اليمن يدخل مرحلة تحول جديدة في مواجهة الأميركي
علي ظافر*
يبدو أن صنعاء ذاهبة في اتجاه فرض معادلة جديدة، بعد أن ثبّتت معادلة حماية الثروة ومنعت قوى العدوان من نهب الثروة النفطية لليمن، في حال استمرّ تحالف العدوان في المماطلة، ولم يلتقط الفرص فيما تبقّى من هامش زمني ضيق.
في خطابه الأخير، جدّد السيد عبد الملك الحوثي التمسك بالملف الإنساني، انطلاقاً من أنه “أولوية في المفاوضات”، ورفض مساعي قوى العدوان للتنصل من أيّ التزاماتٍ أو اتفاقاتٍ، لأنّ هذه القوى هي الطرف المعتدي على اليمن، وخاطبها بالقول: “فليعلم الأميركي والبريطاني والسعودي والإماراتي بأنّ عليهم أنّ يتحملوا مسؤولياتهم في إطار أيّ اتفاق”.
وبخصوص المسار السياسي والمسار التفاوضي، كان التصويب الأكبر على الأميركي مباشرة، إذ حمَّل السيد عبد الملك، الولايات المتحدة مسؤولية إفشال مسار المفاوضات، وأكد سعيها لعرقلة الجهود العُمانية، من خلال محاولتها “إبعاد التحالف عن أيّ اتفاقٍ أو تفاهم”، و”تأجيل انسحاب القوات الأجنبية من اليمن إلى أجَلٍ غير مُسمّى”، مؤكداً أن هذا الأمر (سحب القوات الأجنبية) “جوهريّ” و “لا يمكن أن يقبل اليمن وجود قواتٍ غازية أو مُحتلة في أيّ محافظةٍ أو جزيرة، لأنّ في ذلك تدخّلاً مباشراً في شؤون بلادنا”، وأن “الوجود الأميركي ـ البريطاني في اليمن هو عدوان واحتلال… ونتعامل معه على أنّه قوّة احتلال”. وخاطب واشنطن، بقوله: “عليكِ أن تسحبي قواتك من اليمن”، معّقباً: “نحن نسعى لدحر قواتكم، سواء في المحافظات أو الجزر، وسنستمر في كل الخيارات لتطهير بلدنا”.
مطالبة السيد عبد الملك، ودعوته إلى سحب القوات الأجنبية، ليستا أمراً جديداً، إذ إنه، في كل مرة، يعدّهما من أهم غايات السلام، لكن الجديد هذه المرة هو استخدامه كلمة “ارحلوا”، في مخاطبة الأميركي والبريطاني والسعودي والإماراتي، وهي كلمة تذكّر بمرحلة الثورة (قبل الهروب المذل للمارينز من صنعاء)، كأنه يدشّن هذه المرة مرحلة تحرر جديدة. كما أن تسميته مجموعة من المناطق توحي في أنها قد تكون في صدارة قائمة الاستهداف العسكري، إن أصر الأميركي على محاولة تأجيل انسحاب القوات الأجنبية إلى أجَل غير مسمى.
ظروف موضوعية لمعادلة مقبلة
من خلال التجربة التاريخية خلال الأعوام الماضية، تبيّن أن صنعاء، قبل الذهاب إلى فرض معادلة جديدة، سواء داخلية، أو في مواجهة العدوان، تمرّ في أربع مراحل، هي:
– التفاوض والحوار ومحاولة تدوير الزوايا.
– إسقاط الحجة (في خطاب يتولّاه شخصياً السيد عبد الملك بدر الدين، انطلاقاً من أنه صاحب القرار الأول، وفيه تُطلَق المعادلات وتُرسَم الخطوط، بحسب المرحلة ومقتضياتها).
– الخروج والتفويض الشعبي.
– الفعل العسكري العملياتي.
وأعتقد أن هذه الظروف والشروط الموضوعية باتت جميعها متوافرة، إذ إن صنعاء أفسحت المجال، على مدى قرابة ستة أشهر، على أمل أن تُفضي المفاوضات الثنائية، بوساطة عمانية، إلى الاستجابة لمطالب الشعب واستحقاقاته الإنسانية. وكانت المحصّلة هي مماطلة العدوان واللعب على الوقت، وتقديم الوعود من دون تنفيذ، ومحاولة السعودي المجرم تقديم نفسه على أنه طرف راعٍ للسلام، وليس طرفاً أصيلاً في الحرب وقائداً تنفيذياً لها، ومثله الأميركي، وهذا أمر غير مقبول ومرفوض، كما تؤكد القيادة في صنعاء مراراً وتكراراً.
ولأن الأمور السياسية والحوار والمفاوضات وصلت إلى طريق مسدود، كما هو واضح، فلقد كان لقائد الثورة، السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، خطابان متتاليان في أقل من أسبوع، شخّص فيهما المرحلة الحالية، وأطلق فيهما معادلات استراتيجية، ورسم فيهما الخطوط الحمر، واستنفر فيهما الشعب والقوات المسلحة، إيذاناً بفتح مرحلة جديدة كلمتها المفتاحية “ارحلوا”.
وغداة خطابه الأخير، وفي أقل من أربع وعشرين ساعة، احتشد الشعب عن بكرة أبيه في مسيرات مليونية، تأييداً وتفويضاً للقيادة، فيما يشبه التفويض والاستفتاء الشعبيّين، وتضامناً مع فلسطين ووفاءً للرئيس الشهيد صالح الصماد، وتمسكاً بالقضية الوطنية العادلة.
تبقى العيون الصديقة والعدوة شاخصة على المرحلة الرابعة، وهي مرحلة الفعل العسكري والفعل العملياتي لترجمة هذه المعادلات. ويبدو أن الهامش الزمني ضيق جداً أمام قوى العدوان والوسيط، على حد سواء، إذ إن صبر الشعب نفد، ولا يمكن أن يدوم إلى ما لا نهاية، ولا نستبعد أن يتم تحريك العمل الدبلوماسي وتنشيطه من جديد، وقد نشهد زيارة رابعة للوفد العُماني لصنعاء.
صنعاء تجد ضالّتها في المتغيرات الدولية
تتزامن هذا الرسائل من ناحية التوقيت في ظل متغيرات محلية وإقليمية ودولية. فعلى المستوى الداخلي، تعيش فصائل المرتزقة حالة من التباين والانقسام، بما في ذلك داخل “مجلس القيادة الرئاسي”. وعلى المستوى الإقليمي، لا يبدو أن دول التحالف في علاقة مستقرة في ظل التنافس الحاد، سياسياً واقتصادياً، وظهرت بعض أماراته خلال الفترة الماضية، وخصوصاً مع انعقاد قمة أبو ظبي التي تغيّب عنها محمد بن سلمان من دون أسباب موضوعية تبرر له ذلك. أمّا على المستوى الدولي، وهو الأهم، فإن معادلات اليمن الجديدة تأتي مع دخول الأزمة الغربية الروسية في أوكرانيا عاماً جديداً، وربما فصلاً جديداً من المواجهة الشاملة بين روسيا و”الغرب الجماعي”، إذ إن زيارات بايدن لأوكرانيا وأوروبا، وخطاب بوتين السنوي، توحي في ذلك.
وسط هذه الظروف والمتغيرات، تجد صنعاء ضالّتها في الإطلاق والفرض لمعادلات جديدة، تصب في تحقيق الغاية الأهم من استراتيجية الدفاع الوطني، وهي بالضرورة سحب القوات الأجنبية ووقف العدوان ورفع الحصار كلياً عن اليمن. وقوى العدوان، وفي مقدمتها السعودية والدول الغربية، أمام هذه المعادلات مجبَرة، وليست مخيّرة، بين أمرين، هما:
أولاً، التسليم والرضوخ لشروط صنعاء، وعدم المساس بالخطوط الحمر التي رسمتها القيادة اليمنية (السيادة والثروة والوحدة والكرامة)، ودفع الثمن.
ثانياً، المغامرة باستئناف دورة الحرب، وبالتالي المجازفة بمصالحها الاقتصادية في عالم متغير ومضطرب.
في الخلاصات، يمكن استخلاص مجموعة من المحددات الحاكمة لمرحلة خفض التصعيد وما بعدها، أولها أنه لا يمكن القبول بوطن محتل، ولا يمكن القبول باستمرار الحصار، ولا يمكن أن يصوّر الأميركي والسعودي، اللذان هما رأس حربة في العدوان والحصار، نفسيهما وسيطين للحل. ومثلما أن الحرب مباشرة مع السعودي والأميركي، فإن التفاوض لا بد من أن يكون مباشراً معهما، لا مع “المرتزقة الصغار”، أو تعود دورة التصعيد معهما مباشرة. والظروف الدولية، وخصوصاً مع دخول أزمة الغرب الجماعي عامها الثاني، لا تشجعهما على المغامرة خشية على مصالحهما، وفي مقدمتها النفط.
نحن أمام مرحلة مفصلية، بين أمرين: إمّا التصعيد، وإمّا الخضوع لمطالب الشعب اليمني، وما لم يخضع العودان وداعموه، فإننا ذاهبون في اتجاه معادلة “حماية السيادة”، ستكون المواجهة فيها مباشرة مع واشنطن، وستكون مصالحها في مهب العاصفة اليمنية العاتية.
* المصدر: الميادين نت
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع