د. زكريا حمودان

 

يعيش لبنان مرحلة دقيقة جدًا على مختلف المستويات، مما يحتم على جميع القوى السياسية تثبيت الوعي مكان “الأنا” السياسية والتي لا تمت الى الوطنية بشيء، خاصةً أن الجميع لمس بشكل واضح خطورة ما يُخطط للبنان في السنوات الثلاث الأخيرة. لقد عاش الوطن في غيبوبة كبيرة وتدهور مستمر يوحي بالموت السريري، حتى فرضت المقاومة معادلة إقليمية أدت الى تعيين الحدود البحرية الجنوبية، وألزمت الشركات الدولية بالعودة إلى التنقيب عن الغاز في لبنان، ما أيقظ البلد وأعاده إلى غرفة الإنعاش، حيث ضخت المقاومة إلى جانب القوى الوطنية الأمل بالحياة، فهل تتلقف الكتل النيابية هذه الفرصة وتترجم وطنيتها في البرلمان اللبناني من خلال انتخاب رئيس للجمهورية؟

 

تقسيم القوى السياسية في البرلمان

ينقسم البرلمان اللبناني اليوم الى عدة كتل نيابية، اخترت تقسيمها الى قسمين: كتل أساسية وكتل ثانوية.

الكتل الأساسية: هي كتل ذات قرار مفصلي في معركة انتخابات رئاسة الجمهورية، ومن دون هذه الكتلة لا يمكن انتخاب رئيس للجمهورية سواء لحسابات عددية أو لحسابات عرفية.
الكتل الثانوية: هي كتل ذات قرار غير مفصلي في معركة رئاسة الجمهورية، وكل كتلة ثانوية تعتبر غير مؤثرة على أي تفاهم يؤدي إلى انتخاب رئيس للجمهورية.

سنستعرض أهم ما يجب التركيز عليه لدى الكتل النيابية في البرلمان:

1- الثنائي الشيعي:

يشكل الثنائي الشيعي المتمثل بكتلتي حزب الله وحركة أمل ركنًا أساسيًا في البرلمان. التوجه العام بحسب المعلومات المتوفرة أنَّ الثنائي متصل بشكل لصيق جدًا بالانتخابات الرئاسية وسيصوت للمرشح عينه، بحيث يعتبر الفريق الأوحد الذي لا يمكن تخطيه في معركة رئاسة الجمهورية، مما يعني أن الثنائي يشكل تكتلًا أساسيًا لا غنى عنه للوصول إلى بعبدا.

 

2- “التيار الوطني الحر”:

يُعتبر “التيار الوطني الحر” الكتلة المسيحية الأكبر نيابياً، والأساسية لجهة طائفة الرئيس، وهو الحليف المسيحي الأساسي لحزب الله، وتعتبر نقاط تفاهم 6 شباط بين الفريقين إحدى أهم ركائز السلم الاهلي والحراك السياسي في البلد. انطلاقًا من هذا المبدأ يكون “التيار الوطني الحر” في موقع الكتلة الأساسية التي لا يُنتخب رئيس من دونها، وكونه كذلك مرتبطاً بشكل وثيق بركن أساسي لا ينتخب رئيس من دونه، أي حزب الله. لكن ماذا لو حصل توافق سياسي شامل دون موافقة “التيار الوطني الحر”؟ بالرغم من ضعف هذا الاحتمال، ولكن في حال حصل تفاهم شامل ورفض “التيار” السير به، سيتحول من كتلة أساسية إلى كتلة ثانوية، يكون انتخاب رئيس الجمهورية ممكنًا من دون استخدام أصواتها.

 

3- “القوات اللبنانية”:

يعتبر حزب “القوات اللبنانية” أحد الأحزاب المسيحية غير المرتبطة بأي جهة تسمح لها أن تكون أساسية، ولكن يمكن أن تكون كتلة تعطيلية الى جانب حلفائها وليس أكثر من ذلك. كما تعتبر كتلة “القوات اللبنانية” إحدى الكتل المسيحية الأساسية إلى جانب “التيار الوطني الحر”، وبالتالي تحول “القوات اللبنانية” إلى كتلة أساسية هو رهن توافقها مع “التيار الوطني الحر” حول رفض أي تسوية شاملة، مما يعرقل الانتخابات الرئاسية.

 

4- “الحزب التقدمي الاشتراكي”:

لا يشكل “الحزب التقدمي الاشتراكي” ميثاقية حاسمة في الشارع الدرزي، بالتالي فإن كتلته اليوم هي كتلة ثانوية بالشكل والتوصيف، لكن في المضمون يمكننا القول إن حنكة وليد جنبلاط السياسية تعمل دائمًا على تحويل دورها من دور ثانوي الى دور أساسي حفاظًا على الحصة الدرزية الخاصة بفريقه. انطلاقًا من هذا المبدأ فإنَّ “الحزب التقدمي الاشتراكي” يعتبر كتلة أساسية في المضمون، لا خلاف جوهريا لديه على الأسماء، لكن كل ما يهمه بعض الضمانات في المضمون.

 

5- القوى السياسية السنية:

قد يكون الشارع السني في لبنان هو الشارع الوحيد الذي لا يوجد فيه أحزاب تتمتع بوجود كتلة ممثلة لهذا المكون الأساسي في البلد، الأمر الذي يجعل جميع النواب السنة ثانويين طالما انهم موجودون خارج اطار إحدى الكتل النيابية المصنفة أساسية سابقًا، أو أنهم لا يملكون تكتلًا وازنًا يمنحهم ميثاقية سنية. ومن الجدير بالذكر أنه على أقل تقدير فإن قرابة 35% أو أكثر من النواب السنة قراراتهم تلتقي تاريخيًا وبشكل كبير مع الخط الوطني المقاوم عندما يرتبط الأمر بالقرارات الاستراتيجية الوطنية.

أتى استعراض القوى السياسية الأساسية الموجودة في البرلمان في هذا المقال بهدف الاضاءة على أهمية معرفة من أين يجب أن نبدأ في استحقاق رئاسة الجمهورية، وذلك لأن الوطن لا يمكن أن ينتقل الى المرحلة المقبلة الواعدة من دون انتخاب رئيس للجمهورية. بالتالي فإن الحرص الاساسي يجب أن يكون على أهمية الاستفادة من الوقت وعدم تضييع الفرص هنا وهناك، وتوجه من يعنيهم الأمر الى حيث يوجد جدار أساسي لا يمكن خرقه رئاسيًا من دون ميثاقيته.

  • المصدر: العهد الاخباري
  • المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع