السياسية:

تُظهر لقطات قدمتها وزارة الدفاع الروسية في فبراير/ شباط 2022 لصاروخ يارس الباليستي العابر للقارات أثناء تدريبات عسكرية/ وزارة الدفاع الروسية
مع استمرار تراجع الجيش الروسي على الأرض وفشل خطة الحرب السريعة الحاسمة في أوكرانيا، يرى محللون أمريكيون أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين توصل إلى طريقة للفوز من خلال “الظهور وكأنه يخسر”، حيث إن تحركاته الأخيرة، التي أعلن فيها عن تعبئة جزئية، بالإضافة إلى ضم مناطق شرق وجنوب أوكرانيا إلى الاتحاد الروسي، هي بوادر لاستخدام الأسلحة النووية ضد أوكرانيا. لكن هل يكسب بوتين الحرب إذا ما قرر استخدام النووي في أوكرانيا؟

هل يمكن لبوتين كسب هذه الحرب بالأسلحة النووية؟
يقول دان جوري، نائب رئيس معهد ليكسينغتون لأبحاث السياسة العامة، والذي عمل طويلاً في الحكومة الفيدرالية وكان عضواً بالفريق الانتقالي لوزارة الدفاع الأمريكية قبل نحو 20 عاماً، إنه إذا واصلت القوات الأوكرانية، المسلحة بمجموعة واسعة وقوية من الأسلحة الغربية، هجومها المضاد على القوات الروسية، فإنها ستشكل تهديداً لـ”الوطن الروسي” في شكل الأراضي المكتسبة حديثاً.

وسيرد بوتين بما حذر مراراً من أنه سيفعله: استخدام الأسلحة النووية، سواء أكان هذا الاستخدام ضد هدف مخصص في أوكرانيا، أم غير ذلك، ستكون التأثيرات هي نفسها.

ويرى جوري وهو أيضاً محلل الأمن القومي والقضايا العسكرية لشبكة إن بي سي الأمريكية، في تحليل بمجلة National interest الأمريكية، إن مثل هذه الخطوة ستقوض بلا شك الدعم الغربي لكيف، بالنظر إلى أن الولايات المتحدة وحلف الناتو من المؤكد تقريباً عدم ردهم بالمثل على روسيا. كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى إضعاف حلف الناتو، من حيث الجوهر، وقد يفوز بوتين بخسارة الغرب.

روسيا بوتين أوكرانيا

التصعيد النووي سيحقق النصر لبوتين في الداخل والخارج
لطالما فكر القادة الغربيون وخبراء الدفاع في احتمال أن تلجأ موسكو إلى استخدام الأسلحة النووية في حالة فشل حملتها التقليدية ضد أوكرانيا. أصبح هذا الاحتمال الآن يقيناً افتراضياً. وضاعف بوتين من موقفه في حرب تقليدية لا يمكنه الفوز بها إذا استمر الدعم الغربي لأوكرانيا وتوسع الناتو شرق أوروبا.

وبدأ الغرب توسعاً صناعياً وعسكرياً من شأنه أن يقلب التوازن الاستراتيجي ضد روسيا؛ حيث كان على روسيا بالفعل أن تطلب المساعدة من أضعف الحلفاء، مثل إيران وكوريا الشمالية. وفي الوقت نفسه، لن توفر التعبئة الجزئية للجيش الروسي الوسائل لعكس الوضع في ساحة المعركة وستؤدي إلى تفاقم المعارضة لبوتين في الداخل.

لكن من خلال التصعيد النووي، يمكن لبوتين أن يحقق النصر في كل من الخارج والداخل، كما يقول جوري.

بوتين يستند على “العقيدة النووية الروسية”
تنص العقيدة النووية الروسية صراحةً على أنه إذا كان العدوان التقليدي على روسيا يهدد وجود الأمة، فإن هذا من شأنه أن يبرر استخدام الأسلحة النووية. لكن لم يكن التعريف يوضح إلى أي مدى يجب أن يمضي الهجوم التقليدي من أجل تجاوز هذه العتبة.

وصاغ بوتين مثل هذا التهديد الوجودي في خطابه الأخير، معلناً التعبئة الجزئية. وكرر زعمه أن هدف الغرب في دعم أوكرانيا هو تدمير روسيا وتهديد كل الشعب الروسي. أوضح بوتين أنه يجوز لموسكو استخدام الأسلحة النووية من أجل حماية وحدة أراضي الدولة التي ستشمل الآن الأجزاء التي تم الاستيلاء عليها من أوكرانيا وضمها رسمياً للاتحاد الروسي، وقال بوتين:

“أود أن أذكر أولئك الذين يدلون بمثل هذه التصريحات بخصوص روسيا أن بلادنا لديها أنواع مختلفة من الأسلحة أيضاً، وبعضها أكثر حداثة من الأسلحة التي تمتلكها دول الناتو. في حالة وجود تهديد للسلامة الإقليمية لبلدنا وشعبنا، سنستخدم بالتأكيد جميع أنظمة الأسلحة المتاحة لنا، هذه ليست خدعة”.

وأضاف بوتين: “يمكن لمواطني روسيا أن يطمئنوا إلى أنه سيتم الدفاع عن وحدة أراضي وطننا الأم واستقلالنا وحريتنا -أكرر- من خلال جميع الأنظمة المتاحة لنا. أولئك الذين يستخدمون الابتزاز النووي ضدنا، يجب أن يعلموا أن الأمر يمكن أن ينقلب عليهم”.

ماذا سيفعل الغرب إذا ردت روسيا على هجوم أوكرانيا المضاد بالسلاح النووي؟

يقول جوري: يكاد يكون من المؤكد أن الناتو لن يرد بخطوة نووية مماثلة، أي شخص عمل في مناورات حربية رفيعة المستوى للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي على مدى العقود العديدة الماضية، كما فعلت أنا، حيث يمتلك الجانب الآخر الأسلحة النووية ضدنا، فقد أدرك أنه من الصعب للغاية على واشنطن -ناهيك عن حلف الناتو- الرد بالمثل، حتى لو كانت القوات الأمريكية أو قوات الناتو هدفاً لمثل هذا الهجوم. وذلك ما لم يكن الهجوم هائلاً، حيث تختار الولايات المتحدة ودول الناتو دائماً حملة عسكرية تقليدية مكثفة، أو تتراجع.

وبحسب جوري، فلو استخدم بوتين سلاحاً نووياً ضد أوكرانيا، فستكون الخيارات الغربية محدودة أكثر، أوكرانيا باختصار ليست عضواً في الناتو ولا تحميها المظلة النووية للحلف. سيجد القادة الغربيون الرد باستخدام سلاح نووي غير منطقي ولا يتماشى مع عقيدته.

وكما قال مسؤول حكومي أمريكي سابق ومفاوض بشأن الحد من الأسلحة النووية من ذوي الخبرة، فيما يتعلق بكيفية رد واشنطن على تفجير نووي روسي: “لا أعتقد أن الولايات المتحدة ستتخذ خطوة تصعيدية. بالتأكيد، لن ترد بأسلحة نووية”. يمكنك المراهنة على أن بوتين يعرف ذلك جيداً.

لكن ما الذي تعهدت به أمريكا والغرب للرد على نووي بوتين؟
تعهد القادة الغربيون، وأبرزهم الرئيس الأمريكي جو بايدن، بالرد على استخدام روسيا للأسلحة النووية من خلال مضاعفة دعمهم لأوكرانيا، وتزويدها بأسلحة تقليدية أكثر وأفضل، وتوسيع العقوبات الاقتصادية على روسيا، ومحاولة تجنيد المجتمع الدولي لجعل روسيا دولة منبوذة.

كان هذا تحذير بايدن في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. في الأساس، سيسعى الغرب إلى الاستمرار في الاستراتيجية التي أدت إلى استخدام بوتين للأسلحة النووية في المقام الأول. هذا هو تعريف الجنون: فعل نفس الشيء مرة أخرى وتوقع نتيجة مختلفة، يقول دان جوري.

إن توفير معدات عسكرية غربية إضافية لأوكرانيا، بما في ذلك المزيد من قاذفات HIMARS المدمرة، والصواريخ بعيدة المدى، والطائرات بدون طيار المتقدمة، والدروع الثقيلة، وحتى مقاتلات F-16، سيضمن قدرة أوكرانيا على صد الجيش الروسي، لكنها لن تنهي الحرب.

“ما معنى وجود هذا العالم بدون روسيا؟”
في الواقع، فإن الرد الغربي المحتمل سيكون في مصلحة بوتين؛ حيث سيقابل استخدامه النووي الأولي برد أقل من المتناسب، مما يدل على الضعف الغربي، بحسب جوري.

وكانت موسكو على الدوام ستبتعد عن استخدام سلاح نووي، وتظهر أن الردع لا معنى له، وتهيئ نفسها لاستخدام الأسلحة النووية مرة أخرى في المستقبل. لكن من المؤكد أن حظوظ بوتين في الداخل ستتحسن بفعل ذلك، وسيدَّعي بوتين أنه الزعيم الروسي الذي وقف في وجه الغرب وأفلت من استخدام سلاح نووي للدفاع عن “الوطن الأم”.

يعتقد بوتين أن الحرب في أوكرانيا ضرورية لهزيمة التهديد الوجودي لروسيا الذي يمثله توسع الناتو وجهودها لإنشاء دولة تابعة للغرب على أعتاب روسيا. في هذا السياق، فإن استخدام الأسلحة النووية له ما يبرره لوقف خطر التصعيد الغربي.

في مقابلة عام 2018، أعلن بوتين أن الاستخدام الأول للنووي سيكون منطقياً في ظل تهديد للأمة، حتى لو تسبب في كارثة عالمية. بعد كل شيء، قال: “لماذا نحتاج إلى مثل هذا العالم إذا لم تكن روسيا موجودة فيه؟”. يقول دان جوري: إن القائد الذي يرغب في تجاوز حافة الهاوية للدفاع عن الوطن الأم سيحظى باحترام عميق داخلياً، وفي روسيا، يجب أن يكون ذلك جيداً بما يكفي لبوتين.

المصدر : عربي بوست
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع