السياسية:

تعتمد بعض أكثر الأسلحة الروسية عالية التقنية على إلكترونيات وأجزاء عتيقة لم يعد بالإمكان الحصول عليها من بقية العالم. ويعد عدم قدرة الدولة على إنتاج ما يكفي من أشباه الموصلات، الضرورية لإنتاج أنظمة الأسلحة الحديثة، يعني أنها يجب أن تستخدم رقائق إلكترونية قديمة، بما في ذلك الرقائق التجارية المستوردة من بقية العالم. وسيكون لهذا النقص تداعيات خطيرة على مستقبل الجيش الروسي، وعلى صادرات الأسلحة الروسية إلى الخارج. كيف ذلك؟

ماذا يعني استخدام روسيا لرقائق إلكترونية قديمة في إنتاج أسلحتها؟
ذكرت صحيفة New York Times الأمريكية أن الخبراء في مركز أبحاث تسليح النزاعات قاموا بفحص أجزاء من عدة أنظمة أسلحة روسية تم إسقاطها مؤخراً في أوكرانيا، حيث يحدد مركز أبحاث تسليح النزاعات الأسلحة التقليدية والذخيرة وتتبَّعها في النزاعات المسلحة المعاصرة.

وعثرَ الباحثون على الأجزاء من صاروخ 3إم-54 كاليبر، الذي يطلق على السفن، وهو صاروخ موجّه من عيار 300 ملم من نظام قاذفة صواريخ تورنادو، وصواريخ جو-أرض كيه إتش-59، وصواريخ كروز للهجوم الأرضي من طراز كيه إتش-101.

وبحسب نيويورك تايمز، تغطي الأسلحة الأربعة معاً مجموعة واسعة من أنظمة الإطلاق وكمية كبيرة من أسلحة الهجوم الأرضي الروسية. استخدم الأربعة جميعاً المكونات الإلكترونية نفسها، التي تحمل علامة إس إن-99، والتي كُشِفَ أنها أجهزة استقبال للملاحة عبر الأقمار الصناعية.

الغريب أيضاً أن مكونات صاروخ إس إن-99 لم تُصنَّع في روسيا، وفي المقابل حُصِلَ عليها من الخارج. وأوضح مركز أبحاث تسليح النزاعات: “بعد توثيق لوحات الدوائر المطبوعة داخل كتل مستقبلات إشارات الملاحة عبر الأقمار الصناعية لهذه الصواريخ الأربعة، فقد صُنِّعَت جميعاً من نفس المكونات غير الروسية بين عامي 2012 و2020”. ولم تشرح أبحاث تسليح النزاعات بالضبط البلد الذي أتت منه لوحات الدوائر.

روسيا ستواجه أزمة في إعادة بناء أسلحتها
تقول مجلة Popular Mechanics الأمريكية، بغض النظر عن كيفية انتهاء حرب أوكرانيا، ستواجه روسيا صعوبة في إعادة بناء آليتها الحربية، وأوضح مركز أبحاث تسليح النزاعات على موقعها الإلكتروني أنها حددت “إجمالي 144 مصنعاً غير روسي لأكثر من 650 نموذجاً فريداً من المكونات في المواد الروسية المستخدمة في الحرب على أوكرانيا”.

وبالإضافة إلى الأنواع الأربعة من الذخائر جو – أرض، عُثِرَ على إلكترونيات أجنبية في مروحية هجومية من طراز كاموف كا-52، وطائرات مسيَّرة بما في ذلك طائرة أورلان-10 وأجهزة راديو عسكرية ومعدات حرب إلكترونية.

يعتبر قطاع التصنيع عالي التقنية في روسيا متخلفاً نسبياً، مقارنة بالدول الكبرى الأخرى، مما يعني أنه يجب على موسكو استيراد أشباه الموصلات والإلكترونيات الأخرى. وليس استيراد الرقائق تكتيكاً جديداً، لكنه يجعل مقاولي الدفاع تحت رحمة العقوبات الدولية المصممة لتجويع روسيا من التكنولوجيا العسكرية المتقدمة.

وأوضح باحث في أبحاث تسليح النزاع أن المركز سيسأل الشركات المصنعة عن كيفية وصول الرقائق إلى روسيا، سواء من خلال الشراء المشروع أو من خلال شركة وهمية أو ما شابه ذلك. غالباً ما تنشئ الدول الخاضعة للعقوبات شركات وهمية لشراء المعدات العسكرية أو العسكرية المدنية ذات الاستخدام المزدوج في الخارج.

هل ستعيق العقوبات الدولية قدرة روسيا على تصنيع أسلحة جديدة؟
تقول مجلة Popular Mechanics، تاريخياً، حققت روسيا نجاحاً كبيراً في الحصول على المعدات الخاضعة للعقوبات. في الثمانينيات، أصبحت الغواصات السوفييتية، لسبب غير مفهوم، أكثر هدوءاً وقادرة على تجنب الاكتشاف.

وتتبعت المخابرات الغربية هذا الاختراق في بيع آلات التحكم الرقمي، ثم تكنولوجيا التصنيع المتقدمة، من قبل شركة توشيبا اليابانية، وكونغ سبيرغ النرويجية، إلى الشركات الأمامية التي تديرها الاستخبارات الروسية. واستُخدِمَت آلات التحكم الرقمي هذه لصنع مراوح غواصة متطورة تقلل من الضوضاء التي تحدثها الغواصة.

وتعرّضت روسيا لموجة عاتية من التأثيرات الثانوية الناجمة عن غزوها لأوكرانيا، بما في ذلك عقوبات دولية واسعة النطاق. واستخدمت أيضاً كمية هائلة من الصواريخ والقذائف، وكلها تتطلب تقنية لا يمكنها بناء نفسها. إذا لم تتمكن من الحصول عليهم، فقد تجد روسيا نفسها غير قادرة على الدفاع عن نفسها، ناهيك عن غزو جارة لها، كما تقول المجلة الأمريكية.

أمريكا تسعى لضرب الصناعات الدفاعية الروسية
وفي بداية الحرب الروسية الأوكرانية، أعلنت الولايات المتحدة، استهدافها الجيش الروسي بعقوبات من شأنها قطع إمدادات الرقائق الإلكترونية (أشباه الموصّلات)، في ضربة للقوة العسكرية الروسية وآمالها في تطوير صناعاتها الدفاعية.

وتأمل أمريكا من هذه العقوبات، قطع إمدادات الرقائق الإلكترونية التي تنتجها مجموعات أمريكية رائدة مثل Intel وNvidia. كما تعهدت الشركة التايوانية Taiwan Semiconductor Manufacturing Company، أكبر شركة لتصنيع الرقائق في العالم، والتي تسيطر على أكثر من نصف السوق العالمية للرقائق المصنوعة حسب الطلب، بالامتثال الكامل لضوابط التصدير التي أعلنتها أمريكا.

وكانت الولايات المتحدة قد شحذت قدرتها على قطع الشركات عن أشباه الموصلات باستخدام سلطاتها في مراقبة الصادرات على شركة الاتصالات الصينية Huawei خلال إدارة ترامب.

إنَّ استخدام هذه القوة نفسها ضد روسيا على نطاق واسع، وبطريقة أكثر صرامة ضد قائمة محددة من 49 كياناً عسكرياً، يعني أنَّ البلاد الآن محرومة فعلياً من الوصول إلى أشباه الموصلات المتطورة وغيرها من واردات التكنولوجيا الحاسمة لتقدمها العسكري.

وقالت جوليا فريدلاندر، المسؤولة السابقة في وزارة الخزانة الأمريكية لصحيفة The Financial Times البريطانية “إنَّ روسيا مستعدة استعداداً جيداً للغاية، لكن مع مرور الوقت سيؤدي ذلك إلى تدهور قدراتها العسكرية بشدة”.

فيما قال جيم لويس، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إنَّ الحصار سيؤثر أيضاً في التكنولوجيا الروسية على نطاق أوسع. وهذا يشمل أيضاً طموحات روسيا التكنولوجية. فقد كانت روسيا متأخرة بالفعل في التكنولوجيا الناشئة، وهذا سيدفعها إلى الوراء أكثر”.

* المصدر : عربي بوست
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع