نصر القريطي (السياسية) :

“لماذا يكرهوننا..!” هو عنوان مقالٍ نشرته أحدى الصحف السعودية على لسان أحد كتّابها السعوديين..
المقالة لم تدم طويلاً في موقع “صحيفة عكاظ” على الانترنت فقد سارعت إدارة الصحيفة المقربة من دوائر الاستخبارات السعودية لحذفه وإزالته من صدر صفحتها الالكترونية..
وبعيداً عن طريقة سرد المقالة وتغذيتها باستدلالاتٍ غير منطقية إلاّ ان فكرتها تسلط الضوء على قضيةٍ ذات أهميةٍ يمكن وصفها بـ”الاستراتيجية” خصوصاً أن المفترض ان يرد هذا “التساؤل المرُّ” على لسان ضحايا المملكة وليس العكس..
المقالة برمتها تعجُّ بألفاظٍ تختزل في داخلها مبررات الكراهية للنظام السعودي فهي مليئةٌ بمفردات الاستعلاء والمنِّ والغطرسة والزهو بالمال النفطي المدنّس والعطايا السعودية للعرب..
لكن وكي لا نبدو متحاملين على النظام الحاكم في المملكة علينا ان نطرح التساؤل بصورةٍ أكثر عمومية فـ”هل تكره الشعوب حقاً دولاً أخرى بدافع الكراهية أو لأسبابٍ غير جوهرية متعددة..!
مجرد التفكير في هذه الفرضية يدفعنا لطرح أسئلة متكررةٍ أخرى وان كانت الإجابة على السؤال الرئيسي للمقالة معروفةً سلفاً..
لا تكره الشعوب دولاً أخرى ما لم تكن حكومات تلك الدول أو حكامها والقائمين على إدارة سياساتها يتدخلون في شؤون شعوبٍ أخرى بل وفي كثيرٍ من الأوقات يحيكون ضدها المؤامرات ويحاربونها ويضيقون عليها بأكثر من صورةٍ جيو سياسيةٍ أو اقتصاديةٍ أو دعائيةٍ أو أي صورةٍ أخرى..
ناهيك عن التدخل في شؤون شعوب قريبةٍ أو بعيدة من خلال مد جسورٍ لا إنسانية ولا أخلاقية عبر أذرعٍ وتحالفاتٍ غير سويةٍ تشمل كل أسباب التبعية والتأثير السلبي على مصالح تلك الشعوب ويأتي على رأسها الدعم المالي المشبوه لأطرافٍ أو جماعاتٍ أو أحزابٍ غير وطنية..
لا نزال هنا نتحدث عن التدخل من وراء حجاب او عبر حلفاء غير نزيهين أو بواسطة المال المشبوه أما حينما يصبح التدخل عسكرياً أو أمنياً مباشراً فإن عدم وجود الكراهية لمن يقتلنا ويحاصرنا ويدمر بلادنا يجعلنا حينها غير أسوياء بل وشعوباً غير حيّة..
وهنا يطرح تساؤلٌ منطقيٌّ نفسه على كل عربي قومي وطني غيور “لماذا يكره العرب إسرائيل.. ولماذا نكره الامريكان والبريطانيين كحكوماتٍ لا شعوب..!
من بديهيات القول ان ذاك ليس كرهاً فطرياً وليس جزءاً خالصاً من مشاعر متوارثةٍ في بيئتنا العربية بقدر ما هو نتاجٌ لاستعداء هؤلاء لنا وجرائمهم المستمرة بحق شعوبنا وقضايانا..
“لماذا يكرهوننا..!” حينما يرد هذا التساؤل على ألسنة أبواق النظام السعودي وإعلامه فذاك مؤشرٌ على ان جوقة هذا النظام وبالتالي هذا النظام نفسه باتوا مدركين لحقيقة ان سياساتهم غير السوية ضد الأمة جعلت الكثير من الشعوب العربية تكن مشاعر الكراهية الصريحة لهذه المنظومة التآمرية وهو ما اكد عليه كاتب هذه المقالة الذي استهجن كراهية الكثير من الشعوب العربية للمملكة لكنه لم يسأل نفسه ما الدوافع وراء هذه الحالة المتقدمة من الكراهية..
كما جرت عادة الإعلام السعودي وأبواقه فإن كاتب المقال اسهب في الحديث عن احسان المملكة لكثير من العرب ودعمها المادي لهم لكنه استدرك ان الكثير من العرب يقابلون ذاك الاحسان بالحقد على المملكة وقيادتها..
ليس ذاك فحسب بل ان كاتب المقالة أطّر فكرته في قاعدةٍ غير سويّة ملخصها أن “كل من يكره السعودية إنما يكرهها لأنها تملك الكثير من الموارد المالية والطبيعية التي حباها الله بها”..
أليست هذه النظرية بحد ذاتها فرضيةٌ تدفع الآخرين دفعاً لاستهجان هذا المنطق الاستعلائي المريض..!
انها نظريةٌ ساديةٌ مقيتةٌ كحال من يعتقد بها فلم ستكونون مكروهين ان لم تكونوا انتم من يختلق أسباب هذه الكراهية المبررة عبر تآمركم وانخراطكم في تنفيذ المشاريع الصهيونية الأمريكية الغربية التي تضر بمصالح المنطقة وشعوبها بل وتعمل على تدمير البلدان العربية وسرقة خيراتها..
يطلق الكاتب العنان لقريحته فيقول أن الأوربيين يكرهون الامريكان على الرغم من انهم من خلصوهم من النازية والفاشية ويضيف ان الصينيين يكرهون الأمريكان على الرغم من انهم من منحوهم أدبيات التقنية الصناعية التي ينافسون بها العالم اليوم..
لم يتبقى الا ان يقول الكاتب السعودي في اطروحته غير السوية ان العرب يكرهون اليهود على الرغم من ان إسرائيل هي نبتةٌ خيرةٌ زرعها الأمريكان والصهاينة في قلب امتنا ، وقد قال شيءٍ شبيهاً بذلك حينما أشار الى ان من قاتل إسرائيل من العرب هم من تسبب في ذهاب فلسطين من أيدينا وإلى الأبد..
يا هؤلاء ان كنتم حقاً تريدون اجابةً عن سبب كراهية الشعوب العربية لكم فما عليكم إلا النظر الى تاريخكم في التآمر مع الامريكان ومن قبلهم البريطانيين واليوم مع الصهاينة ضد شعوب المنطقة وثوابتها..
حتى لو طوينا صفحة الماضي ونظرنا الى الصفيح العربي الملتهب اليوم فسيمنحكم الإجابة الشافية لغليل أسباب كراهيتنا للنظام السعودي بكل سياساته ورموزه..
في بلادنا فقط انتم تشنون حرباً غير مبررةٍ.. لا أخلاقية ولا إنسانية علينا منذ ثماني سنين عجاف ناهيك عن كل تاريخكم مع هذا الوطن منذ قيام النظام الجمهوري مروراً بكل مراحله بما في ذلك دولة الوحدة..
بعيداً عن ذاك التاريخ الأسود هل تتوقعون من اليمنيين الذين دمرتم بلادهم وقتلتموهم وجوعتم شعبهم عبر حصاركم المجرم وحربكم المباشرة وغير المبررة ضدهم ان يحبونكم ويشكرونكم على جرائمكم بحقهم وادعاءاتكم بنصرتهم..
أنتم بلادنا وقصفتم منازلنا وقتلتم أطفالنا ونسائنا وشيوخنا وتحاصرون شعباً بأكمله وتعاقبون أمة بأسرها خدمةً للأمريكان والصهاينة ثم تستكثرون علينا ان نكرهكم و”نلعن الساعة التي سمّيتم فيها عرباً”..
أيُّ تفكيرٍ اجراميٍّ قاصرٍ ذاك وايُّ اختلالٍ لموازين المنطق تعانون منه وانتم لا تزالون تصرون على جرائمكم بحقنا وتكابرون بأنكم اتيتم لأجلنا وليس لتدميرنا..
كان على كاتب هذا المقال قبل ان يضع “تساؤله المرّ” ان ينظر فقط الى سوريا اليوم بعد اكثر من اثني عشر عاماً من الحرب والدمار الذي خلفه فيها أعراب الخليج الذين اعترفوا في اكثر من مناسبة رسمية ان أيديهم هي من دمرت هذا البلد وصنعت فيه أكبر كارثة إنسانية من صنع البشر..
لا تزال اعترافات رئيس وزراء خارجية قطر ورئيس وزراءها مسجلة بالصوت والصورة وهو يتحدث عن مجموعة الخماسية التي ضمت الى جانب الامريكان والبريطانيين امراء سعوديين وقطريين وإماراتيين قرروا تدمير بلدٍ ووضعوا ميزانياتهم بيد الاستخبارات الامريكية والغربية والصهيونية لتحقيق هذا الهدف فقط لأنهم غير معجبين بالنظام الحاكم فيه..
لقد خلفت الكارثة الإنسانية التي صنعتها ايدي أمراء الحرب وأصحاب المال النفطي المدنّس في اليمن وبلاد الشام اكثر مما خلفه الزلزال اليوم في سوريا من دمار وخراب وموتٍ ومآسي وآلام..
ان كنتم ضقتم ذرعاً بكراهية الشعوب العربية لأنظمتكم حقاً فعليكم ان تسألوا “آل سعودٍ” و”عيال زايد” “لماذا يكرهنا العرب..!”
ستشكل خريطة العالم العربي الجيوسياسية والبشرية اليوم إجابة كافيةً لهذا التساؤل المرّ..
يجب ان يدرك الشعب السعودي ان ايقاف عجلة تخادم النظام السعودي وتآمره مع المخططات الصهيونية الامريكية الغربية هو الذي سيضع تضع العجلة السعودية على سكة الطريق الصحيح للتخلص من كراهيتنا والعودة الى الحضن العربي الذي ابتعدوا عنه كثيراً ولا يزالون.
…………………….//