السفير نايف القانص*

ان تكون الجزائر نقطة انطلاق لمرحلة جديدة من النضال العربي يتسم بلم شمل الفصائل الفلسطينية التي توجت حواراتها (في الجزائر) بنجاح واتفقت على وثيقة الوفاق الوطني الجزائرية”، وانهاء حالة الانقسام التي اضعفت القضية الفلسطينية و سببت استغلال الكيان الصهيوني لحالة الانقسام .

ولكون هذا الاتفاق يأتي في طروف  استثنائية ومتغيرات دولية ، وفي بلد عربي له تجاربه النضالية ضد الاستعمار وتجربته الفريدة في التحرر رغم ضخامة الكلفة التي دفعها والتي تكللت في الاخير بانتصار الإرادة الشعبية الجزائرية ، وشكلت الثورة الجزائرية رافعة كبيرة لكل الثورات العربية، الامر الذي جعل الجزائر  تشكل حالة وفاق حول القضايا العربية، ولعل الترابط الوثيق بين ثورة فلسطين المعاصرة وثورة الجزائر الخالدة ورمزية القضية الفلسطينية عند الجزائريين قيادة وشعبا يدفعنا للتفاؤل بنجاح الاتفاق ، وهذا ما يعزز مسيرة  النضال القومي الذي تخوضه دمشق قلب العروبة النابض و التي كانت ومازالت هي الحضن الدافئ لكل فصائل المقاومة الفلسطينية ،بل الرافعة الحقيقة لقضية العرب الاولى ،  والتي دفعت ثمن ذلك نيابة عن كل العرب وما زالت تدفع الثمن الى اليوم، نعم انتصرت سورية على الارهاب والحلف الشيطاني ، وبانتصارها انتصرت لفلسطين ، ولكل العرب والانسانية .

وها هي سورية تسمو فوق كل الجراح رغم الاضرار الهائلة التي أصابتها من القريب قبل البعيد ومن الشقيق الذي هو لها اقرب من حبل الوريد ، ومع ذلك ورغم الالم والجراح والدمار بقيت وستبقى  تلك الارض والشعب والقيادة التي تستوعب كل العرب ،  فما بالك بجوهر قضيتها وخلاصة نضالها فلسطين العزيزة الجرح النازف في جسد الامة. ولقد كان الرئيس الأسد مثالا للتمسك المبدئي بثوابت النضال العربي وهو يستقبل وفداً يضم عدداً من قادة وممثلي القوى والفصائل الفلسطينية وعلى راسهم حركة حماس، حيث جرى النقاش حول  نتائج حوارات المصالحة التي جرت بين الفصائل الفلسطينية في الجزائر خلال الأيام الماضية، وسبل تعزيز هذه المصالحات لمواكبة الحالة الشعبية المتصاعدة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه المستمرة في الأراضي الفلسطينية.

فما اجمل المصالحة والوفاق والترفع عن الجروح الامر الذي يدفعنا للتفاؤل برؤية تصالح عربي عربي ، وانا على يقين بانه سينطلق من الجزائر ويكتمل  في دمشق، وكما نراه اليوم مع الفصائل الفلسطينية.

لقد استدركت حركة حماس الخطأ التاريخي الذي وقعت فيه كحركة مقاومة لها دورها الكبير ونضالها وتضحيتها في فلسطين ولم تستطع الاستغناء عن الدور الكبير الذي قدمته سورية للحركة وللقضية بشكل عام فعادت الى الحاضن الرئيسي للمقاومة .وهذا بحد ذاته يشكل شجاعة في الموقف ونضوجا سياسيا يرتقي الى مستوى الحكمة ، فسورية التي قدمت الغالي والنفيس من اجل القضية لن تكون الا الحضن الدافئ للجميع والمسامح الكريم، فهل يكون موقف حماس مشجعا للأنظمة العربية التي اخطأت بحق سورية لستدرك الامر، فأن يرجع الانسان عن خطئه هو فعل محمود ولا سيما في العمل السياسي ، والحاكم او المسؤول الناجح هو الذي يملك شجاعة المراجعة والتصحيح وتصويب الاخطاء ،كما يملك القدرة على قراءة المتغيرات الدولية والاقليمية ومواكبة التطورات والاستجابة للتحديات الجديدة .ولقد آن للعرب حكومات واحزابا ومنظمات وقوى سياسية ونضالية ومقاومة  والتي يجمعها اكثر مما يفرقها أن تتمسك بالاتجاه الصحيح للبوصلة العربية فمن شأن ذلك الارتقاء  بالأمة نحو المستقبل المنشود وإنهاء حالة النفور والقطيعة وردم التصدع وتجاوز مرحلة هي الاصعب في تاريخ الامة العربية، ولعل قمة الجزائر تكون قمة هذا الارتقاء العربي المنشود .

* المصدر :رأي اليوم

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع