السياسية- متابعات:

تأثرت البيئة الإعلامية الأوروبية في الأيام الماضية بقضية إرسال دبابات قتالية رئيسية للجيش الأوكراني والخلاف بين أمريكا والدول الأوروبية مع ألمانيا. ويحاول البعض ربط قضية معارضة ألمانيا لإرسال دبابات ليوبارد 2 للجيش الأوكراني بالخوف من المواجهة مع موسكو؛ لكن ما هي الحقيقة؟

 

محاولة أمريكا سرقة العملاء الألمان!

في العام الماضي، أعلن الجيش البولندي أنه سيقدم مناقصة لاختيار الدبابة الرئيسية في ساحة المعركة الجديدة من أجل إضافة عدة مئات من الدبابات الجديدة إلى أسطول البلاد المدرع. وقبل ذلك، كانت بولندا تستخدم دبابات T-72 القديمة التي خلفتها الحقبة السوفيتية السابقة ودبابات Leopard 2 المشتراة من ألمانيا؛ وكان البولنديون يمتلكون نسخة Leopard 2A5 من هذه الدبابة الألمانية الشهيرة، لكنهم كانوا يبحثون عن دبابة ذات قدرات أكبر ومناسبة للمعارك المستقبلية، وخاصة مع التهديد الكبير من الجيش الروسي على حدودهم الشرقية.

أخيرًا، دخل الألمان هذه المنافسة بالإصدار الجديد من دبابة Leopard2A7 +، وأمريكا مع دبابة M1A2 SepV3 Abrams، وكوريا الجنوبية مع دبابة K-2 PL المعروفة باسم “النمر الأسود”. وفي البداية، كان من المتوقع أن يختار البولنديون الإصدار الجديد من ليوبارد، والذي يعتبرون أنفسهم يستخدمونه، ولم يكونوا بحاجة إلى تدريب الطاقم ونقل مرافق الصيانة الجديدة، ولكن مع ضغط أمريكا على هذا البلد و التهديد بعدم الموافقة على إرسال أسلحة أخرى كانت بولندا قد أمرت بها، تم إقصاء ألمانيا من المنافسة.

ومن بين دبابتي أبرامز الأمريكية ودبابة K-2 الكورية، اختارت بولندا الأولى ووقعت أوائل العام الماضي عقدًا بقيمة 4.25 مليارات دولار لشراء 250 دبابة أبرامز جنبًا إلى جنب مع التدريب والدعم والذخيرة. وبالنظر إلى أن بولندا لديها برنامج أسلحة كبير جدًا في الاعتبار للعقد القادم، نجحت حكومة كوريا الجنوبية، التي خسرت في العطاء السابق، في توقيع عقد لبيع 1000 دبابة مع عرض سخي لنقل التكنولوجيا وبناء دبابة K-2 في بولندا (تتضمن إرسال 180 دبابة وإنتاج 820 دبابة في بولندا).

في هذه الأثناء، كانت ألمانيا هي الوحيدة التي لم تحصل على أي مزايا من عقد أسلحة الجيش البولندي. لكن مع اندلاع حرب أوكرانيا، أصبح من الواضح أن خطة واشنطن للسيطرة على سوق الأسلحة الألمانية في أوروبا ستستمر. وفي منتصف الحرب بين روسيا وأوكرانيا، فاز البنتاغون بموافقة الحكومة البولندية لإرسال أسطولها الاحتياطي من دبابات T-72 إلى الجيش الأوكراني؛ ومن ناحية أخرى، تعهدت الولايات المتحدة بالتبرع بـ116 دبابة احتياطية من طراز M1A1FEP لبولندا بقيمة 3.75 مليارات دولار.

ومنذ ذلك الحين، تسبب هذا الحادث في قلق كبير لألمانيا، والسبب الرئيسي لخوفهم من الموافقة على إرسال دبابات ليوبارد إلى أوكرانيا هو هذه القضية. إن الدول الأوروبية التي تستخدم دبابة Leopard 2 لديها ما مجموعه 2000 من هذا الدبابات. وتعتقد ألمانيا أنه نظرًا للاحتياطيات الكبيرة من دبابات أبرامز الاحتياطية في الولايات المتحدة، يجب أن ترسل هذه الدولة أولاً بعض أسطولها الاحتياطي إلى الجيش الأوكراني، ثم يرسل هذا البلد ومالكو دبابات ليوبارد الآخرين جزءًا من أسطولهم إلى أوكرانيا.

لكن واشنطن، بينما كانت تعارض هذه القضية، تحاول تشجيع الدول الأوروبية الأخرى على مواصلة الضغط على ألمانيا. وحتى أن بعض الدول مثل بولندا هددت بإرسال دباباتها Leopard 2 إلى كييف دون إذن ألماني. ولا تزال سلطات برلين تعلن أنه ليس لديها مشكلة في إرسال الدبابات إلى الجيش الأوكراني، ولكن بشرط ألا تسعى أمريكا لبيع دبابات أبرامز إلى الدول التي تشتري من ألمانيا بعد إرسال دبابات ليوبارد إلى أوكرانيا.

ولقد صرح وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس بأنه لا يوجد ما يدعو للسرور في إمداد أوكرانيا بالدبابات، وبأنه لا يفهم أولئك الذين هم مستعدون للصراخ ابتهاجا بحقيقة إرسال الدبابات الآن. وحسب تصريح الوزير الألماني قال: “نحن نتحدث عن استخدام التكنولوجيا في العمليات القتالية”، وتابع معربا عن تفهمه تماما “لمخاوف كل رجل وامرأة بشان إرسال دبابات قتالية إلى منطقة حرب” وكانت الحكومة الألمانية قد أعلنت يوم أمس عن إرسالها 14 دبابة “ليوبارد-2” من مخزون القوات المسلحة الألمانية، وعن إصدارها تصاريح لتصدير تلك الدبابات من دول ثالثة، فيما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية يوم أمس الأربعاء أيضا عن عزمها نقل 31 دبابة أمريكية من طراز “أبرامز” إلى كييف، ثم أعلنت وزارتا الدفاع في النرويج وسلوفاكيا عن نيتهما نقل دبابات إلى أوكرانيا، وكذلك أعلنت سلطات كل من بريطانيا وفرنسا وبولندا بتزويد كييف بالدبابات.

من جانبه، وصف السفير الروسي في ألمانيا سيرغي نيتشايف قرار برلين إرسال دبابات إلى سلطات كييف بأنه “خطير للغاية”، وبأنه “ينقل الصراع إلى مستوى جديد من المواجهة”، وقال السفير الروسي في واشنطن، أناتولي أنطونوف في وقت سابق إن القوات الروسية ستدمر دبابات “أبرامز” الأمريكية وكل المعدات الأخرى التي سيوفرها حلف “الناتو” لأوكرانيا

ومن جهته، قال رئيس الوزراء البولندي يوم الاثنين 01/23 إن حكومته ستطلب من ألمانيا الموافقة على إرسال دبابات ليوبارد إلى أوكرانيا، مضيفا إنها تعتزم إرسالها سواء وافقت برلين أم لا. وترغب حكومة كييف في الحصول على الدبابات ليوبارد 2 ألمانية الصنع لاختراق الخطوط الروسية واستعادة الأراضي هذا العام. وواجهت برلين، التي يجب أن توافق على إعادة تصدير الدبابات ليوبارد، ضغطا أيضا خلال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل. وقال وزير خارجية لاتفيا “ليست هناك أي حجج مقبولة” لعدم توفير الدبابات القتالية. وهيمنت المسألة على أحدث المناقشات بين الحلفاء الغربيين حول حجم ونوع المساعدة التي ينبغي عليهم تقديمها لأوكرانيا مع قرب حلول الذكرى السنوية الأولى لبداية الغزو الروسي.

وقال رئيس الوزراء البولندي ماتيوش مورافيتسكي، الذي تقع بلاده بجوار أوكرانيا، إن وارسو ستطلب موافقة ألمانيا على إعادة تصدير الدبابات إلى أوكرانيا. لكنه أضاف “حتى لو لم نحصل على هذه الموافقة… سنمضي في نقل دباباتنا مع آخرين إلى أوكرانيا. الوضع بالنسبة لنا في الوقت الحالي هو تكوين تحالف ولو صغير من الدول”. وبدا أن وزيرة الخارجية الألمانية تركت الباب مفتوحا أمام الموافقة على مثل هذه الشحنات أمس الأحد عندما قالت إن برلين لن تقف في طريق بولندا إذا أرادت إرسال الدبابات.

ويُعتقد أن أوكرانيا وروسيا تخططان لهجمات في الربيع لكسر الجمود في الصراع الذي تحول إلى حرب استنزاف في شرق وجنوب أوكرانيا. ويتركز القتال حاليا في بلدة باخموت في الشرق حيث تستمر المعركة بين مقاتلين من شركة فاجنر العسكرية الروسية الخاصة والقوات الأوكرانية. وفي غضون ذلك، يواجه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي فضيحة فساد يمكن أن تضعف دعم الغرب لحكومته. وذكرت إحدى الصحف أن الجيش الأوكراني يُشتبه في قيامه بتأمين المواد الغذائية بأسعار مبالغ فيها جدا، واستقال نائب وزير بعد تحقيق في اتهامات بأنه قبل رشوة.

 

هل دبابات ليوبارد في الطريق؟

يناشد المسؤولون الأوكرانيون الحلفاء الغربيين منذ شهور لإمدادهم بدبابات ليوبارد. وأحجمت ألمانيا حتى الآن عن إرسالها وتقول إن هناك دولا أخرى في حلف الأطلسي لم تطلب رسميا بعد إعادة تصديرها. وبعد تقدم أوكرانيا في النصف الثاني من عام 2022، لم تشهد الخطوط الأمامية أي تطورات تذكر لشهرين، على الرغم من تكبد الجانبين خسائر فادحة.

وتقول كييف إن الدبابات الغربية ستمنح قواتها البرية القدرة على التقدم والحماية والقوة العسكرية لاختراق الخطوط الدفاعية الروسية واستئناف التقدم. وكتب أندريه يرماك مدير مكتب الرئاسة الأوكرانية على تطبيق تلغرام “نحتاج دبابات، ليس عشرة أو عشرين، بل عدة مئات… هدفنا (استعادة) حدود عام 1991 ومعاقبة العدو الذي سيدفع ثمن جرائمه”.

وتعهد الحلفاء الغربيون بتقديم أسلحة بمليارات الدولارات لأوكرانيا الأسبوع الماضي لكنهم فشلوا في إقناع ألمانيا بالالتزام بالسماح بالإمدادات من الدبابات ليوبارد. وفي تحول واضح في موقف ألمانيا، قالت وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك الأحد إن حكومتها لن تمنع بولندا إذا حاولت إرسال الدبابات ليوبارد. ولدى وصولها إلى بروكسل اليوم، أحجمت بيربوك عن الإدلاء بتوضيح بشأن التعليقات أو الكشف عما إذا كانت تتحدث نيابة عن الحكومة بأكملها. وقالت إنه من المهم “بذل كل ما في وسعنا للدفاع عن أوكرانيا”.

ويقول الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي ينتمي إليه المستشار الألماني أولاف شولتس، إنه يجب على الغرب تجنب التحركات المفاجئة التي قد تؤدي إلى تصعيد الحرب. لكن عددا من الحلفاء يرفضون هذا الموقف قائلين إن روسيا مستمرة بالفعل بشكل كامل في هجومها على أوكرانيا.

  • المصدر: الوقت التحليلي
  • المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع