في ظل التحولات.. هل يعيش العالم مرحلة ما بعد العولمة الغربية؟
السياسية- متابعات:
“يبدو أنّ الحقبة الأخيرة من العولمة قد انتهت”، جملةٌ تختصر الوضع المتردّي الذي بات يدقّ أبواب العولمة والانفتاح الاقتصادي، لصالح الحمائية والمزيد من الخصوصيّة الاقتصادية.
فوفقاً للبنك الدولي، سجّلت الصادرات العالميّة من السلع والخدمات نسبةً للناتج المحلّي الإجمالي العالمي، تراجعاً كبيراً بعد أن بلغت ذروتها عام 2008، فمعدّل الاستثمار الأجنبي المباشِر الذي حقّق ذروته في العام 2007 ملامساً ما نسبته 5.3% من مجموع الناتج المحلّي الإجمالي في دول العالم، انخفض عام 2020 الى 1.3% فقط.
العولمة الغربية.. دعائمٌ واضحة تتفكك
وألقى تزايد التوتر بين الصين والولايات المتحدة بتأثيره على تراجع بنيان العولمة، من خلال سعيهما المتبادَل إلى تقليل اعتماد بعضهما على بعض في السلع والخدمات، بحسب باحثين اقتصاديين، وهذا ما ينطبق أيضاً على عددٍ آخر من الدول في العالم.
ويزيد من حالة التفكّك في دعامات العولمة، أنّ التدابير الحمائية التي اتُخذت منذ الأزمة الماليّة العالميّة عام 2008، تفوق تلك التي تُتيح الانفتاح الاقتصادي بمقدار خمسة أضعاف بحسب صندوق النقد الدولي.
وتقاطعت هذه التدابير مع ما دعت إليه وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلن، بالاقتصار على دعم الأصدقاء، أي بمعنى حصر تجارة الأميركيين واستثمارهم على الدول التي تُشارك الولايات المتّحدة “القيَم نفسها”.
كما لا تبتعد قضيّة الهجرة أيضاً عن تأثيرات تراجع العولمة، مع تعهّد الأحزاب القوميّة في عددٍ كبيرٍ من الدول بإيقاف الإجراءات التي تُتيح الهجرة وإبعاد الأجانب.
وتحدّث محلّل الميادين للشؤون العربيّة والإسلامية، قتيبة الصالح، عن مسار أفضى إلى طرح الحديث عن تفكّك العولمة على المستوى الاقتصادي، تعزّز هذا المسار سابقاً أثناء وباء كورونا، ويتعزّز حالياً، وقد قالت صحيفة “ذا إيكونوميست” إنّه من بين اثني عشر مؤشّراً للتكامل العالمي، بدأت ثمانية منها بالتراجع والركود بدءاً من العام 2008، أي أنها تضع هذا العام بداية مسار إنتهاء العولمة.
وأشار الصالح إلى أنّ الوصول إلى إجابة حول شكل التعاون المستقبلي في الإطار العالمي، يقتضي إدراك الأقطاب أو القوى الدوليّة إلى حدٍّ ما، أنّه سيتعيّن عليها التعايش، وهذا الشكل من التعايش هناك الكثير من الطروحات حوله، القوى والتكتّلات تتبنى طروحات مختلفة إلى حدٍّ ما، الصين لديها طروحاتها، وأميركا لديها طروحات، والوصول لمثل هذه الإجابات ينتظر الإجابة على تساؤل ما هو شكل التعاون المستقبلي؟
العولمة بمفهوم الغرب.. سلاحٌ للغزو
أوضح محلّل الميادين للشؤون السياسيّة، ناصر أبو نصّار، أنّ النظرية الأميركية حول العولمة وفتح الأسواق تُستخدَم فقط في الدخول لدول الجنوب، أي عندما تتحقّق الأرباح للغرب عبر العولمة وقوانين السوق الحر، ولكن بتطبيق قوانين المنافسة والسوق المفتوح الذي تخسر بسببه واشنطن هو أمر مستحيل، بل سوف تلجأ للسياسة الحمائية.
ولفتَ أبو نصّار إلى الأساس الذي أراد الانطلاق منه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خطابه الأخير، بأنّه لن يقايض كرامة الشعب الروسي بأي مفصل من مفاصل الحياة، وبالتالي هو أراد أن يقدّم رسالة طمأنة، بأنه سيقوم بتقديم جهود متوازنة من ضمانات اجتماعية وماليّة للشعب الروسي لمواجهة العقوبات من جهة، والمضيّ في مشروع تنمية مستقلّة في كافّة قطاعات الإنتاج، وفي نفس الوقت لن يسمح بالهزيمة العسكرية لروسيا التي وصفها بأنها أمر مستحيل.
وأكّد محلل الميادين أنّ الغرب متمركز حول ذاته الثقافيّة العنصريّة، وأنّ الإخضاع الاقتصادي والسياسي لدول الجنوب في الحقيقة غير قابل للإنجاز بدون إخضاع ثقافي للشعوب، وضمان السيطرة على وسائل تثقيفها، لذلك هو يصرّ على تمويل مشاريع العولمة بالرغم من انكفائه الاقتصادي فى الداخل.
ونبّه محلّل الميادين للشؤون السياسية والدوليّة، قاسم عز الدين، إلى أنّنا عندما نتحدّث عن العولمة في منطقتنا فنحن نتحدّث حول العولمة النيوليبراليّة، وهي التي تعتبر أنّ كل التعدّد الثقافي العالمي الموجود هو تعدد بربري يجب القضاء عليه، بالمقياس مع ما تطرحه هي من ثقافة، ثقافة الإنسان المستهلِك للسلع والمستهلِك للحياة، والمستهلِك للأفكار المُعلّبة.
وأضاف عز الدين أنّ الإنسان بالنسبة للنيوليبراليين هو فقط مستهلِك، ولا يُنظّر إليه على أساس أنّه ينتمي إلى مجموعة، لا وطنيّة ولا إنسانيّة ولا بشريّة، هم يختصرون كل المسائل لمصلحة السوق، ولمصلحة الشركات التي تسيطر عليه، ولمصلحة الطبقة السياسية والقوى النافذة في الدول الغربية، وما يحصل اليوم أمامنا في مسألة الهجوم الأطلسي يقرأ على هذا الأساس.
- المصدر: الميادين نت
- المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع