هل الحقد وعدم الولاء سمات رؤساء وزراء بريطانيا تجاه من يخلفهم؟
توقيع بوريس جونسون وليز تراس تعديلاً متمرداً، ينذر بالسوء للرجل الجديد في "داونينغ ستريت"
جون رينتول*
تساءلت في مقالتي السابقة عن سبب عدم الاستقرار السياسي الذي تمر به المملكة المتحدة إلى الحد الذي شهدنا به ثلاثة رؤساء وزراء هذه السنة. ولم يكد يتم نشرها حتى أكد بوريس جونسون وليز تراس أن جزءاً من التفسير يتمثل في انهيار الانضباط ضمن نواب حزب “المحافظين” في البرلمان.
رئيسا الوزراء السابقان وقعا على تعديل لـ”مشروع قانون تحسين أوضاع المناطق وإحيائها” Levelling-up and Regeneration Bill الذي يسمح للسلطات المحلية بمنح إذن بالتخطيط لوضع توربينات الرياح [المولدة للكهرباء] على الشواطئ. إنه بالطبع “أمر جيد” للغاية، حتى إنه كان “لمن السيئ” أن يتم حظر نصب هذه التوربينات على البر إلى حد ما منذ عام 2015، عندما استسلم [رئيس الوزراء حينها] ديفيد كاميرون لأعضاء حزب “المحافظين” في البرلمان، الذين لم يرغبوا في أن يتم نصبها في الحدائق الخلفية لناخبيهم.
لكن إذا وضعنا جانباً للحظة، المزايا الموضوعية التي تنطوي عليها المبادرة، فإن ما يميز توقيعي جونسون وتراس على هذا التعديل هو عدم الولاء. فبالنسبة إلى جونسون، يتفاقم الجرم بسبب نفاقه، فهو رئيس الوزراء الذي تولى السلطة في المرحلة الأخيرة وأبقى على الحظر الذي فرضه كاميرون على توربينات الهواء، وبعد أن خرج من منصبه الآن، قرر أن من تولى رئاسة الحكومة في الفترة الممتدة ما بين عام 2019 والسنة 2022 [والذي هو نفسه] كان ينبغي عليه حقاً أن ينقض الحظر.
أرى أن هذا التعديل لن يسفر عن شيء، فقد أشارت مصادر حكومية إلى أن مايكل غوف وزير الإسكان والمجتمعات وتحسين أوضاع المناطق، بدأ العمل بشكل بناء مع زملائه في مجلس النواب على بلورة مشروع القانون بشكل دقيق وصحيح. وهذا يعني أن الحكومة نفسها ستجري على الأرجح تعديلاً لمشروع القانون، للسماح بإقامة توربينات الرياح حيث توجد موافقات محلية عليها، ويمكن للجميع إجراء نقاشات لا نهاية لها في شأن تقييم تلك الموافقات المحلية.
من هنا فإن مغزى التعديل المطروح يكمن في ما يقوله عن وحدة حزب “المحافظين”، فقد اقترحه سايمون كلارك النائب “المحافظ” عن دائرة “ستوكتون أون تيز”، الذي كان بوريس جونسون قد رقاه، ومن ثم مع ليز تراس (كان وزيراً للإسكان والمجتمعات وتحسين أوضاع المناطق في حكومة التي لم تعمر أكثر من سبعة أسابيع في “10 داونينغ ستريت”)، لكن كلارك أصبح الآن على المقاعد الخلفية في البرلمان (حيث يجلس النواب الذين لا يتولون وظيفة حكومية). وهو – بحسب سام فرانسيس من “بي بي سي” – يجلس على تلك المقاعد إلى جانب 51 في المئة من نواب حزب “المحافظين” الذين كانوا وزراء سابقين، بمن فيهم، على غير العادة، ثلاثة رؤساء وزراء سابقين.
وكلما طال بقاء الحزب في الحكومة، زاد عدد الوزراء السابقين على مقاعده الخلفية. إلا أن هذا ينبغي ألا يعني بالضرورة أن الحكومة تعاني مزيداً من حالات التمرد البرلمانية، لكنها في الواقع تعاني، فقد كان ريشي سوناك حريصاً على محاولة تحقيق توازن بين القوى الحزبية في تشكيل حكومته، مدركاً أن المحرومين سيبحثون عن فرص لإثارة المتاعب له في مرحلة ما، لكن لا بد من أنه كان يأمل في قيام هدنة تدوم لأكثر من 30 يوماً.
يمكن القول إن بوريس جونسون وليز تراس ليسا حالتين فريدتين لجهة عدم الولاء بين رؤساء الوزراء السابقين لحزب “المحافظين”، فقد كان تيد هيث مستاءً من رئيسة الوزراء الراحلة مارغريت تاتشر. وكانت تاتشر غير مؤيدة لحقبة رئيس الوزراء الأسبق جون ميجور، الأمر الذي أثار انقسامات داخل الحزب في ما يتعلق بأوروبا. وكان ميجور وقحاً تجاه بوريس جونسون. أما رئيس الوزراء الأسبق ديفيد كاميرون فكان الاستثناء الأخير والنموذج عن المسؤول الأول الذي يتحلى بضبط النفس، في حين أن رئيسة الحكومة السابقة تيريزا ماي ظلت تنتقد بين حين وآخر حكومة جونسون، لكنها انتظرت أكثر من 30 يوماً قبل أن تبدأ بكيل تلك الانتقادات له.
إلا أن هذه الحركة ليست كلها في اتجاه واحد. فرئيس الوزراء الراهن ريشي سوناك ووزير الخزانة جيريمي هانت كانا صريحين في انتقاد “الأخطاء” التي ارتكبتها ليز تراس ووزير خزانتها كوازي كوارتينغ. وفي حفل توزيع جوائز مجلة “سبيكتيتور” Spectator (التي تمنح سنوياً للمبتكرين في مجال الاقتصاد) هذا الأسبوع، سخرت وزيرة التجارة الدولية كيمي بادينوك من جونسون، وشبهته بالشرير “ثانوس” Thanos في عالم “مارفل” Marvel (شخصية خيالية لأمير حرب أجنبي من كوكب محكوم عليه بالفشل، يحاول تنفيذ إبادة جماعية في المجرات الكونية).
وفيما تم إطلاق لقب “وزيرة مراقبة” على بادينوك، قالت، “اعتقدت أنني قد أستقيل في وقت ما هذه السنة، لكن الاستقالة كانت من نصيب شخص آخر أكثر استحقاقاً لها. أما بالنسبة إلى الذين هم بينكم من عشاق “مارفل”، فقد كان الأمر حقاً أشبه بـ”حماة الأرض” Avengers Assemble (الأبطال الخارقين في مسلسل الرسوم المتحركة الأميركي). وكان ساجد جاويد الوزير الأسبق للخزانة، “كابتن أميركا” Captain America (بطل خارق في السلسلة نفسها) الذي قال: “حان الوقت للقضاء على “ثانوس”. وقد قمنا بذلك””.
بالطبع كانت تلك مزحة، تماماً كما التعليقات غير الواقعية لجيريمي هانت لدى تلقيه لقب “الناجي الأكبر لهذه السنة” Survivor of the Year، في ما يتعلق بتراس وطلبها صبغ ورق الجدران الذهبي الذي كان قد وضعه جونسون في “داونينغ ستريت”، لكنهم جميعاً يبدون وكأنهم حزب يتخبط مع نفسه. ويعد تعديل “مشروع قانون تحسين أوضاع المناطق” بمثابة قشة أخرى في ظهر موضوع توربينات (الشواطئ).
الصورة الراهنة تتمثل في رؤساء وزراء سابقين يذكون شرارة تمردات برلمانية، ووزراء مقررين في الحكومة يلقون بنكات على رؤساء وزراء سابقين، فيما بدأ نواب “محافظون” يعلنون عن نيتهم الاستقالة. ويمكن قراءة كل من تلك المواقف على حدة. إنه تعديل حساس، وكانت مجرد مزحة، وهناك أسباب كثيرة لانسحاب نواب. إلا أن هذه القشات القاصمة للظهر جميعها تشير إلى أن الطقس السياسي يتغير، ولن تجري رياحه بالضرورة بما تشتهي الحكومة.
المصدر : اندبندنت عربية
المادة الصحفية تعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع