تطورات مفصلية ينتظرها الميدان الأوكراني..كيف تؤثر على مسار المواجهة؟
شارل أبي نادر*
من تابع مؤخرًا أغلب المعلقين والمحللين من أصحاب التوجهات المناهضة لروسيا، وخاصة بعد أن استعادت الوحدات الأوكرانية مساحة كبيرة من البلدات والمدن الصغيرة في محيط خاركوف، يلاحظ أن روسيا بنظر هؤلاء هزمت شر هزيمة وهي على طريق الاستسلام، وهي تبحث عن التوقيت المناسب والأقرب لسحب وحداتها كافة من أوكرانيا.
طبعًا، لا يمكن استبعاد أن هذا الانطباع الذي أظهرته الأوساط المؤيدة للغرب يدخل ضمن الحرب النفسية والدعاية الخبيثة، والتي تشكل عادة أحد أكثر الأسلحة الاستثنائية تأثيرًا في الحروب. يضاف إلى ذلك أن هزيمة روسيا وانكسارها طالما كانت رغبة دفينة لدى الغرب بأغلبه، تاريخيًا وحاضرًا. ولكن بالحقيقة أيضًا، وبمعزل عن الحرب النفسية وعن الرغبة الجارفة بهزيمة روسيا، تكوّن لدى هؤلاء المتابعين استنتاج “صادق”، انطلاقًا مما لمسوه من معطيات ووقائع ميدانية، حول انسحاب الوحدات الروسية بشكل سريع أكثر مما تصوره أحد، من منطقة استراتيجية في شرق أوكرانيا كانت تشكل بالنسبة لهم في بداية العملية نقطة ارتكاز حيوية متداخلة غربًا في العمق، تؤمن امكانية اعتماد أكثر من مناورة هجومية شمال غرب باتجاه كييف، أو غربًا باتجاه مدينة دنيبرو، أو جنوب غرب بهدف الالتفاف على زابوراجيا من اتجاه الشمال.
فهل هزمت روسيا وخسرت الحرب التي أرادتها خاطفة عبر عملية خاصة سريعة؟ وما هي عمليًا حقيقة الوضع؟ وكيف يمكن تقديره فعليًا بشكل موضوعي وواقعي؟
أولًا: أعلنت مؤخرًا القيادة الأوكرانية أن “صواريخ “هيمارس” الأميركية تفقد جدواها أمام الجيش الروسي، وبعض من القادة الميدانيين الأوكرانيين في منطقة “باخموت” قالوا صراحة إنه لم يعد من جدوى لهذه الأنظمة “هيمارس”، بعد فشلها بالتأثير على خطوط امداد الجيش الروسي”.
من جهة أخرى، كانت قد أفادت صحيفة “نيويورك تايمز” بأنّ قيادة الجيش الأوكراني توصّلت إلى استنتاج أنّ القوات الروسية تكيفت بشكل ملحوظ مع الأنظمة الصاروخية الغربية، ونجحت في إعادة توزيع مستودعات الذخيرة لجعلها أقل عرضة للهجمات الأوكرانية، واعتبر هذا الأمر بمثابة تغيير ملحوظ في تصريحات القيادة الأوكرانية، على عكس تصريحاتها السابقة في بداية الصيف عن فعالية المنظومة الصاروخية الاميركية “هيمارس”، وعما حققته ضد مدرعات وآليات الروس وضد خطوط تمركز وحداتهم في محيط خاركوف وعلى جبهات الدونباس.
طبعا، لا يمكن القول ان هذا التغيير الميداني الذي فرضته مناورة الروس في استيعاب مفاعيل منظومة “هيمارس” سيكون الفاصل في المعركة لمصلحة وحدات موسكو، فعناصر هذه المواجهة واسلحتها ومن اتجاه الطرفين الروسي أو الاطلسي، تتجاوز هذه المنظومات الصاروخية، ولا تقتصر على ما حققته سابقًا في الميدان، فالطرفان يعتمدان على أسلحة نوعية جديدة، بمقدمتها منظومات دفاع جوي متطورة تقليدية أو على “اللايزر”، ويعتمدان أيضًا على مروحة واسعة من الطائرات المسيّرة، الاستطلاعية والهجومية الانتحارية أو الهجومية القادرة على المناورة أكثر من مرة.
اللافت في هذا المجال، والذي يمكن أن يشكل تغييرًا مؤثرًا، مع اضافته إلى ما حققه الروس لناحية استيعاب مفاعيل منظومة “هيمارس”، هو الطائرات المسيرة الايرانية، والتي استطاعت احداث تغيير غير مسبوق في التوقيت الخاطف، أو في التداعيات الميدانية والعسكرية، والتي يمكن استنتاج حجم تأثيراتها من ردة الفعل الغربية الأميركية والأوكرانية، ومن ردة الفعل الاسرائيلية.
فالتوقيت الخاطف الذي تدخلت فيه المسيرات الايرانية (شاهد بنماذجها المختلفة ومهاجر6)، كانت له تداعيات غير منتظرة، ففي الوقت الذي كان يهلل فيه الغرب والأوكرانيون لانجازات طرد الروس من محيط خاركوف، استطاعت هذه المسيّرات أن تحقق مجزرة صادمة في آليات ومراكز الاوكرانيين خلف خطوط الدفاع، وفي العمق الغربي للجبهات، والذي كان يعتبر محميًا وبعيدًا عن الاستهدافات الروسية.
ثانيًا: يبدو أن مسار انهاء ضم الدونباس وخيرسون وزابوراجيا الى الاتحاد الروسي هو على طريق الاكتمال من كافة النواحي العملية والدستورية، حيث نتائج الاستفتاء تذهب نحو موافقة أغلبية سكان هذه المقاطعات على هذا الانضمام التاريخي، والأهم في هذا الاجراء، بالاضافة لمفاعيله السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقومية، انه سيُصرف مباشرة في الميدان من خلال إحداثه تغييرًا جذريًا في استراتيجية المعركة الروسية، على اعتبار أن الدفاع عن أرض روسية له مقاربات عسكرية وسياسية مختلفة عما كان يجري حتى اليوم في المعركة الواسعة في اوكرانيا.
انطلاقًا من هذه المعطيات السياسية والدستورية والميدانية والعسكرية الجديدة، هناك الكثير من التساؤلات الحساسة التي يجب الاضاءة عليها، بهدف محاولة تلمّس ما ستؤول اليه المواجهة الروسية الاطلسية في المستقبل القريب، والقريب جدًا، وهي:
أمام هذا الفارق الواضح الذي بدأ يظهر في الميدان لمصلحة الروس، هل يرفع الغرب من مستوى دعمه للأوكرانيين؟ وإلى أي مدى يبقى هذا الدعم مقبولًا روسيًا؟ خاصة أن أغلب الأسلحة التي وصلت الى الأوكرانيين أو التي تقرر تجهيزها وارسالها الى وحدات كييف في الوقت القريب، أصبحت غير مجدية لاحداث تغيير ميداني مؤثر على معركة الروس، وذلك باعتراف أغلب المراجع الغربية، والتي تنقلها أو تترجمها حاليًا أغلب وسائل الاعلام الغربية.
هل يستعد الغرب لمواجهة ردة فعل عنيفة فيما لو رفع من مستوى دعمه لوحدات كييف، والتي لم تعد الأسلحة العادية أو التقليدية تنفع مناورته بمواجهة العملية الروسية؟ فالروس بدأوا مؤخرًا برفع سقف تصريحاتهم ليلامس الموضوع النووي، التكتي بداية وربما أبعد منه لاحقا.
واذا كان الغرب غير مستعد للسير في هذه المغامرة الخطيرة، وهذا هو الأرجح كون الروس في خسارتهم للحرب في اوكرانيا لن يكون لديهم بعدها شيء أكثر حساسية من ذلك لخسارته، الأمر الذي يقرب قرارهم حينها من الخط الأحمر والأخطر، والذي كانوا دائمًا يحذرون منه، والذي يمكن استنتاجه من الكلام الاخير لنائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف بقوله: “من حق روسيا استخدام الأسلحة النووية إذا كان ذلك ضروريًا مع الالتزام الصارم بأساسيات سياسة الدولة في مجال الردع النووي، وحيث روسيا ستستخدم الأسلحة النووية إذا تعرضت هي أو حلفاؤها لهجوم بهذه الأسلحة أو إذا تم تهديد وجودها”.
وهنا بيت القصيد في تفسير عبارة “اذا تم تهديد وجود روسيا”، حيث كان الرئيس بوتين قد أشار ضمنيا الى أن خسارتهم الحرب في أوكرانيا سيهدد وجود روسيا.
* المصدر :موقع العهد الإخباري
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع