معا لتصحيح ثقافتنا وتاريخنا الإسلامي (6)
لقد كان في قصصهم عبرة --- نوح عليه السلام ونهاية مرحلة الدعوة لله
د. يوسف الحاضري
ومع ذلك ورغم كل ذلك الطغيان والظلم استمر نوح وهذه الاستمرارية تعكس مدى إيمانه بعبوديته لله وبأنه عبد يعمل دون كلل ولا ملل مهما طالت المدة او قصرت أو اشتدت او أرخت.
مضت مدة دعوة نوح لقومه البالغة 950 سنة ومر عليه عشرات الأجيال (950÷30 نسبة عمر الجيل الواحد) حوالي (31 جيلا) وفي نهاية المطاف لم يؤمن معه الا عشرات منهم وصفهم الله بقوله (وما آمن معه إلا قليل) كحصيلة تراكمية لهذه الفترة الزمنية التي يجب ان نستشعرها وجدانيا وفكريا كيف لهذا الإنسان ان يستمر في مهمة واحدة هذه المدة وكيف له ان يعيش مع الآباء ثم ابناءهم ثم ابناء ابناءهم ل33 او اكثر من السلالة رغم ان الكثير منهم رفضوا جيلا بعد جيل وتصدوا له ايضا ومع ذلك لم يدع عليهم او تثنى عزيمته او يستكين او يتهاون او حتى يضعف بل كانت عزيمته ترتفع أكثر يوما عن يوم (كما هي أساسا نفسية الصالحين في مسألة الارتقاء) وهنا نجد الفارق الكبير بين نبيين عظيمين هما نوح ويونس في موضوع العزم ومنها العزيمة لذا نجد نوحا من أولي العزم عكس يونس وأيضا آدم الذي قال عنه الله ( ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما)، لذا وصف الله قوم نوح بأنهم اشد ظلما وطغيانا من بقية الأقوام بقوله تعالى (وقوم نوح من قبل انهم كانوا هم أظلم وأطغى)، ومع ذلك ورغم كل ذلك الطغيان والظلم استمر نوح وهذه الاستمرارية تعكس مدى إيمان نوح بعبوديته لله وبأنه عبد يعمل دون كلل ولا ملل مهما طالت المدة او قصرت أو اشتدت او أرخت وأيضا يعكس مدى الصبر المرتبط بالعمل الذي يجب ان نستشعر هذه النفسية في كل اعمالنا وأحوالنا وألا نصاب بالأحباط والضيق بمجرد حصول ضرف طارئ او عرقلة ما بل ندرك تماما ان الله يستحق ان نفني كل لحظاتنا وايامنا وعمرنا في سبيله عبودية له .
استمر نوح 950 سنة أي ما يقارب 345000 يوما نهاره ومساءه (قال رب اني دعوت قومي ليلا ونهارا) وكان لديه الإيمان الكامل لان يستمر أيضا 9500 سنة ايضا لو لم يعلمه الله بأن استمراره بعد هذه المدة أصبحت غير ذات جدوى وبدون أي فائدة حتى لو انتظرت يا نوح للجيل ال100 بعد هؤلاء فلن يؤمن بك أي احد ابدا ( وأوحي إلى نوح انه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) سواء هؤلاء او حتى اصلابهم وابناء ابناءهم جيلا بعد جيل فخشي نوح على المؤمنين من إضلال الكافرين لهم لأن الكافرين سيزدادون كثرة والمؤمنين سيتقلصون اما بنسبة الايمان المواليد للكفر او بسعي الباطل لإضلال المؤمنين وهنا ادرك نوح ان هؤلاء الكافرين لم يعد لوجودهم في الحياة أي فائدة وفقا لحكمة الله في الخلق (إني جاعل في الأرض خليفة) بل ان بقاءهم لن يفيد الا الشيطان نفسه ليواصل تلذذه بهؤلاء الضالين وايضا أستخدامهم في مهمته الشيطانية ضد الحق والخير، لذا وجد نوح انه لا مفر من الدعوة عليهم لإهلاكهم طاعة لله وكوسيلة ضمن وسائل الدعوة لله الهادفة الى تحقيق الهدف من الأستخلاف في الأرض لذا توجه إلى الله بالدعاء ولكن قبل الدعاء رفع أعظم تقرير عمل يعرف في التاريخ والتي لخصها الله في (سورة نوح) وهذا التقرير ضم كيف تحرك وكيف دعاءهم واساليب الدعوة وطرقها وظروفها والترغيب والترهيب التي استخدمها والتعظيم لله في ما خلق مقابل استحقار ما يعبدون ثم وصفهم في نهاية المطاف بأنهم ظلوا ظلالا كبيرا ومكروا مكرا كبارا وفي نهاية التقرير طلب من الله فقال ( رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) دعوة واضحة وجلية انها تستهدف الرافضين للحق رغم طول المدة ومن منظور ان الله أوضح له انه لن يؤمن احد بعد اليوم وكأن آخر شخص سيؤمن بنوح كان قد آمن في تلك اللحظة لذا قال الله (لن يؤمن من قومك الا من قد آمن) فأبلغت الحجة كاملة جملة وتفصيلا وزمانا، لذا جاء التبرير الواضح لنوح عن سبب هذه الدعوة ضدهم بقوله ( إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا الا فاجرا كفارا) أي ان سبب الدعاء عليهم ليس من منظور شخصي وبأنه ضاق ذرعا من رفضهم له وعنادهم او أنهم أتعبوه وعذبوه وتآمروا عليه فالأمر لم يكن فيه أي اعتبار شخصي له من منطلق ان نوح سلم نفسه لله تسليما مطلقا ولا يأبه ابدا ما سيناله من متاعب ومشاق في سبيل الله، فالسبب الأول والأخير لدعوته انه خاف على المؤمنين الحاصلين عنده القلة القليلة من ان يسعى هؤلاء الكفره الى فتنتهم واضلالهم بكل عوامل الاضلال المادية والمعنوية والتي نعرفها جميعا ومن هنا يجب ان نتعلم ان لا يكون دعاءنا لله الا بما يرتبط بالمصلحة العامة والتي تنعكس بالاستدامة او التثبيت في سبيل الله وهذا ما عليه الشعب اليمني هذه الفترة من صبر واحتساب مع تحرك وجهاد حتى يفصل الله بينه وبين القوم الظالمين، (ولا يلدوا الا فاجرا كفارا) فعندما يلد لهم مولود ويبدأ في المعرفة والحركة يؤخذ الى نوح ويعلمونه ان هذا ساحر او مجنون او او لا تصدقه يا بني ( أسلوب شيطاني مازال معمول به حتى يومنا هذا عند فئات اليهود ومن هو راضخ لهم فكريا وثقافيا ونفسيا وسياسيا) وتخيلوا عشرات الآلاف من قوم نوح كافرين مقابل عشرات مؤمنين بعد 10 سنوات كم سينجب الكفار مقابل انجاب المؤمنين أي ان نسبة الكفر ستطغى اكثر وبنسبة مرتفعة جدا على الإيمان حتى يتلاشى تماما وهكذا كانت كل الحسابات الخاصة بنبي الله نوح لذا دعا بإهلاكهم جميعا فاستجاب الله له وأمره بأن يقوم بإنشاء سفينة رغم انه يعيش في منطقة لا بحر فيها ولا نهر .
ولبناء السفينة عبر وحكم واهداف عديدة سنتكلم عنها في المقال القادم حيث وان الله كان قادرا على ان يطلب منهم الخروج ليلا الى مكان مرتفع ثم يأمر السماء والأرض لأن تغرق الظالمين او كان يمكن ان يعذبهم الله بعذاب آخر غير الطوفان حيث سنضع بعض الرؤى عن حكمة الله المطلقة في هذه الأمور , كما سنعرج على إبنه وامرأته اللذان كفرا به وكيف خاطب الله نوحا في إبنه وحدد اهم الصلات المجتمعية في العلاقات الانسانية وهل وجود اثنين ممن هم ضمن اطاره الاسري كافران يعني فشله الأسري ام ان هناك عبر وحكم عميقة لهذا الأمر !!
- كاتب وباحث في الشئون الدينية والسياسية
- المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع