رفيق خوري*

قمة الجزائر أعادت تأكيد القادة العرب على “مركزية القضية الفلسطينية”، لكن الواقع العربي لم يعد ملائماً لهذا الالتزام، والواقع الفلسطيني صار أسير انقسام داخلي في “ستاتيكو” تحت رحمة الاحتلال الصهيوني، ورهينة علاقات وخلافات مع عواصم عربية، بعضها على خلفية قضايا أخرى غير القضية الفلسطينية، فالدول العربية التي دعمت “منظمة التحرير” الفلسطينية تبدلت مواقف معظمها بعدما توصلت إلى “اتفاق أوسلو” عام 1993، والذي جرى توقيعه في حديقة البيت الأبيض، إذ شجع الرئيس الأميركي بيل كلينتون رئيس وزراء كيان إسرائيل إسحاق رابين ورئيس المنظمة ياسر عرفات على المصافحة التاريخية. والمنظمة تقدمت عليها السلطة الوطنية في “غزة وأريحا أولاً” ثم في أجزاء من الضفة، وبقيت منظمتا “حماس” و”الجهاد الإسلامي” خارجها.

“اتفاق أوسلو” توقف حتى التفاوض على استكماله بالنسبة إلى قضايا الحل النهائي وبينها الحدود والقدس والدولة وعودة اللاجئين، ثم جاء الانقلاب العسكري الذي قامت به “حماس” ضد السلطة بقيادة “فتح” وانتهى بالفصل الجغرافي والانقسام السياسي.

والجمود في “ستاتيكو” صعب، فلا السلطة تستطيع العودة إلى ما قبل “أوسلو” وإن هددت أحياناً بذلك، ولا “حماس” تستطيع الخروج من “أوسلو” وإن خرجت عليه ونشبت سلسلة حروب بينها وبين كيان إسرائيل.

الجديد هو أن الأوضاع في الضفة جاهزة لانفجار كبير بدايته مقاومة “عرين الأسود” في نابلس بعد مقاومة مخيم جنين، والأوضاع في غزة تلحق بها أو تنتهي جاذبية “حماس”، ومن الوهم أن تحافظ إسرائيل على أمنها وهي تذهب أكثر فأكثر إلى اليمين المتطرف الديني والعلماني بقيادة نتنياهو الرافض قيام دولة فلسطينية، فلم يبق في العالم بعد زوال نظام التفرقة العنصرية (أبارتهيد) في جنوب أفريقيا صراع مثل الصراع العربي – الإسرائيلي. وهو كان بحسب الشعار الذي رفعته الحركات القومية العربية بكل أشكالها “صراع وجود لا صراع حدود”.

استعادة فلسطين من البحر الى النهر، وحتى قصة الدولة الفلسطينية في الضفة وغزة صارت وراء حكومة نتنياهو التي جاءت تحت شعار “لا دولة فلسطينية”.

لكن ما حدث كان في اتجاه آخر، فصراع الوجود انتهى إلى صراع حدود، وحرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 التي خاضتها مصر وسوريا ضد كيان إسرائيل كانت آخر الحروب العربية – الصهيونية الواسعة، وما بقي حروب إسرائيلية على لبنان أيام الوجود الفلسطيني المسلح، ثم أيام المقاومة الإسلامية التي يقودها “حزب الله”، وحروب صهيونية على غزة.

وحال الحرب مع كيان إسرائيل صارت مملوءة بالاتفاقات، اتفاقات الهدنة بعد حرب 1948، واتفاق فك الارتباط في الجولان عام 1974، ومعاهدة “كامب ديفيد” للسلام بين مصر وإسرائيل، ومعاهدة “وادي عربة” للسلام بين الأردن وكيان إسرائيل، واتفاق أوسلو الفلسطيني -الصهيوني، وترسيم الخط الأزرق البري بين لبنان وكيان إسرائيل بعد انسحاب الاحتلال من الجنوب اللبناني عام 2000، واتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والكيان في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، ثم “اتفاقات أبراهام” بين كيان العدو الإسرائيلي وكل من البحرين والإمارات العربية المتحدة والسودان والمغرب، لكن الاحتلال الصهيوني للجولان السوري مستمر، بحيث ضمته تل أبيب رسمياً بتأييد من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، وقضية فلسطين لا تزال بلا حل، لا عبر تسوية سياسية ولا بالقتال.

ومن هنا نجد استحالة أن يستمر هذا الوضع وخطورة استمراره، فلا مهرب من الخروج على “ستاتيكو” الفلسطيني -الصهيوني مهما يكن الثمن، لأن البقاء فيه هو نهاية 100 عام من تضحيات الشعب الفلسطيني، وأكثر من نصف قرن من التضحيات العربية، وربط كل شيء تقريباً بقضية فلسطين من دون التوصل إلى حل، والرهان على جيل جديد رافض للاحتلال ومتمرد على شيوخ الفصائل الفلسطينية، يرى أن قمة الواقعية هي تغيير الواقع.

المصدر : اندبندنت عربية
المادة الصحفية تعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع