أوبك وخفض الإنتاج… والتقاطعات الدوليه
خليل الهندي*
لقد تفاجأ الجميع من قرار منظمة أوبك + خفض إنتاجها من البترول بمليوني برميل يومياً، وهذه نسبه ليست بسيطه في السوق العالمي مما تؤدي حتماً إلى زيادة أسعار النفط ومشتقاته وتأجيج أزمة التضخم في اقتصاديات دول العالم وخاصه امريكا واوروبا. وكذلك دور السعوديه في التأثير على منظمة أوبك بهذا القرار.
توقيت هذا القرار قبل خمسة أسابيع من الانتخابات النصفيه الامريكيه قد يقلب نتائج الانتخابات لصالح الجمهوريين. وهذا بالرغم من زيارة الرئيس الامريكي بايدن إلى الرياض قبل شهرين ليطلب من السعوديه زيادة انتاجها من النفط.
هذا التحول في موقف السعوديه ضد السياسه الامريكيه ، هل يعتبر موقف حقيقي أم هو مسرحيه؟
انا اجزم بأن محمد بن سلمان ليس باميراً ثورياً ، ولم يأت من غابات فيتنام ، ولم يتمرس العمل الثوري في كوبا أو الجزائر . جاء هذا الأمير من أسره أنشأها الاستعمار البريطاني ورعاها الاستعمار الأمريكي ، ومنذ تأسيس هذا الكيان ولغاية اليوم ولأكثر من مائة عام وهذه الأسره خادمه ومطيعه وعميله ومطبعه للاستعمار والصهيونيه ، وعلى الاستعداد التام للعمل ضد مصالح الوطن والشعب والامه خدمه للاستعمار ، وتاريخها حافل بذلك .
وللتذكير فقط …… ففي حرب أكتوبر ١٩٧٣، خفضت السعوديه إنتاج النفط على الغرب ، وحينها صفق العرب للملك فيصل ، واعتبره البعض زعيم قومي ومناضل وخارج عن سياق الكيان السعودي . لكن بعد البحث والتقصي ، نكتشف بأن هذه الحرب كانت حرباً تحريكيه وليست تحريريه ، خاضها السادات بالتنسيق مع هنري كيسنجر من اجل انقاذ الدولار الأمريكي وفتح قناة السويس للملاحه الدوليه . ففي العام ١٩٧١ اضطر الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون ان يصارح الأمريكيين والعالم بان الدولار انفك ارتباطه بالذهب واصبحنا نطبع على المكشوف بدون تغطيه ذهبيه . أدى هذا إلى تدهور وضع الدولار في العالم بسبب ارتفاع التضخم ، وأصبحت الكثير من الدول تبحث عن بدائل أخرى غير الدولار ……. جاءت فكرة كيسنجر لإشعال حرب بين العرب والكيان الصهيوني وقطع النفط عن أمريكا وأوروبا حتى يرتفع سعر النفط من دولارين للبرميل إلى تسعه وثلاثين دولار . وفرضت أمريكا على السعوديه أن تبيع النفط بالدولار، وان تودع عائدات النفط في البنوك الامريكيه . وبهذا استطاعت حماية الدولار من الانهيار ، وتحول ارتباط الدولار من الذهب الاصفر الى الذهب الأسود مما أدى إلى ظهور مفهوم البترودولار ، وما زال هذا الواقع سارياً لغاية الان.
فليس غريباً أن تتآمر الولايات المتحدة على مواطنيها وعلى أوروبا في سبيل أهداف تعتبرها عظيمة وطويلة الأجل . وهذا هو الملك فيصل الذي ظهر كزعيم قومي في ذلك الزمن ، تبين أنه كان ضمن سياق المؤامره والنهج الامريكي.
في النصف الثاني من الثمانينات ، ضغطت أمريكا على السعوديه من اجل انتاج اثنى عشر مليون برميل نفط يومياً وذلك بهدف تخفيض سعر النفط حتى وصل إلى تسعة دولارات للبرميل ومن تحت الطاوله إلى ستة دولارات . كان الهدف تدمير الاتحاد السوفياتي وافلاسه وتفكيكه اقتصادياً . حتى ان الرئيس العراقي صدام حسين اعتقد بان دول الخليج هي صاحبة القرار وأن هذا الإجراء موجه ضد العراق ، فقام باحتلال الكويت .
من يعرف حقيقة السعوديه، يدرك بأن هذا البلد لا يستطيع الخروج من الفلك الأمريكي ولا بأي حال من الأحوال. فامريكا تحدد حجم الإنتاج، وعائدات النفط تودع في البنوك الامريكيه، وفوائض النفط ترسل لأمريكا لدعم اقتصادها مقابل صفقات أسلحة وهذا طبعاً حبر على ورق. واكبر دليل على ذلك ما أخذه ترامب من السعوديه بما يقارب نصف تريليون دولار.
اما اذا اعتبرنا بأن قرار بن سلمان من رأسه ومغاير للسياسه الامريكيه ، فانه جاهل بلا شك ، أو يلعب بدمه. فاول تهمه أنه يعارض أسياده ، وقد قالها ترامب على الملىء “إذا رفعنا الحمايه عن هذه الدول فإنها ستسقط في مدة اسبوعين” …… وثاني تهمه بأنه يتدخل في الانتخابات الامريكيه ويرغب في إسقاط بايدن ليحل مكانه عشيقه ترامب، هذا ولا يوجد عاقل في أمريكا يقبل بأن يحدد هذا المراهق من هو الرئيس القادم. فإذا كان الكلام صحيحاً فسوف تغتاله الدوله العميقه خلال شهرين على أكثر تقدير.
ما زلت أؤكد بأن هذه مسرحيه، وأدلل على ذلك بما يلي:
اولاً ؛ امريكا الان لديها فائض في إنتاج النفط والغاز وتسعى إلى التصدير ، ولا تتأثر بشكل كمي بتخفيض أوبك للإنتاج.
ثانياً ؛ المتضرر الوحيد لخفض الإنتاج هو أوروبا ، ومن الممكن أن أمريكا ترغب في إرهاق أوروبا اقتصادياً وفي قطاع النفط خاصه ونحن على ابواب الشتاء . وذلك بهدف السيطره عليها اكثر وجعلها تابعه وضعيفه، او لحشرها في الزاويه حتى تشن حرباً مباشره على روسيا . وبهذا تحارب امريكا روسيا من خلال الوكلاء، ومما يدفعني نحو هذا التحليل هو قيام أمريكا بتفجير خطوط الغاز الروسي المتجهه إلى أوروبا عبر بحر البلطيق.
ثالثاً ؛ لم تكن أمريكا سعيده بإنشاء الاتحاد الأوروبي، فعندما قام المستشار الألماني هلموت كول والرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران في بداية التسعينات بإنشاء الإتحاد الأوروبي من اجل ان تتحرر أوروبا من النفوذ والهيمنه الامريكيه خاصه وأن اوروبا عانت الكثير من الويلات خلال الحرب البارده، ولو حدث واشتعلت الحرب العالميه الثالثه لدفعت أوروبا الثمن الباهظ . إلا أنه ومع الزمن ، توالى رؤساء على الحكم ليصبحوا مثل معظم الحكام العرب يعملون لصالح أمريكا حتى ولو تعارض ذلك مع مصالح شعوبهم. وهذا بدليل تأجيج الصراع في الحرب الروسيه الاكرانيه بهدف جر روسيا لدخول الحرب مما انعكس بآثار سلبيه كبيره ظهرت في العمق الأوروبي في مجال إمداد النفط والغاز وكذلك التضخم وارتفاع الأسعار وانخفاض المخزون الغذائي.
رابعاً ؛ الولايات المتحدة على حافة الهاوية ، والحكومات الأمريكيه المتعاقبه تعتبر ان اضعاف الصين وروسيا وتفكيك هذه الدول، يعطي امريكا عمراً جديداً لتستمر في احادية القطب وتتحكم في دول العالم. ففي فترة حكم ترامب حاول إضعاف الصين ووقف نموها من خلال زرع فيروس كورونا في مقاطعة يوهان (المنطقه الأكثر انتاجاً للتكنولوجيا)، وهذا الفيروس محضر في مختبرات الحروب الجرثوميه. وفي عهد بايدن عمل على جر أوكرانيا للدخول في حلف الناتو من أجل تأجيج الصراع مع روسيا وذلك بهدف استنزاف روسيا في حرب طويلة الأجل تمهيداً لاضعافها وتفكيكها. وعندما شعر بأن الحرب تسير لصالح روسيا نوعاً ما ، ها هو يحاول الضغط على أوروبا بعدة وسائل للدخول في حرب مباشره ضد روسيا .
الان قام العديد من أعضاء الكونجرس الأمريكي بالمطالبه بوقف بيع أسلحة للسعوديه رداً على قرارها بتخفيض إنتاج النفط ، وذلك بدعوى أن الحرب على اليمن غير إنسانية ، ويمكن القول لهم باللهجه الشعبيه ( نعيماً ) فبعد سبع سنوات من الحرب ، اكتشف هؤلاء بأن الحرب غير إنسانيه ويجب إيقافها. وها هو بايدن يزور الرياض قبل شهرين ويضع يده في يد ما كان يسميه المجرم قاتل الخاشقجي ، وفي حملته الانتخابيه كان يطالب بمحاكمة بن سلمان . هذا هو نموذج الدول الاستعماريه والتي لا ترى سوى مصالحها على حساب الشعوب المستضعفه.
* المصدر :رأي اليوم
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع