الفساد والحرب .. آفتان تتغذى من معاناه البشر
برتراند فينارد*
نشرت منظمة الشفافية الدولية غير الحكومية للتو تصنيفها لدول العالم وذلك بحسب مستوى الفساد المتصور في العام 2022.
تؤكد دراسة هذه الوثيقة، مرة أخرى، الروابط الوثيقة بين درجة الفساد في بلد ما وخطر انخراط ذلك البلد في خضم الحرب: خارجية أو داخلية.
وفي حلقة مفرغة لا تنفصم، يشهد بلد غارق في الصراع أيضا زيادة في مستوى الفساد.
كيف يتم تقييم الفساد في بلد ما؟
منذ إنشائه في العام 1995، أصبح مؤشر مدركات الفساد (IPC) بمثابة المؤشر الرئيسي في العالم للفساد في القطاع العام.
يصنف التقرير 180 بلدا وإقليما بدرجات متفاوتة من الفساد، باستخدام بيانات من 13 مصدراً خارجياً، بما في ذلك البنك الدولي، والمنتدى الاقتصادي العالمي، والشركات الخاصة لإدارة المخاطر والاستشارات ومراكز الفكر وغيرها.
تعكس الدرجات – على مقياس يتراوح من صفر (0 = فساد مرتفع) إلى مائة (100 = لا فساد)، اعتمادا على درجة إدراك الفساد في القطاع العام – رأي الخبراء والشخصيات من عالم الأعمال.
الفساد ينخر في جسد الدول…
تربعت الصومال على عرش البلدان الأكثر فساداً، تليها جنوب السودان وسوريا وفنزويلا واليمن وليبيا وبوروندي وغينيا الاستوائية وهايتي وكوريا الشمالية.
يحمل الصومال لقب الدولة الأكثر فسادا على هذا الكوكب منذ العام 2007، ولديه العديد من النقاط المشتركة مع “منافسيه” والمتعلقة بمستوى الفساد المرتفع.
تتميز الدول شديدة الفساد بضعف كبير في الدولة، حيث لا يمكن القول بأن الصومال لديها دولة تقريبا.
وعلى مدى 30 عاما، شهدت حربين أهليين، ومجاعات كارثية، وتدخلات اجنبية فاشلة وتدفقات للاجئين، ومئات الآلاف من الوفيات، فساد أدى إلى غياب مستمر حتى للخدمات ومؤسسات الدولة البدائية.
ويعيش الشعب الصومالي في بيئة خصبة ومواتية للافتراس والتهديدات المتفشية والحرمان، حيث يعني انعدام الأمن ضمن سلوكيات البقاء على قيد الحياة، مثل استخدام الفساد للحصول على الغذاء أو الدواء.
وضعف الدولة التي تدهورت بسبب الحرب والفساد واضح أيضا في النظام القضائي.
عندما يتزعزع استقرار الدولة، يتم تطبيق قانون الأقوى، ويمكن للأكثر فسادا الفوز بدعوى قضائية، حتى لو كان مذنبا.
هذا هو الحال في سوريا التي حصد المركز الثاني ضمن القائمة (مرتبطة بجنوب السودان)، حيث أدى تشابك الفساد والحرب الأهلية الرهيبة إلى تحويل النظام القضائي إلى غابة يفوز فيها أفضل القضاة الفاسدين.
وبطبيعة الحال، يؤدي الفساد إلى فقدان ثقة الجمهور في المؤسسات العامة، وتدمير أي اعتبار في النظام السياسي، مما يزيد من خطر الوقوع في العنف السياسي، كما رأينا في فنزويلا، التي تحتل المرتبة الرابعة، والتي وجدت نفسها على شفا حرب أهلية في السنوات القليلة الماضية.
… قتل الديمقراطية…
يؤدي الفساد إلى تدهور النظام الديمقراطي بطرق مختلفة: يتلقى الناس المال للتصويت لصالح السلطة، ويتم شراء اللجان الانتخابية لإعلان الاستفتاءات لصالح القادة الموجودين، ويتعرض المرشحون المستقلون للتهديد وحتى الاغتيال في بعض الأحيان …
وهكذا، فإن جنوب السودان، الذي يحتل المرتبة الثانية ضمن قائمة الدول الأكثر فساداً هو بمثابة كابوس ديمقراطي يؤرق مضجع الحكومة.
هذا البلد، المستقل الذي راء النور لأول مرة في العام 2011 والذي يصطلي بنيران الحرب الأهلية منذ العام 2013، هو مسرح لانتهاكات دائمة لحقوق الإنسان: الاعتقالات التعسفية والاحتجاز غير القانوني والتعذيب والقتل … ومع الحرب، يزداد انعدام الأمن ويزداد الفساد.
بالإضافة إلى ذلك، يلقي الفساد بظلاله على حرية الصحافة، ففي البلدان التي تحتل مرتبة سيئة للغاية من حيث حرية الصحافة، مثل كوريا الشمالية أو روسيا، حيث يتم نشر دعاية السلطات دون أدنى خلاف يتم صياغته في الفضاء العام، مما يسمح للخطاب العدواني للقادة بالانتشار ومضاعفة العدوان.
اليمن، الذي يحتل المرتبة الخامسة من قبل منظمة الشفافية الدولية، هو الأخر دمرته الحرب منذ العام 2014.
يعيش البلد في خضم صراع يغديه نقص المعلومات بسبب الصحافة بناء على طلب الجهات الفاعلة التي تسيطر على مناطق مختلفة من البلد.
تعرض منظمة مراسلون بلا حدود غير الحكومية الوضع العام في البلد على النحو التالي:
“وسائل الإعلام اليمنية مستقطبة من قبل مختلف الجهات الفاعلة في الصراع وليس لديها خيار سوى الامتثال للسلطات المعمول بها، اعتمادا على منطقة السيطرة التي تجد نفسها فيها، تحت طائلة العقوبات”.
… ويزيد من عدم المساواة الاقتصادية
وأخيرا، في دولة يسود فيها الفساد، يتم احتكار الثروة الوطنية من قبل أقلية صغيرة، يمكن تعريف الفساد فيها بأنه “استخدام السلطة الشخصية لأغراض خاصة ضد المصلحة الجماعية”.
عندما يسود الظلم الاجتماعي، تتطور التوترات الاقتصادية، مما يخلق أرضا خصبة ومواتية بشكل خاص للحرب الأهلية وهكذا تم تصوير جنوب السودان على أنه كليبتوقراطية – الكلِبتوقراطية أو حُكم اللصوص هي حكومة يستخدم قادتها الفاسدون السلطة السياسية للاستيلاء على ثروة شعوبهم، عادةً عن طريق اختلاس أو سرقة الأموال الحكومية على حساب عموم السكان لمصلحتها الخاصة على حساب الرفاهية العامة.
تاريخ هايتي مليء أيضا بالطغاة، مثل عائلة دوفاليية، الذين أنشأوا نظاما للافتراس الاقتصادي يهدف إلى إثرائهم على حساب سكانهم.
حلقة مفرغة
وفي النهاية، بدأت حلقة مفرغة تبدأ بالفساد، الذي ينطوي على توترات دائمة ثم صراعات، وبالتالي المزيد من الجرائم والحروب.
وكما يظهر أحدث مؤشر للفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، فإن البلدان الأكثر فسادا كلها غير مستقرة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، وإذا لم يكن الجميع في حالة حرب، فجميعهم، بطرق مختلفة، في أزمة عميقة.
وعلى مدار سنوات الصراعات، تم تدمير جميع مؤسسات الحكم، ويشجع انعدام الأمن على جميع أشكال الاتجار.
وبدون مؤسسات الرقابة، ينشأ شعور بالإفلات التام من العقاب ويصبح الفساد نظاميا.
إن انتشار الفساد يجعله قاعدة اجتماعية: “الإفساد هو السبيل الوحيد للبقاء على قيد الحياة”، ويمكن أن يُهتف في القلب سكان أكثر البلدان فسادا …
*(موقع “ذا كنفرزيشن-the conversation” الاسترالي، الناطقة بالفرنسية- ترجمة: أسماء بجاش، الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر و بالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع