قاسم عز الدين 

انعطافة السعودية نحو الصين والتقارب مع إيران، تشي بمسار تحوّلها عن التبعية المطلَقة للولايات المتحدة، لكنه مسار إدارة الأزمات الإقليمية بمشاركة البلدان الثلاثة، وفق تقاطع الأولويات وتنافرها.

الافتراق السعودي عن التسخير لخدمة المصالح الأميركية، هو نتيجة تراكمات حديثة بدأها باراك أوباما عام 2016 بقطيعة تاريخية لاتفاق المحمية الأميركية في مقابل النفط بين روزفلت وعبد العزيز، داعياً السعودية إلى أن تقلّع أشواك تكلّسها بيديها.

ترامب، الذي أشاح بوجهه عن حثّ أوباما على “تحديث” الحياة السياسية السعودية، استولى على مليارات الهدايا المجانية من دون خوضه الحرب على إيران، وإنما زجّ بالسعودية عبر تصعيد الحرب في اليمن والحرب بالوكالة مع “إسرائيل” ضد الفلسطينيين في اتفاقيات “أبراهام”، وضد إيران ومحور المقاومة في الإقليم.

مساعي بناء “الناتو العربي”، والتي حاول بايدن استكمالها للحرب بالوكالة إلى جانب “إسرائيل”، أطاحتها المسيّرات اليمنية بقصف منشآت “آرامكو” وأعمدة دبي الزجاجية، وخابت آمال السعودية بشأن الحماية الأميركية وكسر الفيتو الإسرائيلي ضد تزويد السعودية بالصواريخ والمسيّرات والبرنامج النووي.

وصول التنين الصيني إلى الخليج

في حرب بايدن والأطلسي ضد روسيا والصين أملاً بقرن أميركي جديد عبر الهيمنة على العالم، تنازل بايدن عن وعود محاسبة ابن سلمان، الذي ردّ بمصافحة أطراف الأصابع في الرياض، لكن بايدن لم يقدّم إلى القمة الأميركية – الخليجية أفقاً للخروج من أزمة الاستنزاف القاتلة في اليمن، ومن أزمة اللحاق بالاستراتيجية الإيرانية المتنامية عبر الشراكة الاستراتيجية مع روسيا والصين ضد أميركا.

بل حاول تسخيرها لدعم “إسرائيل” وتوسيع سيطرتها على القرار الاستراتيجي في الخليج، عبر إنشاء تحالف أمني بقيادة أميركية – إسرائيلية، “يربطه نظام دفاع جوي لمكافحة الصواريخ والمسيّرات الإيرانية”، عرضَة لتدمير الخليج في حال الحرب على إيران.

على العكس من إلقاء مخاطر الدفاع عن “إسرائيل” على كاهل السعودية ودول الخليج، وإثقالها بأعباء تمويل مصالح بايدن في خطة “البنية التحتية العالمية” (طلب 3 مليارات مقدَّماً)، قدّمت القمة الصينية – الخليجية آفاقاً واعدة مفتوحة على مصراعيها، ترتكز على دبلوماسية تعزيز تبادل المصالح وإطفاء الحرائق الملتهبَة، بديلاً من دبلوماسية الحرب الأميركية.

استضاف ابن سلمان الرئيس الصيني بعد 5 أشهر من القمة الأميركية في الرياض، في قمة ثلاثية لمجلس التعاون الخليجي والقمة الخليجية – الصينية، والقمة العربية – الصينية، دلّت، في شكلها وأبعادها، على استدارة السعودية نحو الصين في رسالة قاسية موجَّهة إلى الإدارة الأميركية، بدليل حجم الملفات والاتفاقات التجارية والسياسية التي لم تتكشّف كلّها بعدُ.

البيان المشترك، الذي تضمّن “إدانة النشاطات الإيرانية المزعزعة للاستقرار في المنطقة”، أخذته القمم الثلاث على محمل استمالة الصين إلى جانبها ضد إيران. لكن الصين أخذته على محمل ملف عالق يجب العمل على نزع فتيله من الأيدي الأميركية والغربية والإسرائيلية. ومن أجل تأكيد وجهتها السياسية، أصرّت الصين، في البيان المشترك، على القضية الفلسطينية بلهجة “الضمير العالمي”، التي غيّبتها الدبلوماسية الهادئة طويلاً.

لا ريب في أن إثارة القضية الفلسطينية موجّهة ضد سياسة بايدن في الشرق الأوسط، لكنها لطمأنة إيران أيضاً. فعلى وجه السرعة، عقد الرئيس الصيني لقاء قمة مع الرئيس الإيراني، وتضمّن بيانهما المشترك الدعوة إلى إخضاع المرافق النووية الإسرائيلية لمراقبة وكالة الطاقة الدولية، وأشاد بالتزام إيران نزع السلاح النووي.

حزام إقليمي آخر وطريق سياسي بديل

الجهود العراقية والعُمانية للتقريب بين إيران والسعودية، كسرت الجليد بين البلدين، في وقت خليجي ملائم لوقف المراهنات والمغامرات العبثية. لكن الصين هندسَت التطبيع السعودي – الإيراني على أسس المواجهة الصينية والإيرانية للسياسات الأميركية في المنطقة، وأسس الحاجة السعودية إلى التباعد عن هذه السياسات المدمّرة.

في إطار هذه المواجهة، تمتلك الصين الرؤية وخريطة الطريق للمنفعة المشتركة وتعزيز التعاون في الأولويات، بديلاً من مسار الحروب البينية والتخريب الأميركي، وتمتلك القدرة العملية مع إيران و”الأصدقاء الجدد” على تفكيك البراثن الأميركية والغربية في الممرات البحرية العربية، سواء في البحر الأحمر أو في باب المندب وبحر عُمان (أجرت المناورات البحرية مع إيران وروسيا في هذه المنطقة امتداداً لممرات تايوان والمحيط الهادئ).

إلى جانب مشاركة إيران والسعودية في أعمال منظمتي شنغهاي (شريكي الحوار) ومجموعة بريكس، من المرجّح أن تعقد الصين القمة الصينية – الخليجية في بكين قريباً، وقمة عربية إلى جانبها، وربما قمة إقليمية تشترك فيها السعودية وإيران وتركيا.

الصراعات، التي بدت مستعصية في البلدان العربية قبيل الصفعة، تتنفّس الصعداء في مجرى تُكشح عنه قبضة أميركا وقاعدة التطهير العرقي في فلسطين المحتلة، والتي أفقدتها الصفعة أحلام الزجّ بالخليج في حرب أميركية – إسرائيلية. لكن أميركا أكثر المهزومين في المديين القريب والبعيد، فحين بدا بايدن فاقد الوعي عندما أجاب، بشأن التطبيع السعودي مع إيران، بـ”أن التطبيع بين إسرائيل والدول العربية مصلحة للجميع”، فإنه نطق، عن لاوعي، بعقل أميركا الباطني.

المصدر : الميادين نت 

الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع