السياسية:

عادت آلة إعدام المحكمة السعودية بأقصى سرعة وفي خضم الجهل الدولي بما يجري في سجون آل سعود الرهيبة، التي كل يوم تسحق المزيد والمزيد من المعارضين تحت رؤوس القمع. وبالنظر إلى الطبقات الأساسية لهذا القمع المنهجي، يمكننا أن نرى أن عمليات الإعدام مرتبطة بمجموعة متنوعة من الأهداف السياسية، والمنافسات الجيوسياسية، والتعقيدات الأيديولوجية والعرقية والقبلية الغامضة، وحتى اعتبارات ترتبط بعلاقات القوة داخل الأسرة الحاكمة.

عمليات الإعدام

من أهم المكونات المؤثرة في فئة الإعدامات في المملكة العربية السعودية دورها في تشكيل نوع العلاقات بين الحكومة والمجتمع. حيث تخلق القوانين السعودية مجموعة واسعة جدًا من الجرائم التي تخضع لعقوبة الإعدام، والتي تعمل على إعادة إنتاج الحكم الأسري على المجتمع. ووفقًا للقوانين السعودية، فإن عقوبة الإعدام تنطبق على جرائم مثل القتل العمد والمخدرات والردة والسحر والإرهاب وما إلى ذلك. ونظرًا لأن القانون السعودي غير مقنن إلى حد كبير، فإن للقضاة سلطة تقديرية واسعة في سن القوانين بناءً على تفسير محدد وأيديولوجي للشريعة الإسلامية. ويحدد التفسير الرسمي ثلاث فئات من الجرائم الخاضعة للإعدام، وفي جميع الحالات الثلاث، لا يوجد فرق بين الأحداث والبالغين. أولاً، تشير الحدود – المعروفة أيضًا بالجرائم القرآنية – إلى الجرائم التي ينص القرآن أو الحديث على عقوبات محددة لها، مثل اللصوصية أو التجديف أو اللواط. وغالبًا ما يُعاقب على هذه الجرائم بالإعدام.

والفئة الثانية هي الجرائم الانتقامية كأمثلة على الانتحار، وأخيراً، جزء كبير من قوانين التنفيذ السعودية المتعلقة بالفئة الثالثة هو التعزير، والذي يمكن اعتباره قانونًا اختياريًا بناءً على تفسير الحكومة. في الواقع، يمكن للحكام السعوديين التشريع خارج الفئات المحددة في القرآن والحديث، مثل قانون الاتجار بالمخدرات والإرهاب، الذي ينص على أحكام الإعدام للمدانين. وفي غضون ذلك، كان تعريف الحكومة للإرهاب دائمًا مصحوبًا بدوافع سياسية قمعية ومخيفة لإبقاء الجو السياسي للمجتمع مغلقًا، حيث يتم سجن المعارضين السياسيين للحكومة أو إعدامهم بهذه التهمة.

ومن ناحية أخرى، من خلال اللجوء إلى أيديولوجية دينية محددة تقوم على التفكير التكفيري (الوهابي)، فتحت الحكومة يدها لتوسيع نطاق إصدار عقوبة الإعدام في حدود الشريعة. وأصبح السعي وراء مشاركة المواطنين في مجال الشؤون الاجتماعية والسياسية أمر غير مسموح به. وهذا بدوره يكشف عن تناقض كبير، حيث أكدت الحكومة السعودية في عهد بن سلمان على الانتقال من التحالف طويل الأمد للمؤسسة السياسية (آل سعود) والمؤسسة الدينية (آل الشيخ). وقد أرسى الأساس لتعزيز الحريات الاجتماعية، ولكن في مجال التشريع، وكدعم للحريات السياسية والمدنية للمواطنين، تستمر نظرة الحكومة الفعالة للفكر الوهابي.

المنافسات الجيوسياسية

يعود العامل الأساسي الآخر في مناقشة الإعدامات في المملكة العربية السعودية إلى التسوية الدولية للحسابات والمنافسة الإقليمية لحكومة آل سعود في مجال السياسة الخارجية. ومن بين الذين تم إعدامهم في السعودية، الأجانب، وخاصة العمال المهاجرين الفقراء، وهم يمثلون دائمًا جزءًا كبيرًا من الإحصائيات. ووفقًا للإحصاءات التي نشرتها جامعة أكسفورد، كان 90 على الأقل من 184 شخصًا أُعدموا في عام 2019 من الأجانب. ووفقًا للإحصاءات نفسها، في السنوات الخمس التي سبقت عام 2021، كانت أسماء الذين أُعدموا من 26 جنسية على الأقل، 126 من باكستان (35٪)، و62 من اليمن والباقي من دول أخرى من آسيا وأفريقيا. وجزء من سبب هذه القضية هو عدم وجود قوانين مقننة لحماية حقوق الأجانب في هذا البلد.

ودعت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان السلطات السعودية إلى اعتماد قرار رسمي بوقف تنفيذ أحكام الإعدام في الجرائم المتعلقة بالمخدرات. منذ 10 تشرين الثاني/نوفمبر، أعدِم 17 رجلا بسبب ما وصف بجرائم المخدرات والممنوعات – آخر ثلاثة إعدامات نُفذت يوم الاثنين. وفي تصريحات من جنيف، قالت المتحدثة باسم مفوضية حقوق الإنسان، ليز ثروسيل، إنه على مدار الأسبوعين الماضيين، نُفذت عمليات إعدام بشكل شبه يومي في المملكة العربية السعودية، بعد أن أنهت السلطات تجميدا غير رسمي استمر لمدة 21 شهرا على استخدام عقوبة الإعدام على الجرائم المتعلقة بالمخدرات.

ومن تم إعدامهم حتى الآن: أربعة سوريين وثلاثة باكستانيين وثلاثة أردنيين وسبعة سعوديين. وبما أن عمليات الإعدام لا يتم تأكيدها إلا بعد حدوثها في المملكة العربية السعودية، فليس لدى المفوضية أي معلومات عن عدد الأشخاص الذين ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام فيهم وكانت السعودية قد سجلت أرقاما قياسية خلال السنوات العشر الماضية، حيث أعدمت منذ العام 2013 حتى أكتوبر 2022، أكثر من 1100 عملية إعدام، أكثر من 990 منها نفذ في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز الذي بدأ مطلع 2015. وقالت المنظمة إن استمرار الحكومة السعودية في إصدار وتنفيذ أحكام الإعدام وارتفاع حدة استخدام هذه العقوبة تزامن مع سلسلة من الوعود الرسمية التي صدرت خلال السنوات الماضية والتي كان من المفترض أن تقلل منها:

وفي أبريل 2018، قال ولي العهد محمد بن سلمان في مقابلة مع صحيفة التايم أن هناك عملا على بناء قوانين جديدة لخفض الإعدام بشكل كبير. وفي أغسطس 2018 أقرت السعودية قانون الأحداث الذي أوقف إصدار أحكام القتل التعزيرية بحق القاصرين. وفي 24 مارس 2020 صدر أمر ملكي بإيقاف تنفيذ كل أحكام الإعدام تعزيراً بحق القاصرين، وتقليص كل أحكام الإعدام الصادرة بحق القاصرين إلى 10 سنوات. وفي يونيو 2020 رفع أحد أعضاء في مجلس الشورى توصية بإلغاء عقوبة الإعدام في جميع العقوبات التعزيرية والاكتفاء بعقوبات الحدود، بما يتناسب مع “الشريعة الإسلامية” وتفسيراتها المتبعة في السعودية. وفي يناير 2021 قالت هيئة حقوق الإنسان الرسمية في بيان أن السعودية اعلنت الوقف المؤقت لأحكام القتل بجرائم تتعلق بالمخدرات. وفي 3 مارس 2022 وفي مقابلة مع صحيفة ذا اتلانتيك، اعتبر بن سلمان أن عقوبة الإعدام باتت تقتصر على الحالات التي يقتل فيها أحد شخصا آخر.

ولكن من ناحية أخرى، يتم الزج بالعديد من السعوديين في الصراعات الجيوسياسية. وعلى سبيل المثال، كانت سياسة إعدام الشيعة من قبل حكومة آل سعود في خضم حرب اليمن وزيادة التوترات مع إيران أكثر وضوحًا مما كانت عليه في الماضي، لذلك لم يسلم أطفال الشيعة من هذا الانتقام. وإعدام رجل الدين الشيعي البارز الشيخ نمر عام 2016، هو الأمر الذي أثار غضب شيعة هذا البلد والمنطقة، أو إعدام 81 سجينًا شيعيًا هذا العام، بعضهم لم يبلغ حتى سن الرشد، وكان سبب سجن الفلسطينيين القريبين من تيار المقاومة في السعودية، وكذلك إعدام وسجن اليمنيين، هو الانتقام للتعويض عن الإخفاقات في مجال المنافسة الإقليمية.

اعتبارات القوة

عنصر وجودي آخر يمكن التحقيق فيه فيما يتعلق بظاهرة الإعدام في المملكة العربية السعودية هو الاعتبارات السياسية والعرقية والقبلية. وبادئ ذي بدء، على الرغم من أن القضية التاريخية لمنافسات السلطة في الأسرة السعودية قد ارتبطت أحيانًا بتوترات دموية وانقلابات ومؤامرات سياسية خفية، وما إلى ذلك، فقد صدر حكم الإعدام بحق أمراء الأسرة الحاكمة (بما في ذلك عائلات من (الفيصل أو عائلة السديريين والسنيان والجيلاوي والكبير) وارتكاب هذه الأفعال نادراً ما يحدث. بينما تواجه الشخصيات من خارج العائلة المالكة خطر إصدار حكم بالإعدام مع إجراءات أقل بكثير.

* المصدر: الوقت التحليلي
* المادة الصحفية: تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع