العلاقات تتطور..هل طبّعت السعودية تجارياً مع الكيان الصهيوني؟
السياسية :
شهدت السعودية في الآونة الأخيرة تزايدا ملحوظا في أعداد التجار “الاسرائيليين” بعد أن ألغت السعودية حظر دخول “الإسرائيليين” إلى أراضيها وذلك من اجل تكريس الدفء الحاصل في العلاقات بين الطرفين لمصلحه الاتفاقيات الاقتصادية بينهما. و قد كشفت وسائل إعلام عبرية عن إبرام صفقات تجارية بين السعودية و”إسرائيل” مؤخرا بوساطة كل من الإمارات والبحرين التي أقامتا علاقات تطبيع مع تل أبيب. وذكرت صحيفة Globes الإسرائيلية للأعمال أن بعض الصفقات التجارية قد تمت بين كيان الاحتلال”الإسرائيلي” والسعودية خلال الأشهر الماضية، عبر وساطة الإمارات والبحرين.
وأشارت الصحيفة إلى أن الكيان “الإسرائيلي” والسعودية أجرتا محادثات متقدمة بشأن العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين على الرغم من الموقف السعودي المعلن بربط التطبيع بحل القضية الفلسطينية!
من جانبه كشف داني زاكين الكاتب “الإسرائيلي” في مجلة غلوبس الاقتصادية، في تقرير له أن “العلاقات التجارية السعودية الإسرائيلية وراء الكواليس، معظمها من خلال شركات مسجلة في دول أوروبية أو دول أخرى، وقد سمحت السعودية منذ شهور لرجال الأعمال الإسرائيليين بدخولها بجوازات سفرهم الإسرائيلية، بعد حصولهم على تأشيرات خاصة”.
و تعتبر سهولة حصول “الإسرائيليين” على التأشيرة من الأمور التي جعلت العشرات من رجال الأعمال يستغلون ذلك، مما يشكل فرصة أمام مشروع السعودية الكبير المتمثل بمدينة المستقبل المبنية قرب شواطئ البحر الأحمر، وقد زارها رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، والتقى مع ولي العهد محمد بن سلمان في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، بحضور وزير الخارجية الأمريكي آنذاك مايك بومبيو”.
من جانب آخر كشف مسؤول سعودي كبير معني بالمسألة، لذات المجلة “الإسرائيلية” أن “عدد الطلبات المقدمة من رجال الأعمال السعوديين للحصول على تأشيرات دخول للإسرائيليين آخذ في الازدياد، والاهتمام والتعطش للمعلومات حول التقنيات “الإسرائيلية” يتزايدان بسرعة”
التطبيع التدريجي
إن الفرضية التي تشغل “إسرائيل” تتعلق بالتحاق السعودية بموجة التطبيع، ومدى سرعتها أو بطئها في ذلك، وخاصة أنه سيكون عليها التغلب على التحديات المختلفة التي تعترض التحاقها، سواء داخليا أو خارجيا، إلى جانب بحث الفرص الكامنة من هذا التطبيع.
تمهد السعودية الطريق لعملية ستؤدي في النهاية لتطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني، فمصلحة الكيان الصهيوني بالترويج للتطبيع مع المملكة بسبب أهميتها الاقتصادية والدينية والسياسية، مع الحفاظ على تفوقها العسكري، لكن السعودية لديها قيود في الداخل والخارج، وحساسيات تميزها عن غيرها.
وفي إطار زخم تعزيز اتفاقيات السلام والتطبيع مع دول الخليج وأفريقيا، فإن للكيان “الإسرائيلي” مصلحة كبيرة في الترويج لاتفاقية مماثلة مع السعودية، مع تقديرها بأن يكون ثمن هذا التطبيع أعلى مقارنة بدول الخليج الأخرى، رغم أن السعودية قطعت شوطا طويلا في دعمها للاتفاقات الإبراهيمية، وسماحها لشركات الطيران الإسرائيلية بالتحليق فوق أراضيها، وتصريحات كبار مسؤوليها السابقين والحاليين.
من الجدير بالذكر أن علاقات الاحتلال “الإسرائيلي” والسعودية قد تطورت بشكل كبيرعلى مر السنين في عدد من القنوات الموازية: قناة أمنية استخباراتية سرية، وقناة اقتصادية تجارية هادئة؛ وقناة تركز على حوار الأديان، وإلى جانب سرية معظم اتصالاتهما، فقد تطورت العلاقات بمرور الوقت، وتشمل اجتماعات لكبار مسؤولي الجانبين، وخاصة من شغلوا سابقا مناصب رسمية، لنقل الرسائل العامة.
ولكن يبقى هناك تحد كبير أمام السعودية يكمن في الحفاظ على مكانة المملكة في العالم الإسلامي، وهذا الأمر يهمها، وقد يتضرر من انتقادها من دول تسعى لزيادة تأثيرها في القضية الفلسطينية فالمملكة تتنافس على النفوذ في العالم الإسلامي ، والاتفاق مع كيان الاحتلال “الإسرائيلي” يضر بهذه المنافسة.
ولكن رغم حالة الاندفاع السعودية الرسمية باتجاه التقارب مع كيان الاحتلال “الإسرائيلي”، لكن المعطيات الإسرائيلية تتحدث عن وجود انقسام داخل القيادة السعودية حول مسألة التطبيع معها، فبينما يدلي مسؤولوها في الماضي والحاضر بتصريحات براغماتية حول كيان الاحتلال الإسرائيلي، فإن الملك سلمان يتخذ موقفا أكثر تقليدية تجاهها، وصراعها مع الفلسطينيين، لكن احتمالية المضي قدما نحو التطبيع ستزداد بعد وفاته، وتعيين ابنه محمد الوريث ملكا، وعلى صعيد السياسة الداخلية، فمن غير المتوقع أن تلقى اتفاقية التطبيع مع الكيان الصهيوني الدعم الشعبي السعودي
الخطوة الأولى .. فتح الأجواء
وكانت الهيئة العامة للطيران المدني في السعودية قد أعلنت مؤخرا، فتح مجالها الجوي لجميع الناقلات الجوية التي تستوفي متطلبات الهيئة لعبور الأجواء، دون أن يستثني القرار الطائرات “الإسرائيلية”المدنية.
وقالت الهيئة في بيان نشرته عبر حسابها على “تويتر” آنذاك، إنها قررت “فتح أجواء المملكة لجميع الناقلات الجوية التي تستوفي متطلبات الهيئة لعبور أجواء البلاد“.
ويرفع هذا الإعلان فعلياً قيود تحليق الطائرات من “إسرائيل” وإليها، حيث لم يستثن الإعلان، الناقلات الإسرائيلية.
و المثير للسخرية أن السعودية تؤكد بشكل مستمرأنها لا تقيم أي علاقات مع “إسرائيل”، و تشدد عادة على رفضها تطبيع العلاقات مع تل أبيب قبل حل القضية الفلسطينية!
وسبق للسعودية أن سمحت لحركة الطائرات بين “إسرائيل” والإمارات والبحرين بالمرور في الأجواء السعودية.
الاستثمار في صندوق الأسهم الخاصة
وتم اتخاذ خطوة مهمة لتسليط الضوء على العلاقات وتطبيعها في الأسابيع الأخيرة؛ حيث نشرت صحيفة وول ستريت جورنال أن السعوديين دفعوا استثمارًا بقيمة 2 مليار دولار في صندوق الأسهم الخاصة الذي أنشأه جاريد كوشنر، صهر الرئيس السابق دونالد ترامب، وهو الصندوق الذي يبلغ إجماليه 3 مليارات دولار، والمخصص للاستثمار في الشركات “الإسرائيلية” في مجالات التكنولوجيا المتقدمة.
وليست هذه هي المرة الأولى التي تستثمر فيها المملكة العربية السعودية في شركات “إسرائيلية”: من خلال صندوق استثماري لمسؤول سابق آخر في إدارة ترامب، وهو ستيفن مانوشين؛ حيث تستثمر المملكة العربية في شركات “إسرائيلية” ناشئة تعمل في الولايات المتحدة وتوقع اتفاقيات مع وزارة الدفاع الأمريكية، في مجالات عدة بما في ذلك الاتصالات الإلكترونية والفضاء الإلكتروني، لكن الاستثمار في صندوق كوشنر يأتي من أموال صندوق الثروة السعودي، وبموافقة مباشرة من محمد بن سلمان، ولي العهد والرجل القوي في المملكة.
علاقات اقتصادية على مستوى رفيع
وتتحدث الأوساط الاقتصادية “الإسرائيلي” عن مشاريع تعكس استخدام تكنولوجيا المياه الإسرائيلية، وهو أمر ضروري للمناخ الصحراوي في المملكة، جنبا إلى جنب مع تقنيات التكنولوجيا الزراعية “الإسرائيلي”الأخرى، حيث تتم مراقبة هاتين التقنيتين عن كثب من قبل العائلة المالكة، بهدف توسيعها، بزعم أنها توضح لدول أخرى في المنطقة قدرة الاحتلال على المساعدة في بعض المجالات ذات الأهمية الخاصة.
حيث كشف رجل أعمال “إسرائيلي” للمجلة غلوبس “الإسرائيلية” أن رجال الأعمال “الإسرائيليين” لم يفاجؤوا بالاستثمارات السعودية، بصرف النظر عن الاتصال الدبلوماسي المباشر، والتحويلات المصرفية المباشرة، بزعم أن لدينا كل ما نحتاجه للحفاظ على علاقة تجارية، وتوقيع المعاملات، ونقل البضائع، وهناك صفقات إضافية موقعة في مجال الزراعة والتكنولوجيا المدنية مثل صناعات المعدات الطبية”.
بجانب الشراكات الاقتصادية الناشئة بين الرياض وتل أبيب، فهناك مبيعات أنظمة الأمن “الإسرائيلية” إلى السعودية.
علاقات تاريخية مع الكيان “الصهيوني”
على الرغم من هذه المواقف الثابتة التي تظهرها السعودية علنًا ضد “إسرائيل”، فإن هناك تقاربًا وتعاونًا قديمًا بينهما، لذلك اتسمت علاقتهما بالمد والجزر بالنظر إلى ملفات مختلفة، بدأت منذ خمسينيات القرن الماضي، بعدما تولى عبد الناصر الحكم في مصر، وبدأت حالة العداوة بين مصر والسعودية، كما بين مصر و”إسرائيل“.
وفي عام 1962، قام عدد من ضباط الجيش اليمني بثورة ضد الحكم الملكي السعودي، وعمل عبد الناصر على دعم هذه الثورة وأرسل 70 ألف جندي مصري للقتال بجانب جيشها، وعلى الجانب المقابل، دعم السعوديون قوات القبائل الموالية للملك بالاستعانة بخدمات سلاح الجيش “الإسرائيلي” المتطور حينها، حيث قام سرب الطيران الدولي الإسرائيلي رقم 120 بقيادة الطيار أرييه عوز بأكثر من 14 رحلة مرورًا بالأراضي السعودية وبالتنسيق مع السلطات السعودية التي تولى مهمتها رئيس الاستخبارات آنذاك وصهر الملك فيصل، كمال أدهم.
عاد التنسيق بين البلدين مرة أخرى عام 1979 بعد انتصار الثورة الإيرانية بقيادة الخميني، وظهور مصطلح “تصدير الثورة”. وفي أثناء حرب الخليج الثانية عمل السعوديون على إقناع “إسرائيل” والاجتماع مع مسؤوليها في نيويورك للالتزام بعدم الرد على ضربات صدام حسين إلى حين تحرير الكويت.
ومع الوقت، تنامت العلاقات التجارية “الخفيّة” بين رجال الأعمال السعوديين والمقربين من الأسرة الحاكمة و”إسرائيل”، كما غضّت السعودية الطرف حينها عن بعض المنتجات الإسرائيلية التي دخلت إليها بسبب حاجتها الاقتصادية لها.
وبعد عملية تفجير برجيّ مانهاتن في 11 من سبتمبر/أيلول عام 2001 توجه السعوديون إلى التنسيق مع “إسرائيل” مرة أخرى، حيث تولى السفير السعودي في أمريكا آنذاك، الأمير بندر بن سلطان، مهمة التنسيق وربط الأجهزة الأمنية السعودية بالإسرائيلية والأمريكية لمواجهة تنظيم “القاعدة” والجماعات المدعومة من إيران في المنطقة الشرقية للبلاد الغنية بالنفط.
وفي عام 2002، قدمت السعودية المبادرة الثانية للسلام مع “الكيان الإسرائيلي”، الأولى هي مبادرة الملك فهد وقدمت في مؤتمر قمة فاس عام 1982، والثانية هي مبادرة الملك عبد الله آل سعود في قمة بيروت عام 2002، ولم يستجب “الكيان الإسرائيلي” للمبادرتين، وفي عام 2007 أعادت السعودية فتح مبادرة السلام العربية لكن بنيامين نتنياهو عندما كان زعيمًا للمعارضة وعددًا من أعضاء الليكود رفضوا المبادرة مباشرة.
كانت هناك تقارير تحدثت عن تجلي العلامات الأولى للتقارب السعودي “الإسرائيلي”عام 2006، خلال الصراع الذي استمر 34 يومًا بين “إسرائيل” وحزب الله – وهي حرب يمكن اعتبارها نقطة تحول في الديناميات الإقليمية -، حيث سافر رئيس الوزراء “الإسرائيلي” حينها، إيهود أولمرت، إلى الأردن للقاء الأمير بندر بن سلطان، لمناقشة مبادرة السلام العربية السعودية.
وفي عام 2008، تطور التعاون الدبلوماسي والاستخباراتي بين “الكيان الإسرائيلي” والمملكة العربية السعودية في ظل رئاسة باراك أوباما للولايات المتحدة، فقد تبادلت كلتاهما العداء المتبادل لإدارة أوباما وكلتاهما تعارض بشدة الاتفاق النووي الإيراني الذي يعتبر أنه غير كافٍ لاحتواء إيران.
في عهد ابن سلمان.. من السر إلى العلن
تحولت العلاقات بين البلدين تحولًا جوهريًا في عهد ابن سلمان الذي لا يترك فرصة إلا وينتهزها لترسيم العلاقات بين بلاده و”الكيان الإسرائيلي” بشكل علني، عبر الكثير من الاتفاقيات التي يعقدها، ففي عام 2017 قالت صحيفة يديعوت أحرونوت “الإسرائيلية”، إن الولايات المتحدة الأمريكية تجري اتصالات سرية مع السلطة الفلسطينية والسعودية والأردن لتنسيق أول رحلة طيران لحجاج فلسطينيين من مطار “بن غوريون” إلى السعودية.
وبالفعل انطلقت، أول رحلة جوية مباشرة بين العاصمة السعودية الرياض وتل أبيب، وذلك عندما غادر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المملكة على متن الطائرة الرئاسية متوجهًا إلى محطته الثانية “الكيان الإسرائيلي” في أولى جولاته الدولية رئيسًا للولايات المتحدة.
وفي العام ذاته، عرض وزير النقل والاستخبارات “الإسرائيلي” يسرائيل كاتس، على جيسون غرينبلات ممثل الرئيس الأمريكي، خطة “سكة قطار السلام الإقليمي”، التي تتحدث عن ربط “إسرائيل” بالأردن ومنها بالسعودية ودول الخليج عبر شبكة سكك حديد تسمح للدول العربية بمنفذ إلى البحر المتوسط.
وفي منتصف 2017، قالت صحيفة “ذا تايمز” البريطانية إن السعودية و”إسرائيل” تجريان محادثات لإقامة علاقات اقتصادية، وهو ما وصفته بالخطوة المثيرة التي تضع “إسرائيل” على طريق العلاقات الطبيعية مع معقل الإسلام السني وحارس المدن الإسلامية المقدسة.
وفي عام 2019، وافق ولي العهد على خطة تسمح للعرب “الإسرائيليين” بالعمل والعيش في المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى ذلك، توزع السلطة الآن تصاريح دخول خاصة لموظفي الشركات “الإسرائيلية”، ما يسمح لهم بدخول المملكة دون إبراز جواز سفر.
وقد قال وزير الاستخبارات في الكيان “الإسرائيلي” إيلي كوهن في حواره مع صحيفة “إيلاف” الإلكترونية السعودية في يونيو/حزيران 2020: “هناك ثمة كلام متبادل بين “إسرائيل” والسعودية، فهناك الكنوز الطبيعية الكثيرة و”إسرائيل” رائدة في العالم في المجال التقني، وهذا يمكننا من أن نكون شركاء أقوياء في المنطقة”.
* المصدر :الوقت التحليلي
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع