الهدنة إلى الواجهة: ماذا يجري خلف الأبواب السعودية-الاميركية المغلقة؟
السياسية:
مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2022، حذّرت الولايات المتحدة من “هجوم إيراني وشيك” على السعودية. فيما كان لافتاً ان واشنطن لم تقم بتحذير رعاياها داخل المملكة، وزعمت على لسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها، نيد برايس، انه في حال توافر “معلومات موثوقة عما قد يمثل تهديداً محتملاً للرعايا الأميركيين، سنتبع كل الالتزامات بموجب تلك السياسة”. مشدداً على ان بلاده ملتزمة بحماية حلفائها في الشرق الأوسط. اليوم، بعد قرابة شهرين، لم يحدث أي هجوم، و يبدو أنه لن يحدث مستقبلاً أيضاً. وفي الوقت الذي ننتظر به ما ستؤول إليه مساعي سلطنة عمان في تقريب وجهات النظر بين صنعاء والرياض، ومستجدات الحوار السعودي- الإيراني، على ضوء الموت السريري للاتفاق النووي، يبقى السؤال الأول الذي يطرح حالياً: ماذا أرادت واشنطن من ذلك التحذير؟ وكيف سيلقي التقارب الحذر بظلاله على الساحة اليمنية؟
مفاوضات إيجابية: الاتفاق لم يكتمل بعد
غادر الوفد العماني صنعاء بعد جولة من اللقاءات، وصفها مستشار رئيس المجلس السياسي الأعلى للشؤون الدبلوماسية، السفير عبد الاله حجر، في حديث خاص لموقع “الخنادق”، بـ “الإيجابية”. مشيراً إلى ان “الوفد العماني حمل كل ما وضعه الجانب الوطني بما يخص الجانب الإنساني، وجاء ليبلغنا بردود أفعال الطرف الآخر، ويبدو ان هناك إجراءات تسهل الخروج باتفاق يحقق لنا جميع ما نريده ويحقق للطرف الآخر بعضاً من ماء الوجه”.
وعن التفاؤل الحذر الذي يخيّم على أجواء المفاوضات، يقول حجر، بأن “الجدية ليست فقط بموقف السعودية بل بموقف العالم الذي بات يعلم ان ما نقوله نفعله، وان تحذيرنا مبني على إصرار كامل لانتزاع حقوقنا سواء عبر الطرق السلمية او بالطرق الأخرى”.
وفيما كثر الحديث عن اتفاق مَعني بصرف الرواتب وفق كشوفات عام 2014، يؤكد حجر، في حديثه لموقع “الخنادق”، على ان “صنعاء تصر على جميع البنود، الرواتب وفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة وهي مطالب متعلقة بالشعب اليمني وليست لجهة معينة”. مضيفاً ان “الطرف الآخر ملزم بتلبية هذه الطلبات، والا فسيكون الخيار الآخر هو خيار كارثي على جميع المعتدين… وان أي عمل عسكري في المنطقة سيؤدي إلى كارثة ليس فقط على اليمن إنما على المنطقة ككل خاصة بما يتعلق بإمدادات النفط وبخطوط الملاحة البحرية”.
كيف تغير الموقف السعودي-الأميركي؟
تكتمٌ شديد يلف المستجدات المحيطة بعملية التفاوض. فبالتوازي مع ورود معلومات حول موافقة سعودية على مطالب صنعاء، لم تتكشّف بعد بنود الاتفاق الكاملة، التي حافظت خلالها الرياض على بعض من ماء وجهها. ويطرح سؤال آخر: ما الذي دفعها لاتخاذ هذه الخطوة بعد أشهر من المماطلة والرفض؟
ثمة من يعتقد بأن هناك عدداً من العوامل ساهمت في تعبيد المسار الإيجابي، تتعلق بنضوج التوقيت الإقليمي المتعلق بالمحادثات السعودية – الإيرانية، ومستجدات العلاقات السعودية – الأميركية واستمرار الحديث عن إمكانية إحياء الاتفاق النووي الذي استُبعد عن قائمة الأولويات، طيلة الفترة الماضية.
كانت العلاقات ما بين الرياض وواشنطن، محور الاهتمام الدولي منذ وصول الرئيس الأميركي، جو بايدن إلى البيت الأبيض، وما حملته العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا من تداعيات عمّقت الهوة بين الجانبين. ما ألقى بظلاله الثقيلة على الساحة اليمنية، حيث ترجمت الخلافات “بازاراً” سياسيّاً ودبلوماسيّاً، يبتز به كل طرف، الطرف الآخر.
أخيراً، سجل عدد من المؤشرات التي تشي بركود المياه بين الطرفين، من جهة، بجهد سعودي-أميركي متبادل، ولو بطريقة غير مباشرة، وبين الأفرقاء الإقليميين، من جهة أخرى. ويمكن قراءتها بالتالي:
-تصريح وزير الطاقة السعودي، عبد العزيز بن سلمان، بأن بلاده سوف تبدأ باستخدام يورانيوم محلي المصدر لبناء قوتها النووية، دون ان يُقدم على ذكر أيّ تفاصيل أخرى. وهي أحد الشروط السعودية “للتطبيع”، والتي نقلها وزير الخارجية، عادل الجبير إلى مسؤولين أميركيين مطلع كانون الأول/ ديسمبر عام 2022. ما قد يشي بأن هناك ما بُحث بهذا الامر أخيراً.
-تأكيد رئيس الناطقين الرسميين باسم المفوضية الأوروبية للشؤون الخارجية، بيتر ستانو، أنّ الاتفاق النووي الإيراني ما زال حيّاً والمفاوضات بين جميع أطراف خطة العمل الشاملة المشتركة مستمرة”.
-إشارة الصحفي الإسرائيلي إنريكي تسيمرمان، لموقع “آي نيوز 24” الإسرائيلي، بأن الرياض تطالب واشنطن ان تعتبرها “حليفاً استراتيجياً، وأن تعاود بيعها الأسلحة المتطورة، وعلى رأسها مقاتلة “F-35” الأكثر تطوراً في العالم”، مما يسهل التطبيع السعودي- الإسرائيلي، الذي “بات أقرب من أي وقت”، على حد قوله.
وتشير مجلة Responsible Statecraft الأميركية، إلى عدد من الأحداث التي أحبطت سياسة “التهديد” التي كانت الإدارة الأميركية تنتهجها قبيل الانتخابات النصفية للكونغرس. معتبرة انه “بعد انتهاء الانتخابات، اختفت كل الإشارة إلى محاسبة محمد بن سلمان، وفي الواقع يبدو أن بايدن الآن يلبي احتياجاته”.
ويقول الدكتور في جامعة شيكاغو، دانيال لاريسون، -كاتب التقرير- ان “الإدارة ذهبت إلى حد الضغط ضد قرار جديد يتعلق بأفرقاء الحرب في اليمن، والذي كان من الممكن أن يفرض إنهاء الدعم الاستخباراتي الأميركي المتبقي لحملة الحكومة السعودية… لكنها لم تفعل”. ويبرز ذلك من خلال مزاعم التهديد الإيراني الوشيك، الذي لم يحدث، ولن يحدث، يضيف لاريسون.
وكان لافتاً، ما نقله عن بعض المسؤولين الاميركيين، الذين اعتبروا -بخلاف ما قاله وكيل وزارة الدفاع للسياسة، كولن كال، بأن جمع المعلومات الاستخبارية السريع حال دون الهجوم-، ان هناك تفسير آخر، وهو أن الحكومتين السعودية والأميركية بالغتا في تقدير التهديد المحتمل للمملكة لتحويل الانتباه بعيدًا عن الخلاف في العلاقة بينهما.
وتعتبر النقطة المحورية في جدلية التزويد العسكري الأميركي للسعودية، قاعدة الأمير سلطان الجوية، وهي بؤرة استيطانية صحراوية جنوب الرياض تتكون من مبانٍ وخيام. قاوم مسؤولو إدارة بايدن سحب صواريخ باتريوت من هذه القاعدة السعودية، قائلين إنها ضرورية لحماية القوات الأميركية المقيمة هناك.
قامت المقاتلات النفاثة السعودية بمهام العام الماضي مرافقة القاذفات الأمريكية بعيدة المدى عبر مجالها الجوي الوطني، مما يساعد الجيش الأميركي على مشروع القوة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. تم تشغيل المرافقات B-52 جزئيًا من قاعدة الأمير سلطان الجوية قبل وبعد قرار أوبك + في تشرين الاول/أكتوبر. ومن المتوقع أن تستمر هذا العام.
وبحسب نائب مدير القوات الجوية للتعاون الأمني في الشرق الأوسط تريسي جونز، إن مهام التدريب الروتينية هذه تساعد كلا الجانبين في معالجة العمليات الجوية…استعدادنا لتنفيذ تلك المهمة لم يتغير”.
* المصدر: الخنادق
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع