السياسية: زيد المحبشي

يظل العام 2015 من أكثر الأعوام دموية في السجل الأسود لسنوات العدوان العبري الثمان، استهدفت الجماعات الإرهابية التكفيرية الوهابية المُتشددة المدعومة من السعودية، والتيارات الدينية اليمنية الموالية لبلاط الدرعية، أكثر من 12 مسجداً بأمانة العاصمة صنعاء، أثناء أداء المصلين الصلاة، في بادرة خطيرة كان الهدف منها تمزيق النسيج الاجتماعي، وتلغيم التعايش المجتمعي الذي تفرد به اليمن عن غيره من البُلدان العربية والإسلامية لأكثر من 12 قرناً، وتحويله إلى مستنقع وساحة لحرب مذهبية لا تُبقِ ولا تذر، لكن وعي ويقظة وبصيرة أحفاد الأنصار أسقطت كل رهاناتهم ومخططاتهم الشيطانية التدميرية.

الجوامع المُستهدفة:

الإحسان، القبة الخضراء، قبة المهدي، المؤيد، البليلي، البهرة، الروضة، الصياح، النور، قطينة، بدر، الحشحوش.

أدوات الجريمة:

تنوعت ما بين حزامٍ ناسف وسيارة مُفخخة وانتحاريين مجبسين.

استراتيجية الجريمة:

ركّزت على تنفيذ عمليات مزدوجة، تستهدف المصلين والناجين والمُسعفين في وقتٍ واحد، بمعنى إبادة جماعية لكل الحاضرين، في حقد يزيدي دفين.

الضحايا:

أكثر من 700 إنسان، غالبيتهم من الأطفال وكِبار السن، بينهم من أُصيب بإعاقات دائمة.

نصيب بدر والحشحوش منها 555 ضحية، بينهم أُسر انتهت تماماً، وأُسر فقدت كل أطفالها، وأُسر فقدت الوالدين معاً، وأُسر فقدت الأب والإبن والأخ وأخاه، وأُسر فقدت ثلاثة أجيال “الجد والإبن والأحفاد”.

كما حصدت كوكبة من خيرت علماء اليمن، منهم:

السيد العلامة الدكتور مرتضى المحطوري، السيد العلامة عبدالملك المروني، السيد عبدالإله الكبسي، العلامة عمار اللاعي، العلامة محمد عبدالملك الغيثي.

بنك الأهداف:

تركّز اهتمام المعتدين على المساجد المُشتهِرة بمناهضتها للفكر الوهابي التكفيري الإرهابي، وفي هذا دلالة واضحة على أن تحالف البغي العبري كان يُعدّ العُدة للقضاء على شيعة اليمن، والنيل من نقاء وطُهر الإسلام المحمدي في بلد الأنصار، وتحويله إلى حظيرة لأنعام التكفير الوهابية، وساحة لسادتهم وأولياء نعمتهم في البيت الأسود وتل أبيب، وبوابة للمشروع الاستعماري الاستيطاني القديم المُتجدد بنُسختيه: الشرق الأوسط الكبير والقرن الأفريقي الكبير، بعد فشل رهانات أبقار الأميركان وقُرود الصهاينة في العراق ولبنان، وتالياً صيرورة قُرود أبقار واشنطن في المشرق العربي واسطة العقد في رسم مستقبل المنطقة والتحكم في مسارها ومصيرها، وكعبة حُكام العرب المُشرّفة، والفرقان الحق المسخ لمُنظِّري التقريب البقري القُرودي بين الأديان، كتابهم المُقدّس، ومظلتهم للتعايش والسلام الكاوبوي الهوليودي، ودُعاة الحرية والكرامة من قوى المقاومة والممانعة الإسلامية عدوهم الأوحد، ومحتل أراضيهم المُقدّسة من الصهاينة اللُقطاء مُنقذ ومُحرر وصديق حميم وأخ رحيم، ويا للعجب من هكذا هول عظيم.

شواهد ذلك كثيرة، أكثرها تجلياً الاستهداف المُمنهج لدُور العبادة في اليمن من قبل طيران التحالف العبري، وتدميره أكثر من 1612 مسجداً، خلال سنوات الجمر الثمان من عدوانه الآثم على بلد الإيمان والحكمة، والمساعي المُستميتة لطمس الهوية الإيمانية لأحفاد الأنصار، ومسخ الأخلاق العربية الأصيلة.

مجازر عابرة من مسلسل دموي غير عابر:

1 – مجزرة بدر والحشحوش:

طالت استهدافات الجماعات الإرهابية في 20 مارس 2015 مسجدي بدر بجولة تعز والحشحوش بالجراف، أثناء صلاة الجمعة، نفذها أربعة انتحاريين يحملون أحزمة ناسفة، في عملية مزدوجة وضعت في بنك أهدافها تصفية المصلين والناجين والمُسعفين.

إذن فنحن أمام عملية وحشية غير مسبوقة في تاريخ البشرية، والمُلفت للنظر أن هذه الاستراتيجية الشيطانية كانت السمة الغالبة لعمليات تحالف البغي العبري في اليمن منذ انطلاقتها في 26 مارس 2015، أي بعد 6 أيام فقط من غزوة بدر والحشحوش، والتي لم تكن سوى مُقدمة لأمر جلل كان يُراد تمريره في اليمن، لكن عناية الله ويقظة المُخلصين من أبناء هذا الشعب المؤمن حالت دون مراميهم الشيطانية، وأسقطت كل مشاريعهم التدميرية، وحوّلت سهام مخططاتهم المسمومة إلى نحورهم.

ذلك العدوان الآثم تسبب في استشهاد 155 إنسان، وجرح 400 إنسان، بينهم 40 شخصاً إصابتهم بليغة، وبين كل 5 ضحايا طفل، بواقع 111 طفل بين شهيد وجريح.

واستبقت الجماعات الوهابية الإرهابية التكفيرية هذه العملية الإجرامية باغتيال المناضل والمجاهد والصحافي الكبير “عبدالكريم الخيواني”، في 18 مارس 2015، أي قبل يومين فقط من مذبحة بدر والحشحوش، وهو من الشخصيات الوطنية والثقافية المعروفة بكتاباتها النارية ضد تلك الجماعات الظلامية، منذ حادثة كول الشهيرة وفُقاعات جيش عدن أبين الإسلامي، وما تلاها من نوازل ونكبات “داعشية – قاعدية” ومؤامرات “إخونجية”.

ويروي العلامة المجاهد “حمود الأهنومي” وهو أحد شهود مجزرة بدر وله كتابٌ عن شهداء المجزرتين، في مقالٍ مطوّل له عنهما، أن أستاذنا وشيخنا شهيد المنبر الدكتور المرتضى المحطوري كان مُسترسلاً في خُطبة الجمعة الدامية بالحديث عن الإعلامي المجاهد “عبدالكريم الخيواني” والثناء على شجاعته، كأول من رفع سقف الصحافة في اليمن، والتأكيد على ضرورة تطبيق الحزم وعدم التهاون مع المجرمين الذين انتزعوا روحه الطاهرة، متسائلاً بحُرقة وألم: “هل يجب أن ننتظر القتلة ليقتلونا واحداً واحداً؟”.

وبينما هو يعود لتفاعله المعهود منه، ويُمهِّد للمصلين بأنه سيُخْبِرُهم بنكتة، قال إنه: “يخشى أن تنقُض الوضوء”، لكنه ما إن أكمل هذه العبارة حتى انتقضت عُرى الإنسانية، وتعرّى إسلامهم الأميركي، فتزلزل المسجد بسقوط عشرات الأبرياء بسرعة خاطفة.

هذا المسلسل الدامي من “الإرهاب اللا إنساني” أعاد للذاكرة مشهد مُماثل حدث في مدينة المحابشة من أعمال محافظة حجة أثناء ثورة 26 سبتمبر 1962، وكان أستاذنا المحطوري رضوان الله عليه أحد شهوده، كما يروي في مُستهل ورقة عمل بعنوان “الجهاد, الإرهاب, العنف, تداول السلطة”، قدّمها في مؤتمر دولي نظّمه مركز القدس للدراسات السياسية في العاصمة الأردنية، تحت عنوان: “نحو خطاب إسلامي ديمقراطي مدني”، لم أعد أتذكر سنة انتظامه.

وكان شمال اليمن يومها يتعرّض لغارات همجية من الطيران المصري، لا تُفرِّق بين ما هو مدني وما هو عسكري، ومنها غارة استهدفت الجامع “المقدس” بمدينة المحابشة، وكان الدكتور المحطوري يومها طالباً بالمدرسة العلمية في منطقة “القرانة” الواقعة جنوب المسجد المُستهدف على بعد نحو 200 متر.

استُشهد في تلك الغارة كل المتواجدين في المسجد، وعددهم 75 إنسان، باستثناء شخص واحد من بيت “سليم”، كُتبت له النجاة، كانوا يحتمون بالجامع من عربدت ذلك الطيران الأرعن، وتطايرت أشلائهم على بُعد 500 متر في الاتجاهات الأربع، في مشهد بشع يُحاكي ما جرى في بدر والحشحوش وغيرها من مساجد صنعاء في العام 2015، وما تلاها من جرائم “سعودية – إماراتية” بحق اليمنيين في سنوات العدوان العبري الثمان.

ولا يزال أبناء تلك البلاد يتناقلون مشاهد جمع الأشلاء المتناثرة لأحبتهم إلى اليوم، وقد حكى لي والدي رحمه الله عنها والدمع يقطر من عينيه وآهات وحشرجات الألم تُقَطِّعُ أوتار قلبه وتكتم أنفاسه.

والشاهد من كلام الدكتور المحطوري، وكان هدفه تقديم تعريف مُبسّط للإرهاب من الواقع المُعاش بعيداً عن التنظيرات الأميركية السُفسطائية:

“بعد اتصال من السيدة المُبجلة هالة سالم – المدير التنفيذي بمركز القدس للدراسات السياسية، بادرت إلى كتابة ورقة أُسطِّر فيها فهمي للإرهاب، والعنف، والتداول السلمي للسلطة؛ من خلال تجربتي ومُعاناتي الشخصية التاريخية، وقد عرفت العنف عن قرب، واكتويت بنار الإرهاب الفكري، والمادي، فلا أحتاج إلى معاناة لأُنبّش عن ذكريات الإرهاب، والعنف، والاستبداد.

لقد بدأ المسلسل الدامي منذ شاهدت بأم عيني وأنا في سن الثالثة عشرة أو أكثر قليلاً حين كنت مُختبئاً في جبل شرق قريتي؛ خوفاً من الطائرات التي كانت تقصف المناطق الشمالية من اليمن أيام حرب عبدالناصر، والسعوديين في اليمن، وكانت قُرَانا آهلة بالمزارعين وحيواناتهم ليس لها أي علاقة بالنشاط العسكري، بل كُنا في الصف الجمهوري، ومع ذلك لم نسلم من القصف والترويع.

إنما المشهد الذي لا أنساه حين مرت طائرة وقت صلاة الظهر، وقذفت مسجداً في مدينة المحابشة مُكتظاً بالمصلين، وكادت الطائرة أن تُلامس سطح المسجد؛ إذ لا يوجد مُضادات، فنسفت المسجد بمن فيه، كانوا خمسة وسبعين لم ينج منهم إلا واحد.

المشهد الثاني: يوم كنا بمسجد “القُرانة” مهاجرين لطلب العلم، فأقبلت في الصباح الباكر طائرة سوداء، فألقت من الشرق شريطاً كاملاً من القنابل ذرع مدينة المحابشة الوادعة المستطيلة في سفح الجبل، فألقيت بنفسي على الأرض؛ تفادياً للشظايا كما كانوا يعلِّموننا، وقد كنت متعوّداً على إرهاب كهذا، فصارت نيران جهنم الواصلة من الجو عبارة عن ألعاب تُصيبنا ببعض الذعر، لكني لم أفر بل ذهبت لمشاهدة آثار القصف، فشاهدت شيخاً عجوزاً فقيراً قاعداً ميتاً بجوار موقد لقلي نوع من الحُبُوب يعتصر منها لقمة عيش جافة له ولأسرته.

وشاهدتُ طفلاً في السادسة من عمره مرمياً في العراء، قد بُتِرت رجله من فوق الركبة، وبقيت مُعلَّقة، وهو يئن وينزف، وعنده عجوز تبكي لا تدرِ ما تفعل له، وأنا مبهوت أعيش الجهل، والوحشة، والمشاعر المُؤلمة، لم أُقدِّم لهذا الطفل أي مساعدة، فماذا أفعل؟! فلا إسعاف، ولا وسائل ولو بدائية، ولا شيء، فما زلنا كما خَلَّفَنَا نبيُّ الله نوح عليه السلام.

والأكثر إيلاماً أن تسمع الجماهير المنحطة تهتف لهؤلاء الإرهابيين القتلة من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر: نفديك يا عبدالقاهر .. أو بالروح بالدم نفديك يا فندم؟!”.

وللأسف ما شاهده الدكتور المحطوري في الثالثة عشرة من عمره يتكرر بكل تفاصيله وللعام الثامن على التوالي، والأكثر مرارة أن يكون أحد ضحاياه، وأن نكون أحد شهوده، لأن الشاهد فارقنا، وأبقى لنا مرارة وعذاب وألم المُشاهدة، لكن دمه ودم رفاقه من اليمنيين الأبرياء لم يذهب هدراً، فها هو اليمن يغتسل بطُهر دمائهم الزكية من خُبث ورجس وأوساخ تلك الجماعات الظلامية وفي سنوات معدودة من الفُراق الأليم.

2 – هكذا يستقبل التكفيريون رمضان:

استهدفت الجماعات التكفيرية في 17 يونيو 2015، عدة أماكن في صنعاء، منها: المكتب السياسي للأنصار، مسجد القبة الخضراء بشارع هائل، مسجد الكبسي بشارع الزراعة، مسجد الحشحوش بحي الجراف، أثناء أداء صلاة المغرب أخر شعبان وعشية رمضان، ما تسبب في استشهاد 30 مُصلياً، في تأكيد واضح وجلي على أن تلك القوى الإجرامية مجرد “بيادق” كما أسلفنا بيد بقر وقرود دهاقنة الشرق الأوسط الجديد.

3 – مجزرة جامع قبة المهدي:

غيرّت الجماعات التكفيرية في 20 يونيو 2015، أدوات الجريمة، فاستبدلت الانتحاريين والأحزمة الناسفة بسيارة مُفخخة انفجرت قُرب جامع قبة المهدي بالتحرير، ما أدى إلى استشهاد شخصين وإصابة ستة آخرين.

4 – مجزرة جامع البهرة:

وهي جماعة شيعية تتبع المذهب الإسماعيلي، ولها تواجد بِعدة مناطق يمنية في الشمال والجنوب، منها أمانة العاصمة صنعاء، وكان جامعها في شارع سوق “الرمّاح” هدفاً لإحدى السيارات التكفيرية المُفخخة في 29 يوليو 2015، تسببت في استشهاد 5 أشخاص.

5 – مجزرة مسجد المؤيد:

يقع في الجراف من أمانة العاصمة، استهدفته تلك الجماعات الظلامية بعملية مزدوجة في 2 سبتمبر 2015، تسببت في استشهاد 34 إنسان وجرح 94 يمني.

6 – قرابين عيد الأضحى:

لأنهم أعداءُ الإنسانية، يكرهون كل مباهج البهجة والفرح، ويُزعجهم ابتهاج المسلمين بأعياد الله، لأنها هِبات ونفحات وكرامات، ولا أعجب أن يكون عباد الله الصالحين المُؤدين صلاة عيد الأضحى بجامع “البليلي” في صافية الأمانة هدفهم التالي، مُرسلين في 24 سبتمبر 2015 أحد انتحاريهم، لانتزاع فرحة الساجدين الراكعين العابدين الحامدين الشاكرين، ما تسبب في استشهاد 10 أشخاص وإصابة 21 شخص.

*المصدر: مركز البحوث والمعلومات ـ سبأ
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع