال حدوث الصدام المتوقّع في القدس في شهر رمضان المبارك، تكون هناك مسؤولية على أجهزة الأمن للسلطة لتقديم المساعدة إلى دولة الاحتلال في تلك المواجهة.

ورغم كل ما سبق، واضح أن هناك رفضاً من بعض الصهاينة لمخرجات القمم الأمنية في العقبة وشرم الشيخ مع أنها تخدم الأمن الصهيوني، ويتبنّاها كل من الجيش الصهيوني وجهاز الأمن العام “الشاباك”، وذلك بناء على قناعة هؤلاء أن السلطة لا تستطيع أن تؤدي إلا دوراً ثانوياً في مواجهة المقاومة في الضفة، هذا من الجهة الأمنية.

أما المعارضة الرئيسية فتنبع من الفكر السياسي الصهيوني وخاصة الصهيونية الدينية، التي تحكمها الرؤية التلمودية الدينية للصراع، والتي عبّر عنها سموتريتش في خطابه في باريس قائلاً: “لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني، فهو اختراع وهمي لم يتجاوز عمره 100 سنة”. إضافة إلى وضع “خارطة كيان إسرائيل الكبرى” بالمفهوم التلمودي الديني التي تضم كامل الأردن لـ “حدود كيان إسرائيل” التي تسعى “الصهيونية الدينية” لتحقيقها.

فعن أي شراكة وأي أفق سياسي وحل دولتين يمكن التسويق له أميركياً وعربياً وحتى فلسطينياً.

* المصدر: الميادين نت
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع