السياسية: تقرير/ جميل القشم

تنفست شريحة واسعة من فقراء مدينة الحديدة نسمات الهواء البارد بدخول خدمة الكهرباء المجانية إلى منازلهم؛ لتعيد الحياة إليها من جديد بعد سنوات طويلة من المعاناة الشديدة، بسبب حر الصيف الحارق والخانق لمعيشتهم.

ظلّت أحياء عديدة بمدينة الحديدة تواجه الإهمال في مختلف المجالات على مدى الحكومات والعقود المنصرمة، في حين كانت الكهرباء الوجه الأسوأ لمأساة سكانها دون الالتفات لمعاناتهم التي أحرقت أجسادهم، ما جعلهم يفرون من منازلهم إلى المبيت في خارجها.

أزمة كهرباء محافظة الحديدة معضلة فرضت ذاتها على الواقع المؤلم للسكان الذين يعانون الأمرَّين في السابق، نتيجة المنغصات والتداعيات على حياة الأسر بما فيهم الأطفال والنساء، في حين كان الفساد الإداري الذي نهش مؤسسات الدولة، أعظم سبب للأزمة في وجوهها المتعددة.

عاش آلاف من فقراء أحياء مدينة الحديدة لسنوات وعقود، يكابدون مرارة الحر الشديد، تصل إلى 40 درجة صيفاً، بعد أن فشلت الدولة في تأسيس بنية خدمات قادرة على التخفيف عن المواطنين في مثل هكذا ظروف.

فاقمت أزمة الكهرباء المتكررة صور المعاناة أمام أبناء الساحل التهامي، خاصة مع ظروف العدوان والحصار على البلاد والأزمات المتكرّرة للوقود التي أبرز مظاهرها طوابير المواطنين أمام محطات المشتقات النفطية في كافة المحافظات.

استمرت مشكلة الكهرباء في أحياء مديريات الحوك والحالي والميناء لسنوات بلا حلول حقيقية، ليصف مواطنين معاناتهم ووضعهم قبل دخول مشروع الكهرباء المجاني الذي تم تنفيذه خلال العام 2021م، بالموت الحقيقي.

يقول أحد المواطنين : “كنا نعاني يومياً من موت بطيء دون أن يلتفت أحداً لمعاناتنا، حتى يئسنا من أي مناشدات نوجهها للجهات المعنية أو للمنظمات”.

بينما تحدث آخر عن معاناته وجيرانه جراء انقطاع الكهرباء.. قائلاً: “موجة الحرارة الشديدة عصفت بحياتنا، وتسببت بأمراض كثيرة؛ من بينها أمراض جلدية انتشرت بين الأطفال والنساء، وواجهنا صعوبات في البقاء بالمنازل بدون كهرباء ومراوح”.

أسرة مكونة من أم وبناتها الأربع تسكن في بيت متواضع بالإيجار، تقول الأم: “بالكاد ندفع إيجار السكن شهرياً، ومن الصعب الاشتراك بالكهرباء التجارية الخاصة”، معتبرة معاناتهن اليومية، خلال المرحلة السابقة، خطراً كبيراً عليهن؛ لاضطرارهن المبيت في سطح المنزل.

دفعت أزمة الكهرباء في ظل العدوان المئات من سكان المدينة إلى افتراش الشوارع، وتحت ظلال المباني والأشجار؛ هرباً من الحر الشديد في بيوتهم ومنازلهم المنقطعة عنها الكهرباء، واللجوء ليلاً إلى الساحل وعمل خيام للعوائل؛ للمبيت فيها.

هكذا يبدو المشهد كما لو أن كارثة حلّت بسكان المدينة، والحقيقة أن صيف الحديدة بلا كهرباء ضرب من العذاب النازل بأهلها، خصوصاً وغالبيتهم من الفئة الأشد فقراً لا يستطيعون إدخال خدمة الكهرباء التجارية لمنازلهم بعد أن تقطعت بهم السبل في ظل العدوان والحصار.

لم تقف القيادة الثورية والمجلس السياسي الأعلى والحكومة مكتوفة الأيدي أمام العذاب الذي يعيشه سكان مدينة الحديدة، لكنها بادرت بحلول عاجلة تستهدف الأسر الأشد فقراً؛ لتضع حداً لتلك المعاناة من خلال إنشاء صندوق تنمية الحديدة بخطة عاجلة تنفيذاً لتوجيهات رئيس المجلس السياسي الأعلى بهذا الصدد.

نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية – وزير المالية – رئيس مجلس إدارة صندوق تنمية الحديدة الدكتور رشيد أبو لحوم، بذل جهودا حيثية في تنفيذ المشروع، وفقا لتوجيهات القيادة الثورة والمجلس السياسي الأعلى.

حيث تمثلت المرحلة الأولى من خطة الاستجابة الطارئة لمعالجة الوضع بمسح ميداني استهدف مديرات الميناء والحوك والحالي، وفي غضون أيام تم ربط بيوت ومساكن الفقراء بالكهرباء مجاناً بإجمالي سبعة آلاف و325 منزلاً، بتكلفة تزيد عن 420 مليون ريال للمشروع.

وما يميز مشروع الكهرباء المجاني لأحياء السكان ذات الشريحة الفقيرة والمستضعفة، تقديم الخدمة مجانية، بتكفل صندوق دعم وتنمية محافظة الحديدة دفع رسوم الخدمة بالكامل، بدءاً من الاشتراك ورسوم التوصيل وحتى الفواتير الشهرية.

قُوبل المشروع بارتياح كبير من قبل السكان لإسهامه في تخفيف معاناة شريحة واسعة، يكاد الحر يفتك بأفراد الأسرة.. يقول أحد المستفيدين: “لم نكن نتوقع المشروع؛ لأننا اعتدنا تسجيل أسمائنا لمجرد التسجيل من قبل جهات عدة لا تفي بوعودها”.

ويضيف أحد عقال حارات المدينة: “المشروع لم يكن مجرد كهرباء دخلت منازل الفقراء بقدر ما هو ربط قلوب السكان بالفرحة وأذهبت عنهم غم الحر الشديد ومعاناته الموسمية”.. معتبراً المشروع دليلاً على مصداقية القيادة وصدق توجهها واستشعارها.

ورغم مجمل الصعوبات التي تمر بها البلاد، إلا أن مشروع كهرباء الحديدة المجاني مثل ضرورة ملحة وعاجلة، ويبقى الأهم وضع حلول إستراتيجية للمشكلة تقفز على عوائق الحصار والعدوان، وتضع حداً للأزمة بموازاة تطوير شبكة الكهرباء لمدينة الحديدة.

ووفقاً لتوجهات القيادة الثورية بتطوير كهرباء الحديدة، فإن أحد الحلول الموضوع، التي يجري تنفيذها، هي مزارع منظومات الطاقة الشمسية، وإحداها مزرعة عملاقة يجري العمل عليها في بيئة مناسبة بإحدى المديريات الشمالية، ومن المتوقع أن تغطي المزرعة كامل مديريات الحديدة مع سلسلة أفكار هندسية قابلة للتطوير، وتوسعة المشروع واستنساخه.

سبأ