السياسية:

الوقت- مع مرور 74 عامًا على احتلال المحتلين الصهيونيين لفلسطين، لا يزال النظام الصهيوني الوهمي يعاني من مشاكل عميقة، جعلت هذا النظام غير قادر على تحقيق الأهداف الاستراتيجية التي حددها لنفسه، على الرغم من استقباله لدعم جهات أجنبية مختلفة، وخاصة من الولايات المتحدة. لقد تآكل التفوق العسكري الصهيوني في المنطقة بشكل كامل في المرحلة الحالية، وفي ظل الوضع الذي يمتلئ فيه الفضاء الداخلي لفلسطين المحتلة بالالتهاب والقلق للصهاينة، فإن البيئة الإقليمية ليست آمنة للمحتلين، وهم حاليا غير آمنين. وليس لهم شرعية على المستوى الدولي، وقد أنفق النظام المحتل الكثير من الأموال والجهود لتهويد فلسطين، لكن الشعب العربي في هذه الأرض لم يتوقف عن المطالبة بحقوقه ومقاومته تتجلى في أشكال وأبعاد أوسع كل يوم.

وبدراسة أهم المكونات والأهداف الاستراتيجية للنظام الصهيوني منذ بداية احتلاله لفلسطين حتى الآن، نلاحظ الكثير من التناقضات والضعف، وخاصة في الأبعاد السياسية والاجتماعية والديمغرافية، على الرغم من وجود منشآت عسكرية عالية، ما عرّض هذا النظام لمخاطر وجودية. وكان إنشاء “دولة كبيرة بهوية يهودية موحدة وقوة إقليمية عظمى مهيمنة في الشرق الأوسط” الهدف الاستراتيجي الأول للنظام الصهيوني المزيف منذ احتلاله للأراضي الفلسطينية، وعلى الرغم من العديد من الإجراءات، لم يكن نظام الاحتلال قادرًا على إنشاء حدود لنفسه، كما أن مشكلة السكان هي مشكلة كبيرة لهذا النظام.

إن تدهور وضع الصهاينة هذا مرات عديدة منذ عام 2000، حاصر النظام الصهيوني جغرافيا، ما جعله غير قادر على احتلال أراض جديدة في إطار هدفه المتمثل في إقامة “كيان إسرائيل الكبرى”. كما لم يستطع هذا النظام التخلص من أكثر من 4 ملايين فلسطيني عربي وهؤلاء السكان تزداد قوتهم ومقاومتهم كل يوم وعلى الرغم من توقيع العديد من اتفاقيات التطبيع بين الدول العربية والنظام الصهيوني بدعم من الولايات المتحدة، إلا أن هذا النظام لم يسر على طريق تحقيق حلمه بالسيطرة على المنطقة.

الأمر نفسه ينطبق على “الحفاظ على التفوق الكمي والنوعي لنظام الاحتلال في المنطقة”، وهو أحد أبرز الأهداف العسكرية للصهاينة، وقد صمم نظريته الأمنية على أساس التفوق العسكري على المستوى الكمي والنوعي، وتفعيل سياسة الردع بأبعاد نفسية وعملية، ومنع ظهور إشارات تتعلق ببدء عمليات أعداء كيان إسرائيل ضد هذا النظام، والاستعداد الدائم لتحييد الهجمات من قبل. ولقد امتدت الحرب إلى المجال الداخلي لفلسطين، وكان الاحتلال من الأهداف الاستراتيجية للنظام المحتل، ومسار الحروب الصهيونية مع المقاومة الفلسطينية واللبنانية خلال العقود الماضية يثبت بوضوح فشل قوات الاحتلال في تحقيق ذلك الهدف.

ورغم أن النظام الصهيوني كان يتمتع بقوة عسكرية كبيرة بفضل دعم الولايات المتحدة لأعدائه العرب والمسلمين، إلا أنه فشل في تحقيق هدفه الاستراتيجي المتمثل في إقامة “دولة عظمى” ولم يستطع خلق معادلات الردع الوقائي التي أرادها، من جهة أخرى، كانت القوة العسكرية للمقاومة اللبنانية والفلسطينية في تصاعد، وكانت أبرز هزائم الكيان الصهيوني ضدهما في تموز / يوليو 2006 وأيار / مايو 2021. وأظهرت نتائج هذه الحروب مدى خطأ قادة النظام المحتل في أساليبهم للتغلب على مخاطر العقود الماضية.

إن “استمرار بقاء الشعب اليهودي وزيادة عدد سكانه في فلسطين من خلال استكمال هجرة اليهود من جميع أنحاء العالم إلى هذه الأرض” كان الهدف الاستراتيجي التالي للنظام الإسرائيلي، وكان كل شيء يتعارض مع رغبات الصهاينة.

إن انتشار ظاهرة “الهجرة العكسية” أو الهروب الذي لا رجعة فيه للصهاينة من الأراضي المحتلة يظهر أن السلطات الصهيونية لم تستطع إقناع اليهود بالعيش في فلسطين. وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي يبذلها نظام الاحتلال لخلق بيئة آمنة وسلمية لحياة الصهاينة، فإن الخوف اليوم من انعدام الأمن والحرب مع المقاومة هو أهم سبب لهروبهم من فلسطين.

كما أن خلق الانقسامات والانقسامات في المجتمع الصهيوني يزيد من التحدي الذي تواجهه كيان إسرائيل. وحتى وقت قريب، حذر رونين بار، رئيس جهاز الأمن الداخلي الصهيوني (الشاباك)، خلال مؤتمر جامعي من أن ناقوس الخطر قد دق ضد وجود إسرائيل وأن الانقسام يلقي بظلاله على أمن المجتمع الصهيوني وهذه القضية تجعل أعداء كيان إسرائيل “أكثر جرأة”.

من ناحية أخرى، لم يستطع النظام الصهيوني تقليص وجود الفلسطينيين في أرض فلسطين التاريخية لمصلحة المهاجرين اليهود، ولأول مرة هذا العام أصبح عدد الفلسطينيين يساوي عدد اليهود.
وتشير الإحصاءات إلى أنه بحلول نهاية العام، يمكن أن يرتفع عدد السكان الفلسطينيين إلى 7.1 ملايين شخص، ما يعني فشل هدف استراتيجي آخر لنظام الاحتلال. وفي ظل هذه الظروف، اضطرت السلطات الصهيونية إلى تجاهل الأهداف الاستراتيجية المذكورة أعلاه وتركيز اهتمامها على أهداف ثانوية وفورية. وهذا يدل على أن نظام الاحتلال أصبح يائساً من تحقيق أهدافه الاستراتيجية الكبرى، ويحاول الآن على الأقل إدارة مخاطره الوجودية والسعي ببساطة من أجل البقاء.

إن الاعتراف بانهيار الكيان الصهيوني وإبداء العديد من التعليقات في هذا الصدد هو موضوع يناقش على نطاق واسع من قبل الخبراء والمؤرخين ووسائل الإعلام الصهيونية.
حيث قال راني دانيال، المحلل العسكري الصهيوني المتطرف المقرب من قادة الجيش الصهيوني: “لست متأكداً من أن أطفالي لديهم مستقبل في كيان إسرائيل، ولا أعتقد أنهم سيبقون هنا”.

كما يعترف بني موريس، المؤرخ الصهيوني البارز، أنه بعد سنوات، سينتصر العرب والمسلمون في نهاية المطاف، وسيظل اليهود أقلية، أو يتعرضون للاضطهاد أو القتل، وفي هذه الأثناء، يمكن لليهود المحظوظين فقط الفرار إلى أوروبا و أمريكا. ويقول جدعون لوفي المحلل الصهيوني، في اليوم الثالث من معركة سيف القدس في مايو من العام الماضي عندما طوقت صواريخ المقاومة الفلسطينية الأراضي المحتلة من جميع الجهات، قال: “على الإسرائيليين أن يذهبوا إلى أوروبا وعلى الأوروبيين أن يقبلوهم لاجئين، أعتقد أن هذا أفضل بكثير من أكلنا أحياء”.

وقال يارون لندن الصحفي الصهيوني المعروف: “أستعد للتحدث مع حفيدي لأخبره أن عدد اليهود المقيمين في كيان إسرائيل لن يزيد على 50٪، لكن 50٪ متفائلون والحقيقة أكثر مرارة من ذلك بكثير”.
ومن جانبه، يعتقد الصحفي الصهيوني آري شافيت أيضا أن كيان إسرائيل تحتضر ولا يمكن لأحد أن يوقف زوالها. وكتب شاؤول أرييل، وهو جنرال في وحدة الاحتياط في الجيش الصهيوني وخبير في الشؤون العربية: “النظام الصهيوني بنى استراتيجياته على تحقيق المثل الصهيونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وهذا الامر أدى إلى انهيار النظام الصهيوني”.

ويقر مارتن فان كارفيلد، أستاذ العلوم العسكرية في جامعة القدس المحتلة، وهو من أشد المؤيدين لطرد العرب من فلسطين المحتلة، بما يلي: “بدأ تدمير الجيش الصهيوني من كل مكان. أي، من مستوى القادة إلى الجنود، لدرجة أن العديد منهم مدمنون على المخدرات والتجسس مقابل المال، كما أن الاتجاه المتزايد للهجرة العكسية الصهيونية إلى أوروبا والولايات المتحدة يشير إلى أن كيان إسرائيل تنهار أخيرًا”.

ونشر مؤرخ صهيوني آخر، يُدعى أوفر الووني، مقالاً في صحيفة هآرتس الصهيونية الأسبوع الماضي ذكر فيه أن كيان إسرائيل في القرن الحادي والعشرين فوضوية ومربكة ومجنونة. وقال، “الدولة اليهودية تنتهج سيناريو وهمياً وليس لها مصداقية وقد تم إنشاؤها عن طريق الخطأ”. هذه مجرد أمثلة قليلة على اعترافات خبراء ومحللين ومؤرخين صهاينة، لكن اللافت للنظر أن مثل هذه الاعترافات وصلت مؤخرًا إلى مستوى المسؤولين الصهاينة.

المصدر : الوقت التحليلي
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع