ريم عبيد*

غابت السعودية عن العيد وحضر اليمن.. بقوة حضر اليمن، بالأخضر حضر اليمن، بلبيك يا رسول الله.. حضر اليمن، علما أن الإسلام بدأ من مكة، التي تقع اليوم تحت حكم آل سعود..

وفقاً لبعض المؤرخين، مثل الأميركي”فيرنون” وبعض علماء الدين فإن الإسلام ظهر بشكلٍ أساسي كـ”حركة إصلاحٍ اجتماعية- دينية،” وقد نزل القرآن على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم  الذي كان يتيماً فقيراً وكان يعيش في كنف جده، ثم انتقل فيما بعد للعيش في منزل عمه بعد وفاة جده، وهذه حقيقة.

في ذلك الوقت، كانت مكة موطناً لمزار الكعبة الوثني وبضع مئاتٍ من الأصنام الوثنية المحيطة بها، فضلاً عن كونها مركزاً تجارياً إقليمياً، كان يقوم بتوزيعٍ غير عادل للثروة بين النخبة الغنية والأسر والقبائل الفقيرة والمعدمة.

إلى أن أتى رسول الله محمد ووفقاً للمؤلفة البريطانية “كارين أرمسترونغ”، التي أكدت على رسالة “محمد” الاجتماعية في كتابها عن “تاريخ الاسلام”، فإنه صلى الله عليه وآله وسلم، دعا شعب الجزيرة العربية إلى “تقاسم الثروة وخلق مجتمعا يُعامل فيه الضعفاء والمستضعفين باحترام.”

وهنا يمكن تفسير لماذا حورب في السابق ويحارب اليوم كل من يطالب بالمثل، اي بتوزيع عادل للثروة، على اعتبار أن الحاكم له الحق وحده بها، وقد يوزع جزءا منها على شكل مكرمات ويمكن أن يذهب جزء لميزانية الدولة وهو جزء لا يتعدى 30% من مجمل ثروة البلاد، كما يحصل الآن في السعودية.

وهذا اليمن أكبر الدلائل الواضحة، على أن من يرفض الذل والهوان، ويصرخ هيهات هذه أرضي ومن واجبي الدفاع عنها، وهذه مواردي من حقي، يحاربه المتوارون بالإسلام بمعية بعض المحاربين له، يشكلون تحالفا، وبعدوان غاشم، يشنون عليه حربا ضروساً، يحاصرونه، ويقتلون شعبه، ويحرمون أطفاله العيش والتعليم والصحة وحتى السقف الذي يقيهم حر الشمس وبرد الشتاء، يرفعوه عنهم، بذرائع واهية، “وما يحاربون الا الله”.

ولكن المفارقة هو أن هذا الشعب المستضعف، خلق من ضعفه قوة تهزمهم، وتجعلهم عبرة.. وفوق هذا يخرج شعبه بالملايين بعد ثماني سنوات من الحصار والحرب والتجويع والضغط، ليقول “لبيك سيدي يا رسول الله” في مشهد لم ير العالم بضخامته من قبل.

وهنا لا بد من الاشارة الى انه وفي تقرير سابق لها، أكدت “الفايننشال تايمز” أن السعودية والإمارات معا، رغم كل ما تملكانه، فشلتا في تحقيق أيّ تقدّم على الأرض أو في إعادة نظام «عبدربه منصور هادي»؛ على الرغم من الدعم الأميركي، ولم تستطيعا أخذ صنعاء من أنصار الله، وما فعلتاه وتواظبان على فعله بانتظام هو قصف المستشفيات والمدارس وحفلات الزفاف والجنازات والمساجد والأسواق، إضافة إلى إعطاء “القاعدة” فرصة للوجود على أرضية كبرى في شبه الجزيرة العربية”.. وهذا يعني تمكين الإرهاب لا العكس.

ومع أن عدد المسلمين يبلغ حوالي 1.9 مليار مسلم أو حوالي 24.8% من سكان العالم، وفقًا لآخر إحصاءات أجريت، ويشكل المسلمون غالبية السكان في 49 دولة.. الا أن جزءا كبيرا منهم يقف متفرجا عاجزا أمام آلاف الجوعى من المسلمين في اليمن جلهم من الأطفال، يخشى إدانة تحالف عدواني تقوده السعودية، علما أنه بسبب حصاره الجائر حكم على الآلاف من اليمنيين أن يكونوا بلا مأوى لأن طائراته قصفت منازلهم، وأصبح هؤلاء يعيشون اللاأمن في أرضهم، وللأسف يقف هؤلاء المسلمون أيضا متفرجين على الكميات الهائلة من الموارد التي تسرق وتنهب وتحرم مستحقها منها، وهو الشعب اليمني فقط لا غير.

ولكن، رغم كل هذه الوقائع والحقائق الدامغة، خرجت صنعاء- صعدة- مارب الجوبة _ مارب صرواح _ الحديدة _ البيضاء _ إب _ تعز _ الجوف _ صنعاء الثورة _ عمران _ حجة _ المحويت _ ريمة_ الضالع _ البيضاء _ ذمار. .وغيرها..

14 محافظة في 27 ساحة، لتقول جميعها،” لبيك يا محمد، لبيك يا رسول الله”.. فلا الحصار منعهم، لا القتل، لا الطائرات، لا الترهيب ولا الوعيد، كله سقط أمام إرادة شعب، قرر أن يتحدى العالم الذي وقف ضده.. مشهد مليوني، أقل ما يقال عنه، إنه الرعب بعينه، رعب لمن حارب الشعب اليمني، وحارب دين المسلمين- وهو المدعي بأنه يدين به- علما أنه ومنذ قيام الدولة ‎السعودية الأولى واتفاق الردة على الإسلام المحمدي الأصيل بين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب، والنظام السعودي يحافظ على وظيفته بتحريم ومنع كل ما يشير إلى الاحتفاء بالرسول الأعظم ومكانته، والآن بعد ٢٠٠ عام أعاد أهل ‎اليمن الى شبه الجزيرة العربية بهاء الاحتفال العظيم بالمولد النبوي الشريف..

وفيما تحتفي السعودية باليوم الوطني، وتحتفل أيضا بيوم الزي البدوي السعودي وتقيم لأجله الاحتفالات على اراضيها، فهي تعتبر -وهي قبلة المسلمين- الاحتفال بالمولد النبوي، بدعة.. وما بين السنة والبدعة في الفكر الوهابي، ينظر إلى المراقص في السعودية على أنها سنة، ويعد الركوع للبقرة في الإمارات سنة، ويعتبر الاختلاط والخمور في السعودية سنة، بينما يعتبر الاحتشاد من أجل المولد النبوي الشريف في اليمن بدعة، أتحاربون الله؟؟

يسعون للرضا الأميركي، ويقولون إنهم بالترفيه يحاربون التطرف، وما التطرف بنظرهم إلا “الإسلام” والمعتقلات تشهد على الدعاة المعتقلين فقط لأنهم دعوا إلى اتباع الرسالة الحقيقية للإسلام ونبذوا العادات الطارئة عليه والتي تشوه حقيقته، ومن أهلهم شاهد وهي اختصاصية الأديان سوزان لوينبرغر من معهد الدراسات الدينية في جامعة برن السويسرية، تقول إنه من خلال الصلاة والصيام والعلاقات الاجتماعية المنظمة بين الجنسين، يقدم الإسلام نمطاً منظما ومنضبطا للحياة، ويمكنه توفير الدعم والتوجيه.. نعم إنها حقيقة الإسلام، الذي تحاول أميركا من جهة وأوروبا بيمينها المتطرف المتصاعد محاربته، وللأسف تساندها دول عربية، فلا غرابة أن تمنع المساجد من أن تصدح بصوت الصلاة على المكبرات، فيما يسمح للحاخامات بأن ينفخوا بأبواقهم في محضر الأولياء.. هذا يترك بلا محاسبة، فيما يلاحق محتف بمولد النبي داخل السعودية أو خارجها..   ولذا لم يحضر الشعب اليمني كله الى الساحات عبثا، وإنما أتى ليقدم الإسلام للعالم بأبهى حلة، وكانت أقوى رسالة.

رسالة وصفها السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، على أنها تحذير لأعداء رسول الله بأن “هذه الأمة تعزز ارتباطها بالرسول الأعظم”.

وفي خطابه أمام التظاهرات الحاشدة، حذر الغرب كذلك من “العواقب الوخيمة لممارساتهم” ودعاهم إلى “التحرر من الصهيونية التي سيطرت عليهم ولعبت بهم”، كما أكد تمسك الشعب اليمني “بالقضية الفلسطينية والمسجد الأقصى”، مشددا على أنّ “التطبيع هو خيانة لمبادئ الله”، وداعياً “التحالف إلى وقف العدوان ورفع الحصار والاحتلال، ومتمنيا من الشعب العظيم مواصلة التصدي.

ومن لبى من أجل مولد محمد، لن يتأخر من أجل نصرة دينه والدفاع عن حقه المقدس في أرضه، وبمن صمد لثماني سنوات، وكان “خير أمة أخرجت للناس”، دافع عن أرضه، وحمى عرضه، ومن الضعف صنع قوة ثابتة حقيقية، تثبتت بالفعل في ساحة الوغى، وبالشكل والفعل أيضا في العروض العسكرية الجبارة، واليوم في الحشد المليوني الهادر، حتما لن يتخلى اليوم ويجهز على الإنجاز.

الانجاز المتمثل بإجهاض مشروع استعماري يهدف إلى تفتيت أرض المسلمين، فكما يبين التاريخ كيف أنه تم شق الدولة العثمانية وتقسيمها إلى عدة دول، ما تزال هذه الخطة الشريرة تتبع حتى اليوم.

فالتمزيق هو مشروع اقترحه المفكرون الصهاينة، سعوا من خلاله ولا يزالون إلى تغريب الإسلام لتحقيق مصالحهم الخاصة، فإذا تابعنا سوريا في السنوات العشر الماضية، ما حدث هو أنها أصبحت خرابًا وللأسف قسمت لمناطق نفوذ واميركا اليوم تسرق نفطها، ذات الموضوع يتم السير به بخصوص استقلال اقليم كردستان في العراق، وكان مخطط التقسيم معدا أيضا لليمن، ولكن فشل فشلا ذريعا، فهل هم غافلون عن حشود يوم التلبية للنبي؟

إذا الثاني عشر من ربيع الاول 1444هـ، موعد جدد فيه الشعب اليمني تمسكه بالإسلام، وأكد مساره الجهادي حتى تحقيق النصر، ومن السعودية الى اليمن، مفهومان للإسلام الاول هدام وصورته في السعودية التي تدعم الإسلام وفوبيا باعتمادها القتل بأبشع الطرق ومنها المنشار، فيما يظهر الإسلام الحقيقي بصورة أخرى في اليمن العزيز، بمواكب التلبية السلمية المهيبة، الخضراء النقية لتقول للعالم أجمع “هنا الإسلام المحمدي الأصيل”، وما ترونه خلاف ذلك ما هو إلا بدع ومحض افتراء.

* المصدر: سبتمبر نت