علي عبادي

 

هل بدأت سلطات الجمهورية الاسلامية الإيرانية في استعادة زمام المبادرة في “الحرب المركَّبة” التي فُرضت عليها؟ وما هو أفق المرحلة المقبلة في التعامل مع التحدي الداخلي ــ الخارجي المستجدّ؟

عندما أشار آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي في كلمة أمام جمع من طلاب المدارس مطلع هذا الشهر إلى وجود “خطة” لدى العدو تقف وراء إشعال “الحرب المركَّبة” التي تستهدف ايران حالياً، فقد كان يذكّر بالمعلومات التي أوردها بيان مشترك لوزارة الأمن وحرس الثورة في 28 تشرين الاول/ أكتوبر الماضي وتضمَّن معطيات أبرزها:

– تورط وكالة المخابرات المركزية الاميركية والمخابرات البريطانية والاسرائيلية والسعودية في الاضطرابات ضمن “خطة مشروع تدمير إيران”، وأن التخطيط والتنفيذ العملي للجزء الأكبر من اعمال الشغب تم بواسطة جهاز الموساد

– تهريب معدات حربية وتجسسية للشبكات التخريبية إلى داخل ايران.

– تنظيم المخابرات الأميركية دورات تدريبية لبعض عملائها الايرانيين ومن بينهم “ن. ح.” الذي التقط أول صورة للفقيدة مهسا أميني وهي في المشفى.

– إعداد معاهد أميركية لأعمال الشغب قبل أشهر عدة من وقوعها، حيث أمرت عملاءها بالإساءة للمقدسات وحرق القرآن الكريم والمساجد واستهداف قوات الأمن ورجال الدين.

 

* تراجع “الاحتجاجات” وتقدّم الاغتيالات

بعد حوالي شهرين على اندلاع الأحداث، يمكن القول إن مسارها يتخذ منحى نزولياً استناداً إلى مؤشرات عدة، وإن الفصل الأول منها المتمثل في إثارة الناس ودفعهم إلى الشارع قد استنفد طاقته ولو أنه لم ينتهِ تماماً بعد، وأصبح الاعتماد الآن بشكل أساسي على مجموعات مسلّحة تقوم بعمليات اغتيال لرجال الأمن. ونفذت هذه المجموعات خلال الأيام الماضية هجمات أدت إلى قتل ضباط أمن كانوا يعملون على ضبط الوضع ومحاورة بعض الناس في الشارع (في مشهد وأصفهان وكردستان وخوزستان وبلوشستان). ويبدو أن الهدف من هذه الهجمات تصعيد الموقف مجدداً في الشارع من خلال استفزاز قوات الأمن لجرّها إلى رد فعل يسيل مزيداً من الدم.

ووقعت عمليات اطلاق النار في محافظات تتركز فيها نشاطات مجموعات مسلحة انفصالية مثل خوزستان وبلوشستان وكردستان وأذربيجان الغربية، وجرت أحداث في مناطق أخرى (أصفهان، طهران، مشهد) لإعطاء انطباع بأن ايران كلها مناطق مشتعلة. لكن التحركات تبقى مع ذلك محدودة قياساً لاتساع مساحة ايران، كما أن عدد المشاركين في كل تحرك في الشارع يُعدّ بالمئات في أحسن الحالات.

 

وفي قراءة أولية، يظهر أن أجهزة الأمن تتصرف وفق خطة تراعي الأهداف التالية:

– الاستدراج: كشف مجموعات الشغب ومنظميها من خلال إعطائها فرصة للظهور، كما جرى في الأسابيع الماضية، حيث تم توقيف عدد كبير استنادا لما تم التقاطه من صور الكاميرات والمسيّرات ومعلومات المخبرين على الأرض.

– كسب الرأي العام: الافساح في المجال أمام الناس الذين تأثروا بالمطالب التي رفعها المشاغبون لرؤية حقيقة هؤلاء فعلاً من خلال ممارساتهم وتظهير سقوط عدد كبير من العناصر الأمنية خلال الأحداث على يد المجموعات المسلحة والمشاغبة. والجدير بالذكر هنا أن المناخ الذي وُلدت فيه هذه الاضطرابات أثّر على بعض النخب السياسية في البلاد التي لم تتخذ موقفاً مما يجري، الأمر الذي أشار إليه الرئيس الايراني باعتباره غشاوة على أذهان الخواص. وهذا يكشف عن ثغرة تشبه ما حدث في لبنان بعد 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، حيث تتأثر بعض الشخصيات بالجو الدعائي على مواقع التواصل وفي الإعلام الخارجي، وهذا يفرض ضريبة معالجة ذات كلفة أكبر سياسياً وأمنياً.

– تقليل كلفة الضحايا بين الناس أثناء المعالجات الأمنية على الأرض لحرمان العدو من الاستفادة من أية أخطاء قد تسهم في انحياز المتحيّرين إلى جانب المتمردين على النظام العام. وقد يؤدي ذلك إلى وقوع خسائر وتضحيات بين ضباط قوات الأمن، لكن هذا الثمن يبقى قليلاً بملاحظة هدف تحييد أكبر عدد من الناس.

وقد تمكنت أجهزة الأمن الايرانية من نزع فتيل التوتر في بعض المناطق بعد فتح حوارات مع العديد من النخب الاجتماعية، وحيث تأكد للكثير من الناس الذين تتملكهم روح الحرص على سلامة مناطقهم وبلادهم أن الموضوع لا يتعلق بمطالب محددة وإنما بجرّ البلاد إلى مواجهة مفتوحة ذات عواقب خطرة.

بالتوازي مع ذلك، تقوم أجهزة الأمن بعمليات موضعية لتفكيك العديد من الخلايا المسؤولة عن قتل الناس ورجال الأمن واعتقال أفرادها، ما يُرتقب أن يؤدي إلى تشتيت هذه المجموعات وبعثرة جهودها وقدرتها على التواصل. وتُظهر أجهزة الأمن أن لديها معلومات دقيقة عن الأشخاص المتورطين استناداً الى تتبُّع تقني وبالاعتماد على كاميرات المراقبة والمسيَّرات التي تلعب دوراً في مراقبة التحركات على الأرض.

في خطابه أمام وفد من أهالي أصفهان منذ يومين، لفت الإمام الخامنئي الى نقطتين: الأولى تطمينية قال فيها إن الأحداث الجارية سيتم استيعابها وإن “مثيري الشغب ومن يقف خلفهم أحقر من أن يتمكنوا من إلحاق الضرر بالنظام”، والثانية أن الشعب يردّ على هذه الممارسات بوعي أكبر من خلال المشاركة الضخمة في مراسم تشييع عناصر الأمن الذين يُقتلون بيد العدو. وهذه الملاحظة الأخيرة تم اختبارها ومشاهدتها بوضوح في تشييع شهداء قضوا في محافظات مختلفة، وهذا من شأنه أن “يحوّل التهديد الى فرصة” لاستنهاض الشعب في وجه مخططات العدو.

قوات حرس الثورة تستأنف هجماتها ضد الإرهابيين في اقليم كردستان العراق

 

* التدخل الأميركي المباشر

وضمن الحرب المركّبة أيضاً، تدخلات مباشرة تقودها أميركا لصبّ الزيت على النار والتشجيع على استمرار الاضطرابات عبر:

– تصريحات لقادة سياسيين أميركيين وأوروبيين تنتقد ما تسميه “انتهاكات ضد المحتجين في ايران”، في نظرة غير متوازنة تعكس إستراتيجية متبعة لتقويض نظام الجمهورية الإسلامية.

– تجييش وسائل الإعلام وتوظيف إمكانات منصات التواصل الاجتماعي من أجل النيل من القيم الإسلامية وتحويل المشكلة الراهنة إلى موقف من الهوية الإسلامية للمجتمع الإيراني (الحجاب، العمامة، علم الجمهورية الإسلامية، صور الشهداء، الرموز الدينية المختلفة). وهذا المسعى الخبيث يقع فيه بعض المغفَّلين الذين يرون في الغرب قبلتهم الأولى، وليس الجمهور العريض من الشعب الإيراني الذي يعتز بقيمه الدينية.

– فرض عقوبات تجارية على شركات ايرانية وأخرى على شخصيات إعلامية ايرانية، وتحديداً من التلفزيون الرسمي الذي يبث مقاطع مصورة لاعترافات موقوفين في جرائم الاغتيال.

– الضغط عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث دفعت الدولُ الغربية إلى عقد جلسة صوّتت على إدانة ايران في شأن “انتهاكات” مزعومة لحقوق الانسان، علماً أن عدد الدول التي أيدت القرار (78 صوتا) يمثل أقل من نصف عدد الدول التي شاركت في الجلسة (178)، حيث فضّلت البقية الامتناع عن التصويت (69)، وتجرأ عدد أقل على رفض الإدانة (31 دولة). يأتي هذا في وقت أعفت الخارجية الاميركية ولي العهد السعودي من المقاضاة في قضية مرفوعة أمام محاكم أميركية في قضية تصفية الصحفي جمال خاشقجي لقاء مصالح تجارية أميركية.

– الضغط عبر مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة أيضاً، حيث سيجتمع خلال أيام للتصويت على مشروع موجه ضد ايران، بعدما تم التمهيد له بنص اقترحته دول غربية.

– الضغط في لجنة المرأة التابعة للأمم المتحدة “لإخراج إيران من اللجنة”، بحسب ما تعهدت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس.

– الضغط عبر وكالة الطاقة الذرية الدولية من خلال عقد اجتماع أدان ايران “لعدم تعاونها مع الوكالة في التحقيق بشأن أنشطة تخصيب يورانيوم”، دون النظر إلى الخطوات التي قدمتها طهران في هذا الإطار ومنها توقيع بروتوكول التعاون الإضافي. وتأمل واشنطن بالتنسيق مع شركائها في حمل ملف ايران إلى مجلس الأمن، بدعوى أنه يشكل تهديداً للأمن والسلام الدوليين، وهذا ادعاء لا توافق عليه دول عدة من بينها روسيا والصين مما يفيد بأن الهدف الأميركي النهائي هو التشهير بإيران والإساءة الى سمعتها ومصداقيتها في المحافل الدولية تمهيداً لعزلها، منعاً لها من تحقيق مكاسب كبيرة في حال تم الاتفاق لاحقاً بخصوص الملف النووي.

وهكذا تثبت الإدارة الأميركية أنها تستخدم الأمم المتحدة بكل هيئاتها من أجل تنفيذ أجندتها الخاصة الهادفة الى تطويع ايران وتحقيق ما عجزت عنه في اجتماعات فيينا. ويتأكد بالملموس أن إدارة بايدن وإدارة ترامب وجهان لعملة واحدة، حيث تكمل الإدارة الحالية الاستثمار في ما بدأته سابقتها من حصار مشدَّد بحق الجمهورية الإسلامية.

تبقى إشارة أخيرة، وهي أن وسائل إعلام ايرانية ذكرت أن ايران أبلغت قطر أنها لن تردّ خلال فترة الأولمبياد العالمي الذي تستضيفه الدوحة على الجهات الخارجية التي خططت ونظمت التدخل في شؤونها الداخلية، وذلك رداً على موقف قطر الإيجابي بعدم التعاون مع المساعي التي هدفت إلى منع منتخب ايران من المشاركة في الأولمبياد. وفي حال صحّ ذلك – ويبدو أنه كذلك وفق بعض الشواهد – فهذا يعني أن سلطات الجمهورية الإسلامية ستغتنم فترة أولمبياد قطر من أجل إعادة ترتيب الأوضاع الأمنية الداخلية، لتتفرغ بعده للتعامل مع مصادر التهديد الخارجي.

  • المصدر :موقع العهد الاخباري
  • المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع