“لعبة الدم والنار” عملية “اجاكس” نسخة 2022 هل هي للإطاحة بالنظام في إيران
كمال خلف*
ماذا يجري في إيران؟ هو سؤال يتردد عند المتابعين لحركة الاحتجاج في إيران مصحوبة بأعمال الشغب ويتخللها أعمال مسلحة وقتل وعمليات إرهابية.
التشخيص الظاهر والرائج في وسائل الإعلام الغربية وبعض العربية هو حركة احتجاج اندلعت على خلفية مقتل السيدة مهسا أميني في مركز احتجاز للشرطة، وأن فرض الحجاب هو مثار الجدل في المجتمع وإن الشعب قرر التغيير. تلك صورة تمرر للراي العام في العالم باعتبارها حقيقة تفسر ما يحدث في إيران.
لكن الحقيقة غير تلك السردية تماما. ويمكن تلخيص المشهد في إيران اليوم بجملة واحدة ” عملية استخباراتية “أمريكية بريطانية مشتركة. يشارك فيها بدور مساعد الاستخبارات الإسرائيلية بالاستعانة بتمويل عربي “.
ولم يكن اعتباطيا أو عابرا كلام الرئيس الأمريكي جو بايدن في فلوريدا “عندما قال سنحرر إيران” وإن كان جرى تفسيرها لاحقا من جون كيربي بأنها تعني التعاطف فقط. يعلم قادة إيران تماما ما يحاك لبلادهم وماهية وخفايا العملية المركبة التي تخاض ضدهم.
وليس سرا أن الولايات المتحدة لديها قدرات وخطط استخبارية لهذا النوع من الحروب عنوانها “لعبة الدم والنار” وأدواتها “كذب وسلاح ومال”. وقد جربتها مرارا وتكرارا في العديد من الدول عبر التاريخ في أمريكا اللاتينية وافريقيا ودول شرق أوروبا والشرق الأوسط. وبدت بطرق أكثر حداثة ومعاصرة وأقل انخراطا في ليبيا وسورية قبل عشر سنوات، عندما قادت الاستخبارات العمليات من الخلف واعطت هامش سمح لدول إقليمية بالقيادة.
ما يحدث في إيران الآن هو نسخة محدثة لعملية “اجاكس” التي نفذتها الاستخبارات الأمريكية بمساعدة نظريتها البريطانية عام 1952 في إيران للإطاحة بحكومة “محمد مصدق” أول رئيس وزراء منتخب من الشعب. كان جريمة مصدق حينها أنه اخذ قرار تأميم النفط الإيراني الذي كانت تسرقه بريطانيا وترمي الفتات من أرباحه للشعب الإيراني. كان الشعب في إيران بقمة الحماسة والاحتضان لمصدق الذي تحول إلى بطل قومي يقف خلفه الشعب في وجه أطماع ولصوصية الغرب.
لا نريد الخوض في التاريخ وتفاصيله. ولكن يمكن اجراء مقارنة في عجالة بين عملية “اجاكس” التي نفذتها المخابرات الامريكية للإطاحة بمصدق عام 1952 وبين النسخة الجديدة لعملية” اجاكس” عام 2022 والتي تنفذ الان في إيران.
من كتاب (كل رجال الشاه) للكاتب الأمريكي ستيفن كينزر يمكن الاطلاع على مجريات عملية “اجاكس” للإطاحة بمصدق. يقول الكتاب ” استخدمت ال CIA أسلوب الرشوة لشراء ولاءات معلقي الأخبار، وصحفيين، ورجال دين، وسياسيين، ورجال عسكر. وقدمت ال CIA لهم عشرات الآلاف من الدولارات شهريًا، لدرجة أن بعض التقديرات تقول إن إجمال ما تم إنفاقه من أجل إسقاط مصدق يصل إلى 19 مليون دولار “.
اعتمدت عملية “اجاكس” حسب ضابط المخابرات الأمريكية “كيرميت روزفلت” الذي قاد العملية على إدارة حملة إعلامية منظمة وبروباجندا متواصلة ضد مصدق في المساجد والصحافة والشوارع لتحجيم شعبيته. ثانيا تمكين العصابات في الشوارع لإثارة الشغب والاضطرابات”.
ما يحدث اليوم في إيران يكاد يتطابق مع مجريات الخطة الأمريكية عام 1952 بذات الطريقة لكن بأدوات العصر. الحملة الإعلامية والدعاية المتواصلة والمكثفة ضد نظام الجمهورية الإسلامية وتفعيل كل وسائل الإعلام التقليدية والإعلام البديل لتشويه صورة النظام وتصوير البلاد بأنها سجن كبير والشعب تواق للتحرر، بينما تتحرك العصابات اليوم في شوارع إيران لأثارة الشغب ويظهر السلاح والعنف، وتطل الجماعات الإرهابية برأسها. كل ذلك بصمات أعمال استخبارية واضحة.
ليس لدى الإدارة الأمريكية طموحات لأحداث انقلاب في إيران أو اسقاط النظام، كما كان هدف عملية “اجاكس” ضد حكومة مصدق، لأن واشنطن تدرك أن النظام الإسلامي في إيران اليوم ليس حكومة مصدق بالأمس، وأن الظروف تغيرت وإيران غادرت منذ عقود حظيرة الهيمنة الغربية وانتزعت استقلال قرارها كاملا. ولذلك أقصى طموح العملية التي تقف خلفها أجهزة الاستخبارات الأمريكية والبريطانية هو زعزعة الاستقرار في إيران وإضعافها وجعلها تنطوي داخل حدودها لمعالجة أزمتها ومنع تأثيرها في المحيط وشطبها من المعادلة الإقليمية وبالتالي التأثير في التنافس الدولي بين القوى العالمية.
وإذا كانت جريمة مصدق أنه اخذ قرار تأميم النفط لصالح الشعب الإيراني. فان جريمة النظام الإيراني اليوم ليس امتلاك قدرات نووية أو قدرات عسكرية أو اكتفاء ذاتي صناعي وزراعي، إنما الخطر الذي سرع في تنفيذ الاستخبارات الأمريكية نسخة 2022 من “اجاكس” هو الاتفاقية الاستراتيجية بين إيران والصين وعزم إيران على توقيع اتفاق التعاون الاستراتيجي الشامل مع روسيا، هنا من وجهة نظرنا يكمن مبعث الخطر الذي استشعرته الولايات المتحدة وانطلقت على إثره في مغامرة ليست على يقين من نتائجها في لعبة الدم والنار داخل إيران.
هذه حقيقة الصورة لما يجري في إيران، ونكاد نشفق على رهط من نخبنا العربية وهي تنساق وراء الدعاية في سذاجة تتكرر بشكل باعث على الحيرة رغم أننا أبناء منطقة عربية لها تجربة مريرة تقرأ تفاصيلها الأجيال في وثائق تسمح بنشرها الدول الغربية بعد عقود.
لعل الإدارة الامريكية وضعت في حساباتها فوائد النجاح من هز استقرار إيران، والعبث داخل حدود الجمهورية الإسلامية. لكن هل وضعت في حسابها نتائج الفشل وهو الأقرب للتحقق وفق مجريات الأمور في إيران هذه الأيام. الفشل بدون أدنى شك سيكون لها تداعيات كبيرة على السياسية الامريكية في الشرق الأوسط، ولا شك بأن إيران بعد هذه التجربة ستكون أقوى وأكثر اندفاعا في تأكيد ثقلها الاستراتيجي وموقعها في المعادلة الإقليمية.
* المصدر: رأي اليوم
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع